حياد الإدارة في تونس: الصراع الذي لا ينتهي
٩ سبتمبر ٢٠١٣تطالب أحزاب المعارضة في تونس بحياد الإدارة والمرافق العامة عن التجاذب السياسي وتدعو إلى مراجعة التعيينات في المسؤوليات العامة بالمحافظات والمحليات. أما حركة النهضة وحلفاؤها في الحكم فيدافعون عن "ديمومة الدولة" وضرورة الإصلاح.
ويخفي الصراع الدائر حول الإدارة عدم ثقة متبادل بين طرفي الصراع، فالمعارضة لا تثق في أي تعيين تقوم به الحكومة مهما كانت نزاهة أو كفاءة المعني بالتسمية، ولا تثق النهضة وحلفاؤها بأي شخص على علاقة بالمعارضة أو بالنظام القديم. ويقول بعض الموظفين بالإدارات إن مصلحة البلاد والناس ضاعت في خضم هذا الصراع.
ويؤكد عبد القادر اللباوي، رئيس الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة في حديث لـ DW عربية أنه "منذ تولي الترويكا الحكم لاحظت منظمته أن الائتلاف الحاكم، وبالأساس حركة النهضة، عمدت إلى زرع أعوانها في مفاصل الدولة والإدارة بشكل أضحت معه غير محايدة إن لم نقل تابعة لمجلس شورى الحركة".
ويضيف أن الاتحاد قام بدراسة عينة من التعيينات في مناصب عليا بالمصالح والمرافق العمومية، التي تم اختيارها على أساس التوزيع القطاعي والجغرافي وثبت أن "الترويكا تعمد بشتى الطرق والوسائل إلى الاستحواذ على مفاصل الدولة وذلك بتسمية أنصارها على رأس المصالح العمومية في مستوياتها الوطنية والجهوية والمحلية، حيث إن نسبة 86 بالمائة من هذه التعيينات تعود للنهضة بمفردها".
التأثير في مسار الانتقال الديمقراطي
وتقترح مكونات المعارضة التونسية، ممثلة في جبهة الإنقاذ، بحكومة كفاءات برئاسة شخصية مستقلة تضمن حياد المرفق العام وتيسير الانتقال الديمقراطي.
ويتخوف الكثيرون من تأثير التعيينات التي تمت في الفترة الأخيرة على الاستحقاق الانتخابي المرتقب، إذ يرون أن التسميات التي تمت على أساس الولاء السياسي من شأنها أن تجعل من أي حكومة مهما كان حيادها وكفاءة أعضائها رهينة بتوجه الإدارة.
ويبدو أن حركة النهضة تعي أن هذا المطلب يمثل مربط الفرس، فقد قال زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في إحدى الندوات الصحفية مؤخرا "أنا أعلم أن بعض النخب، وخاصة فيما يتعلق بحياد الإدارة، قد تكون متخوفة من الأجواء التي ستدور فيها الانتخابات. وأطمئنها بأن أيادينا ممدودة لكل رأي فيه مصلحة تونس وتكريس الوفاق وتعزيز الثقة بين الأحزاب والمنظمات".
ورغم تأكيدات حركة النهضة وحلفائها على حياد الإدارة،إلا أن الواقع يبدو أكثر تعقيدا، إذ يرى الكثيرون أن التعيينات الحزبية لا تؤثر فقط على الحياة السياسية فحسب بل تتعداها إلى الوضع الاقتصادي. وفي هذا الإطار يشدّد الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (الأعراف) على ضرورة تحييد الإدارة لتعزز ثقة المستثمرين و"استعادة المرافق العمومية لمستوى جودتها بعد أن تدهورت خدماتها بسبب شعور المسؤولين الإداريين بعدم الطمأنينة على مستقبلهم والاختلال في تنظيم العمل بسبب قرارات سياسية مرتجلة وخاطئة"، حسب خطة لإنعاش الاقتصاد عرضها الاتحاد على الحكومة.
"كلمة حق يراد بها باطل"
ولا يرى أنصار النهضة والحكومة موضوع حياد الإدارة والمرفق العام التونسي بنفس المنظار. إذ يتفق أغلبهم على أن المسألة لا تعدو كونها تصرفا في المجال العام بصفة قانونية وحسب الأعراف الجارية. وتفنيدا للاتهامات الموجهة للحكومة "بالتغول" على الإدارة وتعيين موالين لها يقول عبد الرزاق بلعربي، ناشط سياسي وحقوقي ورئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تصريح لـ DW عربية "إنها كلمة حق أريد بها باطل" ويرى "أن الموضوع مختلق لإزاحة النهضة عن السلطة". ويضرب بلعربي مثلا أنه "في أمريكا عندما انتخب أوباما عين أكثر من 150 ألف شخص في خطط وظيفية عليا في الدولة وهذا يقع في ديمقراطيات العالم الحر، لأن الشعب أعطاه الثقة للقيادة لمدة أربع سنوات وهو المسؤول عن النتائج".
وحول تخوف أطراف من المعارضة من تأثير التعيينات على سير المرفق العام وعلى الانتخابات المرتقبة يرى بلعربي أنه لا مجال للتخوف على الانتخابات في علاقتها بحياد الإدارة "إذ إن هناك هيئة مستقلة سوف تشرف على الانتخابات".
ويؤكد عبد الرزاق بن بلعربي "أن ما يحدث في تونس لا يعدو كونه صناعة للأوهام وخلق للازمات، فالذين نددوا بالأمس بحل رابطات حماية الثورة لأنها بدأت حملة لتطهير الإدارة من الفلول يمارسون اليوم نفس الشيء: أي طرد المسؤولين المباشرين، وهو ما يعني إضعاف الدولة ودعوة الجيش للانقلاب العسكري وسفك الدماء". ويتهم عبد الرزاق جبة الإنقاذ ومكوناتها الأساسية، أي نداء تونس والجبهة الشعبية "باستعمال العنف في الشارع للوصول للسلطة عبر استغلالهم لهشاشة المرحلة الانتقالية ومحاولتهم إفشال الربيع العربي ضمن مؤامرة دولية على الإسلام بدعم من قوى داخلية وخارجية تتجاوز تونس".
الثورة لم تدخل الإدارة بعد
ويتفق أغلب التونسيين على أن الدخول للعمل في الإدارة التونسية كان يتطلب فتح بحث أمني حول المرشح ويقع القبول أو الرفض بناء على رأي الجهاز الأمني. وكان كل شخص "مرفوضا" إذا كان على علاقة بالإسلاميين أو المعارضة الراديكالية أو بالنقابات لمجرد رأيه أو لعلاقته العائلية بشخص "غير مأمون الجانب" على حد بعض العارفين بالإدارة السابقة.
وكان الولاء للتجمع المنحل ييسر كثيرا عمليات التوظيف في الإدارات العامة. وانقلب الوضع بعد الثورة فأصبح التوظيف والتعيين بالمراكز الهامة يتم حسب الولاء إلى حركة النهضة أو من لف لفها من الأحزاب والجمعيات وخصوصا من المتمتعين بالعفو التشريعي العام أو أبنائهم أو إخوانهم وكذلك جرحى الثورة أو أفراد عائلات الشهداء.
ويقول أحد المتتبعين للشأن العام إن التوظيف في تونس لم يكن أبدا محايدا، بل متحزبا في غالبه رغم مظاهر حياديته. ويرى كثيرون أن الثورة لم تلج بعد للإدارة التي خرجت من استبداد التجمع المنحل لتسقط في فخ المحاصة الحزبية.