حوض الرور- "بوتقة اندماج" تتحول لانعدام الثقة والإسلاموفوبيا
١٨ مارس ٢٠١٨يُطلق على منطقة "حوض الرور"، الواقعة في ولاية شمال الراين فيستفاليا بغربي ألمانيا، اسم "حزام الصدأ" الألماني أو "بوتقة الصهر". وهذه المنطقة اعتمدت في نشاطها الصناعي على الجاليات المهاجرة أكثر من أي منطقة أخرى في ألمانيا.
ففي أثناء الثورة الصناعية توافد المهاجرون على حوض الرور بحثا عن عمل في مجال التعدين، حيث كانت المنطقة تشهد آنذاك توسعا كبيراً في استخراج الفحم وصناعة الصلب. وبعد الحرب العالمية الثانية أدت قلة عدد العمال الألمان في مناجم الفحم والصلب إلى وصول عشرات الآلاف من "العمال الضيوف" من إيطاليا وإسبانيا واليونان، بينما كان العدد الأكبر من تركيا.
لكن اليوم تشهد هذه المنطقة، التي عرفت بملاذ المهاجرين سابقًا، زيادةً مفاجئة في نسبة "الرهاب من الإسلام" (الإسلاموفوبيا) وعدم الثقة بين المجتمعات المحلية والمهاجرين، خاصةً خلال العامين الماضيين، وفقاً لتقرير جديد نشرته "مؤسسة بروست" (Brost Foundation).
الجار في مواجهة مع الجار
يفصل الطريق السريع المعروف باسم "A 40" بين الجزء الشمالي "المتعثر" من مدينة دويسبورغ وجنوبها، حيث تعتبر هذه المدينة مثالًا واضحاً على الانقسام النفسي والمجتمعي بين الناس. يمكن وصف الجزء الجنوبي من دويسبورغ بأنه نظيف ومُعتنى به بشكلٍ جيد، فهو يضم منطقةً للمشاة بها أماكن تسوق ومحلاتٍ راقية، إضافةً لمعالم ثقافية. بينما يوصف الجزء الشمالي بأنه قذر وغير معتنى به، ولديه شبكة مواصلات عامة سيئة، ومليء بواجهات المحلات الفارغة والرجال الذين يقضون يومهم يدخنون في الشوارع.
غامزه، بائعة شابة بأحد المحلات في الجزء الشمالي من دويسبورغ، أصابها اليأس من وصف منطقتها بالـ"المنطقة المحظورة" وتقول "لقد جرت العادة على تصنيفنا كرمز لمناطق الإجرام لأننا لا نشبه باقي مناطق ألمانيا؛ لكني ولدت هنا وأطفالي ولدوا هنا أنا ألمانية".
لكن انعدام الثقة يزداد بين السكان، وترى غامزة أن الرومانيين والبلغاريين هم الذين جلبوا السمعة السيئة للمنطقة. وبالنسبة لبعض الرومانيين فإن السبب هم اللاجئون السوريون، أما بالنسبة لرجل ألماني لا يحمل أي خلفية مهاجرة فإن كل شيء "بدأ مع الأمريكيين اللعينين".
"البديل من أجل ألمانيا" ينشر "رهاب الإسلام"
وفقا لتقرير "مؤسسة بروست"، يعتقد 37 في المائة فقط من سكان حوض الرور أن الإسلام ينتمي إلى ألمانيا. وبالمقارنة مع استطلاعٍ آخر أُجري عام 2015 ، فإن عدداً أقل بكثير يقولون الآن إن لديهم أصدقاء مسلمين، أو إنهم يعتقدون أن الإسلام "دين مثل أي دين آخر"، بينما ارتفعت نسبة الذين يعتقدون بأن الإسلام لا ينصف المرأة.
من جهةٍ ثانية انخفض وبشكل ملحوظ، عدد الذين يعتقدون بأنه كان على الألمان العمل بجهد كبير في مسألة الاندماج مع وصول الوافدين الجدد، حيث صارت النسبة الآن 18 بالمائة بعدما كانت 33 في المائة.
بالإضافة إلى ذلك ، يعتقد 49 في المائة من السكان أن العيش معًا "بين الألمان والمسلمين" هو أمر "صعب إلى حد ما" ، مقارنة بـ40 في المائة فقط يرون أن الوضع "غير معقد".
ورصدت الدراسة، التي أجرتها مؤسسة بروست، التغيرات الجذرية التي حصلت في المجتمع على محورين، أولًا أزمة اللاجئين التي بدأت مع التدفق الكبير للاجئين عام 2015، وصعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" في حوض الرور، وخلصت الدراسة إلى أن "نظرة ساذجة للغاية ومليئة بالكراهية للإسلام، كانت سائدة بين مؤيدي حزب البديل من أجل ألمانيا"، حيث يعتبر 80 في المائة من مؤيدي هذا الحزب أن "العيش مع المسلمين صعب".
بالنسبة إلى اليمين الشعبوي، كانت منطقة حوض الرور قصة نجاح كبيرة خلال الانتخابات الماضية في أيلول/ سبتمبر 2017، حيث حصلوا على نسبة 17 بالمائة من الأصوات، وألحقوا هزيمة كبرى باليسار الوسطي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والذي طالما كان أقوى حزب في المنطقة، حيث حصلوا على أقل نسبة في تاريخهم، وحققوا 20 في المائة من الأصوات فقط.
إلا أن الدراسة أشارت إلى أن هناك عوامل مجتمعية أخرى تلعب دورًا في العلاقة الممزقة، ووجدت أن "الأطفال في حوض الرور معرضون لخطر أكبر من معظم الأطفال في مناطق أخرى بسبب ضعف التعليم ولكونهم معزولين في مجتمعات عرقية أكثر من معظم الأطفال الألمان".
الرئيس الألماني الأسبق: الإسلام ينتمي إلى ألمانيا
ومع ذلك ، يؤكد معدو تقرير مؤسسة بروست أنه يجب "ألا نيأس من أن الاندماج والتعايش قد فشلا"، حيث وجدوا أيضًا أن 86 في المائة من سكان حوض الرور يعتقدون أن الاندماج مفيد للجميع ، وقال 57 في المائة إنهم يرون المسلمين الجدد "كأصدقاء أو زملاء".
وكتب الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف في مقدمة التقرير "الإسلام ينتمي إلى ألمانيا، قلت ذلك كوطني" مشيرًا إلى بيان أدلى به كرئيس للدولة أثار جدلاً ساخناً.
وتخلص الدراسة إلى أنه بإمكان الحكومة الاتحادية أن تقوم بتغيير رئيسي من أجل وقف المد المتصاعد لعدم التسامح، أبرزها مسألة "المواطنة المزدوجة"، حيث أدى عدم السماح بحمل الجنسية الألمانية مع جنسية أخرى إلى عدم تنازل العديد من المهاجرين عن جنسيتهم، وما حرمهم بذلك من التصويت والمشاركة في الحياة الألمانية بشكل يؤدي لإلغاء الفصل العنصري، وهذا عائق دائم أمام الشعور بألمانيا كوطن، والمشاركة في العملية الديمقراطية لبلد بعضهم عاش فيه كل حياته.
إليزابيث شوماخر/ ر. ج