حل أزمة الممرضات والطبيب البلغار يعزز التقارب الليبي الأوروبي
٢٦ يوليو ٢٠٠٧استطاع الزعيم الليبي إدخال إصلاحات واسعة على صورة ليبيا في الغرب عبر تغيير جذري في سياسته الخارجية. وكانت الخطوة الأولى في ذلك اعترافه بمسؤولية بلاده عن حادثة تفجير الطائرة الأمريكي فوق مدينة لوكيربي السكوتلندية (1998) ودفعه لتعويضات ضخمة إلى عائلات الضحايا ثم تخلي ليبيا عن برنامجها النووي عام 2003 ومجموعة من الإجراءات الأخرى التي انتهت بتطبيع العلاقات بين ليبيا والولايات المتحدة عام 2006، والتقارب الاقتصادي مع أوروبا.
المثال الأقرب على التقارب الليبي الأوروبي هو إعلان الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي أمس(25 يوليو/تموز) خلال زيارته الأخيرة إلى ليبيا استعداد بلاده لتزويد طرابلس بمفاعل نووي لاستخدامه لتحلية مياه البحر، كما وقع الجانبان اتفاقا للتعاون العسكري بينهما. وذلك بعد أن كللت المحاولات الفرنسية في حل قضية الممرضات البغاريات بالنجاح. يذكر في هذا السياق أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أعلنت أنها ستزور ليبيا قريبا، كذلك قال نظيرها البريطاني كيم هولس إنه سيزور ليبيا يوم الأربعاء القادم.
لكن بالرغم من الإجراءات الليبية التي حصدت مكافآت الغرب الاقتصادية يبقى وضع حقوق الإنسان وحرية التعبير في ليبيا وضعا بائسا. فحسب تقرير منظمة العفو الدولية الأخير فإن ليبيا لا تزال تفرض "قيود مشددة على حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات". حتى أن ابن الزعيم الليبي سيف الإسلام القذافي انتقد العام الماضي استمرار هذه القيود، بما في ذلك الافتقار إلى حرية الصحافة وهيمنة الصحف الأربعة المملوكة للدولة على وسائل الإعلام ودعا علناً إلى الإصلاح السياسي، مشيرا إلى أن بعض الأفراد الليبيين سُجنوا دونما سبب. إلا أن ذلك لم يغير من الأوضاع الداخلية بشكل كبير، بل بلغ الحد بالزعيم الليبي معمر القذافي إلى حث مؤيديه على "قتل الأعداء" إذا ما طالبوا بالتغيير السياسي، حسبما تقول منظمة العفو.
الغرب يتقرب إلى ليبيا بعدما تقربت ليبيا إليه
في قضية الممرضات والطبيب البلغار انعكس الوضع التقليدي، فليبيا لم تعد في قفص الاتهام مثلما حصل في حادثة لوكربي وإنما جاء المتهمون من بلغاريا، والتعويضات لم تدفع من طرابلس وإنما دفعت من قبل الغرب إلى ليبيا ولو بصورة غير مباشرة. فحسب بيان للمفوضية الأوروبية فإن ليبيا ستحصل على حق بإدخال بضائعها الزراعية والسمكية إلى دول الاتحاد الأوروبي. وقالت بلغاريا بأنها ستلغي ديون قديمة مترتبة على ليبيا بقيمة 74 مليون يورو، إلا أن بيانا حكوميا بلغاريا قال إن لا علاقة بين الإفراج عن الممرضات وإلغاء الديون.
ووفقا للاتفاق الذي تم توقيعه بين ليبيا والاتحاد الأوروبي في إطار المفاوضات للإفراج عن الممرضات البلغار الذين اتهموا بالتسبب في إنتشار مرض الإيدز في أحد المراكز الطبية، ستلتزم المفوضية الأوروبية بالرعاية الصحية مدى الحياة للأطفال الليبيين الذين أصيبوا بالإيدز. وكان هؤلاء الأطفال أصيبوا بالإيدز في مركز طبي في مدينة بنغازي وسيلتزم الاتحاد الأوروبي بتجديد هذا المركز الطبي بالإضافة إلى مركزين طبيين آخرين في مناطق أخرى من ليبيا. كما سيقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات تقنية لليبيا في مجال التنقيب عن الآثار وترميمها.
الاقتصاد ومحاربة الهجرة السرية أهم مجالات التعاون
لقد بدأت ثمار التغييرات الجذرية في السياسة الليبية الخارجية تظهر بوضوح في قطاع النفط. فقد الشركات الأمريكية بمشاريع لاستخراج النفط في ليبيا ووقعت شركة بي بي BP النفطية البريطانية مؤخرا عقدا مع ليبيا بقيمة 900 مليون دولار للدخول في قطاع استخراج النفط في ليبيا. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة بلغ عدد الشركات النفطية الأجنبية التي فتحت لها فروعا في ليبيا أكثر من 45 شركة.
كما أسفر التوصل إلى اتفاق على حل للأزمة البلغارية-الليبية عن دفعة من الإجراءات التي يبدوا أنها كانت مؤجلة بين الغرب وليبيا وجاء الاتفاق ليكون بمثابة المناسبة التي من خلالها سيتمكن كل من الجانب الغربي والليبي للحصول على أكبر قدر من التنازلات من الطرف الآخر. ومن ضمن ذلك سيكون من حق المواطنيين الليبيين الحصول على تأشيرة الشينغين التي تتيح الدخول إلى عدة دول أوروبية في وقت واحد كما سيسمح للأوروبيين بالدخول إلى ليبيا بدون تأشيرات.
ملف حقوق الإنسان بقي للأسف في الظل. وعوضا عن ذلك يفكر الاتحاد الأوروبي بتزويد ليبيا بنظام لحماية حدودها وهو الأمر الذي يعود بدوره على أوروبا نفسها بالنفع من خلال الحد من الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى الدول الأوروبية.