حي المطرية القاهري يبحث عن الدولة
٣ فبراير ٢٠١٥شوارع ضيقة للغاية ومبان قديمة آيلة للسقوط، سقطت عدة عمارات قبل ذلك وأودت بحياة العشرات. وفي الوقت نفسه رصدنا في هذا الحي سيارات فارهة. أما التواجد الأمني فغائب إلا في ميدان المطرية بالقرب من قسم الشرطة ورئاسة الحي، وهي قوات مستعدة لمواجهة التظاهرات التي تخرج للميدان.
السير في حي المطرية يظهر مدى التناقض الذي يعيشه هذا الحي، وهو حالة معبرة عن معظم أحياء القاهرة الكبرى، حيث التناقض بين تواجد جماعة الإخوان والمحسوبين على السلفية الجهادية أمثال حركة حازمون. هذا الحي مشهور بارتفاع نسبة الأقباط فيه مقارنة بأحياء أخرى. ويذهب بعض المؤرخين إلى أن أصل تسميته بهذا الاسم يرجع إلى كلمة مطر باللاتينية Mattar وهي تعني الأم، وذلك لمرور السيدة مريم العذراء فيه ولوجود شجرة السيدة العذراء في المنطقة.
أهالي المطرية يستغيثون
"إلحقوا المطرية يا بيه"، عبارة صارخة اتسمت بحدتها، وجهها إلينا أحمد طه (29 سنة) وصاحب كشك الحلمية في بداية حديثة معنا حول الوضع المعيشي لأهالي الحي. أحمد يوجه استغاثته للمسئولين في الدولة من أجل إنقاذ حي المطرية من البلطجية وتجار المخدرات، موضحا أن هناك العديد من المجرمين والبلطجية الذين جعلوا من الحي وكراً شهيراً لتجارة الهيروين والأسلحة.
وتقول مريم عماد (25 سنة)، وهي عاملة بمحل ملابس، إن أكثر ما يغيب عن المطرية هو الأمان، الذي لم يعد موجودا، وظهر ذلك في الأحداث المتكررة كالمظاهرات وأعمال العنف، والتي تؤثر على حركة التجارة بشكل عام وعلى حياتهم الشخصية بشكل خاص.
وأوضح المحامي الشاب رامي فيصل، أن ما ينقص المطرية ليس مختلفا عما ينقص أحياء القاهرة الأخرى، ولكن يزيد عنها كثافة المظاهر المسيئة مثل القمامة المنتشرة على جوانب الطرق وعدم وجود تنظيم للمرور وانتشار الباعة الجائلين الذين يجعلون من الطرق العامة مراكز تجارية. والكارثة الأخيرة تكمن، حسب رأيه، في بناء الأدوار العليا في العقارات بدون ترخيص مما يهدد حياة الأبرياء.
وقالت الدكتورة ساميه خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن الإخوان والسلفيين موجودون في هذه المنطقة منذ فترة طويلة واشتد تواجدهم ونفوذهم فيها، وهم كانوا ولا يزالون يعملون باستراتيجية التمركز في بعض المناطق، خاصة الفقيرة.
وأشارت خضر لـ DW عربية إلى أن هذه المناطق يصعب على الدولة السيطرة عليها ودخول الشرطة لشوارعها الضيقة. وأضافت أن غياب الخدمات والفقر يثمران عن نتيجتين وهما إما أن يُستغل الفقراء ويأخذون أموالا ليرتكبوا في مقابلها جرائم، أو تقليب الفقراء على الدولة بسبب عدم توفير الدولة للقمة عيشهم.
وكان وزير التموين والتجارة الداخلية خالد حنفي قد أعلن عن إرسال 12 سيارة متنقلة ومبردة محملة بكميات كبيرة من السلع الغذائية إلى الأحياء الشعبية، للبيع للمواطنين بأسعار مخفضة، وأضاف أن هذه الحملة ستكون يومية وفي أماكن مختلفة.
وكما يغلب على الحي المناطق العشوائية والفقر إلا أنه تتواجد فيه أيضا الطبقة المتوسطة، حتى أن الصحفي الشاب أحمد فتحي محروس يؤكد "وجود بعض أصحاب المليارات في هذا الحي، ممن كونوا ثروتهم من تجارة الآثار وتهريبها من أرض المسلة بالمطرية". وتنتشر تجارة المخدرات بشكل علني في الحي وحتى في المساجد.
"المتظاهرون ليسوا إخوان فقط"
يروي فتحي ما حدث في الذكرى الرابعة للثورة وقد قام بالتغطية الصحفية من المنطقة: "خرجت نسبة كبيرة من أهالي المطرية رافضة للنظام الحالي، واشتبكت معهم قوات الأمن المتواجدة بميدان المطرية. لم يقتصر الاحتجاج على الإخوان بدليل سقوط 2 من الأقباط فضلا عن طفل. واتسعت دائرة الاشتباكات في جميع أنحاء حي المطرية، وسقط العديد من القتلى والمصابين من المحتجين والصحفيين"
ويضيف فتحي أن المطرية من أكثر المناطق التي تحتوي علي الإخوان المسلمين، فمنذ ثورة 30 يونيو حتى الآن يخرج أهالي المطرية من المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين كل جمعة للتظاهر والاعتراض علي الحكم الحالي، مشيرا إلى أن "حصيلة القتلى شهريا لا تقل عن 10 أشخاص".
من جانبه أصدر عمرو علي المنسق العام لحركة شباب 6 إبريل بيانا حول حي المطرية، مشيرا إلى أن أعضاء من حركة 6 أبريل ذهبوا إلى منطقة الاشتباكات في المطرية لمساعدة المصابين. وقال علي "إن الإعلام المصري الموجه يحاول بشتى الطرق تصوير ما يحدث على أنه صراع بين فصيل بعينه والداخلية، ولكن سقوط الشهداء الذي يتوالى من كافة الاتجاهات مسلمين ومسيحيين وأطفالا، يؤكد أن الدولة تتعمد اتباع سياسة العنف المفرط والحلول الأمنية وتحاول بث رسائل الكراهية وإعلان الحرب عبر الإعلام الموجه على أهالى المطرية وغيرها متجاهلة تماماً صوت العقل وكافة مبادرات إيقاف الاستقطاب".
وحذر علي من أن استمرار هذه السياسات، مع النزيف الاقتصادي المتصاعد، الذى يشكل ضغطاً يومياً على المواطن، يدفع الوضع فى مصر للانفجار الذي لا يحمد عقباه، مناشدا الشباب من كافة الاتجاهات التمسك بالسلمية قائلا "هي عنوان ثورتنا وأداتنا الفعالة في مواجهه بطش وعنف الدولة الأمنية".
من جانبه يؤكد الدكتور ناجح إبراهيم لـ DW عربية أن الصراع في المطرية والأحياء المماثلة سيستمر طالما كان هناك غياب للعدل الاجتماعي واستمرار المشاكل الحياتية والاجتماعية وعدم وجود شفافية في الوظائف، وإن كانت بدرجة أقل بسبب التضييق الأمني وكون الكثير من المتظاهرين مطاردين.