حيتان مضيق جبل طارق في خطر
قبيل انعقاد هذا المؤتمر السنوي في العشرين من شهر يونيو/حزيران الجاري يتوجه ناشطو حماية البيئة وعلماء الطبيعة إلى سيؤول لتبادل الآراء والمعلومات حول التغيرات التي تشهدها البيئة البحرية في العالم. هذا العام ستشغل البيئة البحرية في مضيق جبل طارق حيزاً كبيراً من النقاش، لأن تلك المنطقة الواقعة بين قارتي أوربا وأفريقيا غنية بالكائنات البحرية الفريدة، لاسيما الحيتان. بعض هذه الكائنات معرض لخطر الانقراض بسبب تلوث المياه بالزيت ونتيجة الصيد الجائر. ناهيك عن المخاطر التي قد تواجه الحيتان عند عبور السفن والعبارات للمضيق، لا سيما وان ما يزيد عن مائتي سفينة وناقلة شحن عملاقة تعبر المضيق يومياً من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلنطي. وفي حالة إذا ما اصطدمت باخرة عملاقة بحوت ما فإنه يموت غالباً متأثراً بجراحه.
وتنتمي الحيتان حسب التصنيف العلمي إلى شعبة الثدييات المائية، فهي حيوانات وليست أسماكاً كما يظن البعض. ويسبح الحوت قرب سطح الماء كي يتسنى له التنفس، إذ أن له رئتين وليس خياشيم كما هو الحال بالنسبة لمعظم مخلوقات البحر الأخرى. ويعيش نحو مائة نوع من الحيتان في بحار العالم ومحيطاته. بعض تلك الحيتان في الطريق إلى الانقراض نهائياً، وبعضها مازال يكافح من أجل البقاء. ويقوم الصيادون بتعقب الحيتان في كل مكان طمعاً في لحومها ودهونها وعنبرها بالذات، ولذلك تم في عام 1946 إبرام الاتفاقية الدولية لتنظيم صيد الحيتان. ومنذ ذلك الحين يتم كل عام في دولة ما من دول العالم تنظيم "المؤتمر العالمي لتنظيم صيد الحيتان"، وذلك بغرض توفير الحفظ الملائم لأنواع الحيتان النادرة وإتاحة تطوير صيد الحيتان بطريقة منظمة. ويصدر المؤتمر قائمة دورية بأنواع الحيتان التي ينبغي حمايتها حماية كاملة ويحدد مناطق معينة في العالم باعتبارها محميات للحيتان، كما يناشد المؤتمر حكومات الدول منع صيد إناث الحيتان المرضعة.
منقطة فريدة....
يعد البروفسور دافيد سين أحد أبرز علماء الأحياء المائية في العالم. وبالرغم من أن وطنه سويسرا لا يطل على أي بحر من البحار، إلا أن سين سيشارك في فعاليات المؤتمر العالمي لتنظيم صيد الحيتان لكي يعرض أخر ما توصلت إليه أبحاثه. ويخص الباحث السويسري النظام البيئي في مضيق جبل طارق منذ سنوات عديدة بالبحث والتحليل العلمي. وكثيرا ما يصطحب سين طلبة قسم الأحياء بجامعة بازل إلى المضيق، الذي يعد حقلاً بيئياً غنياً بالعينات الصالحة للمراقبة تحت الميكروسكوب.
....وكائنات بحرية نادرة....
يمكن للبروفسور سين وطلبته مراقبة أنثى الحوت وهي تسبح بجوار أطفالها لكي تدربهم على الحياة والتعايش مع السفن. أما ما يجذب الحيتان إلى هذه المنطقة فهو الغذاء، حيث أن مضيق جبل طارق غني بالعوالق المائية واسماك التونة وأسماك أم الحبر. وعن التنوع البيئي في المضيق يعبر سين عن نشوته بالقول: "يعثر المرء هنا على القواقع النادرة والكائنات الحية الصغيرة التي لا يمكن معرفة ماهيتها من النظرة الأولى، لدرجة أننا لا نعرف أحياناً إذا ما كان الكائن الحي الذي عثرنا عليه دودة أم قوقعة."
....لكنها معرضة للخطر
يعتقد سين أن مرور السفن للمضيق لا يشكل خطراً كبيراً على حياة الحيتان، إذ أن لدية انطباع عام "أن الحيتان يمكنها هنا معايشة السفن بصورة جيدة، لأن السفن تسير في طرق محددة مسبقاً" على حد قوله. هذا بالإضافة إلى أن الحيتان تتمتع بذاكرة حديدية وشعور قوي بمكان المعيشة يمكنها من خلاله تحديد مجرى السفن. ولكن الحيتان تلتهم الكثير من العوالق المائية المسممة جراء تسرب الزيت والبترول من السفن. لذلك يحب المحافظة على العوالق وسلامة ونقاء مياه البحر من أجل ضمان حياة الحيتان. والعالم السويسري قلق جداً على مصير العوالق والحيتان بسبب تفاقم المشاكل الناتجة عن التلوث البيئي الذي تشهده المنطقة. أما عن الدور الفعلي الذي يمكن أن يلعبه المؤتمر في حل هذه المشاكل وحماية حياة الحيتان فيقول دافيد سين: "لا يملك المؤتمر أداة ردع يمكن من خلالها التصدي لأي شخص أو هيئة أو دولة لا تحترم قواعد المحافظة على البيئة." كما أنه لا توجد هيئة عالمية مختصة بالوقوف علي تطبيق هذه القواعد، لذلك فإن مصير الحيتان متوقف على ضمائر حكومات الدول المشاركة في المؤتمر.
علاء الدين سرحان