حكومة حسان دياب.. هل تنجح في كسب ثقة المتظاهرين؟
٢٢ يناير ٢٠٢٠منذ ثلاثة أشهر ولبنان يشهد احتجاجات شعبية غير مسبوقة. وشكل إسقاط الطبقة السياسية بأكملها أهم مطالب المحتجين اللبنانيين، الذي نزلوا إلى الساحات مطالبين بالتغيير وحملوا الطبقة الحاكمة مسؤولية هدر المال العام وانهيار الوضع الاقتصادي للبلاد. وتسبّبت الاحتجاجات المتواصلة منذ ذلك الحين في استقالة حكومة سعد الحريري بعد ثلاثة أسابيع من انطلاقها، ومن ثم تكليف حسان دياب بتشكيل حكومة جديدة، والذي تعهّد أن تكون "مصغرة ومن التكنوقراط".
خلال الأسبوع الماضي، عرف الشارع اللبناني الذي لم يهدأ منذ انطلاق الاحتجاجات، تصعيداً غير مسبوق، على إثر وقوع مواجهات بين عناصر الأمن ومتظاهرين في العاصمة اللبنانية، أسفرت عن إصابة عشرات الأشخاص كما تخللتها عمليات تخريب وتحطيم محال تجارية ومصارف.
وبعد قرابة ثلاثة وثلاثين يوماً من تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، بعد استقالة حكومة الحريري، تم الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب أمس الثلاثاء (21 يناير/كانون الثاني 2020(. وتتألف هذه الحكومة، التي وصفها دياب بأنها "فريق إنقاذ"، من عشرين وزيراً يتولون جميعاً، باستثناء اثنين هما رئيس الحكومة حسَان دياب ووزير البيئة دميانوس قطار، حقائب وزارية للمرة الأولى. كما ضمت تشكيلة الحكومة الجديدة ست نساء.
وللمرة الأولى في تاريخ الحكومات اللبنانية، أسندت إلى سيدة حقيبة الدفاع ومنصب نائبة رئيس الحكومة. وعن الحكومة الجديدة قال رئيس الوزراء اللبناني الجديد، عقب مرسوم تشكيل حكومته، إن تشكيلته "تعبر عن تطلعات المعتصمين" وأن هدفه "انتشال البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية".
بيد أن المحتجين أعلنوا رفضهم لحكومته حتى قبيل الإعلان عن تشكيلها، وتجمع في وسط بيروت عدد من المحتجين الرافضين لحكومة دياب وأعلنوا أن هذه الحكومة تشكلت من وزراء تابعين للسلطة السياسية، "لذلك هذه الحكومة مرفوضة" ودعوا إلى إسقاطها قائلين إن "الحكومة لن تمر، وهي حكومة غير اختصاصيين وهي حكومة مستفزة، ولا تلبي مطالب المحتجين منذ 17 أكتوبر".
"رقعة جديدة على ثوب قديم"
تشكيلة الحكومة الجديدة خيبت آمال قطاع من اللبنانيين كانوا يطالبوا بتشكيل حكومة تكنوقراط إنقاذية. واختار عدد من المحتجين اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن رفضهم للحكومة الجديدة تحت رئاسة حسان دياب التي جاءت "ظاهرياً بوجوه جديدة، لكنها من نفس الطبقة السياسية التي أوصلت البلد للإفلاس"، كما جاء في تغريدة ليوسف جوزيف عز الدين.
من جهتها كتبت النائبة بولا يعقوبيان المستلقة والمتعاطفة مع الاحتجاجات الشعبية في تغريدة على "تويتر" إن "الوجوه الجديدة هي كرقعة جديدة على ثوب قديم"، مضيفة أن حسان دياب "لم يلتزم بوعده بتأليف حكومة مستقلين".
ومن خلال صورة لمتظاهرين كُتب عليها "سنسقطها" وأرفقت بتعليق كُتب فيه "إنها مسألة وقت"، اختار Mhّmd، وهو ناشط لبناني، التعبير عن موقفه من حكومة دياب الجديدة.
ولم تتضمّن حكومة دياب وجوها من الحكومة السابقة، بيد أن تقارير إعلامية وتصريحات سياسية، منذ بدء تسرب الأسماء المشاركة في الحكومة، تؤكد أن الوزراء محسوبون إلى حد بعيد على أحزاب سياسية كبرى.
من جانبه يرى الكاتب الصحفي والباحث السياسي، محمد قواص، أن تسمية الحكومة الجديدة بـ"حكومة تكنوقراط"، هي تسمية ليست في محلها، لأنه يرى بأنها حكومة سياسية كاملة ألفتها أحزاب سياسية متحالفة مع حزب الله وفُرضت على رئيس الحكومة الحالي تشكيلة الحكومة بدءاً من عدد الوزراء مروراً إلى خلفيتهم السياسية. ويضيف قواص في حواره مع DW عربية أن "هذه حكومة سياسية كاملة العالم يعرف ذلك والعرب يعرفون ذلك وسيتعاملون معها بهذا الشكل".
تفاؤل رغم كثرة العقبات؟
إلى جانب رفض الحراك الشعبي لها، تجد الحكومة الجديدة في لبنان نفسها أمام عقبات داخلية أخرى منها غياب دعم الطائفة السنية في البلاد، إلا من بضعة نواب في البرلمان، متحالفين مع كتلة حزب الله وحلفائه. من جهة أخرى رفضت أحزاب عدة المشاركة في تشكيل الحكومة، على رأسها تيار المستقبل بزعامة رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري وحزب القوات اللبنانية، ما يطرح التساؤل هل هناك عوامل تدعو للتفاؤل بنجاح حكومة دياب في إنقاذ البلاد رغم العقبات الداخلية التي تواجهها؟.
وعن هذا التساؤل يجيب الباحث السياسي قواص قائلا: "منطقيا لا يمكن التفاؤل بنجاح هذه الحكومة لأنها جاءت بشكل مناقض لما يطلبه الشارع. الحكومة لا تمثل حراك الناس الذين يريدون إقصاء الطبقة السياسية بأكملها وإذ بهذه الحكومة أتت بوجوه جديدة تمثل هذه الطبقة السياسة بأكملها".
ويتابع قواص حديثه بأن هذه الحكومة لا تحظى بالثقة الكبرى لدى اللبنانيين :"طائفيا رئيس الحكومة لا يمثل المزاج السني. بالإضافة إلى أن إقصاء القوى الأساسية الأخرى في البلاد، نتحدث عن تيار المستقبل أو الحزب الكتائب أو حزب القوات اللبنانية أو الحزب التقدمي الاشتراكي، يحرم هذه الحكومة من قواعد سياسية تمكنها من الصمود أمام تلك العقبات".
استرداد ثقة الداخل والخارج
إعادة إحياء اقتصاد البلاد المنهار، هو ما يأتي على قائمة المهام الصعبة التي تنتظر الحكومة الجديدة. إذ تعد نسبة الدين مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في لبنان من الأعلى في العالم، وتبلغ حوالي تسعين مليار دولار. تليها استرداد ثقة المتظاهرين الذين عادوا إلى الشارع فور الإعلان عن الحكومة الجديدة.
وعن ما إذا كان اللبنانيون سيقبلون بالحكومة الجديدة، يعتقد الباحث السياسي، محمد قواص أن هناك فريقا من اللبنانيين، وهو الفريق الموالي لحزب الله وما بات يعرف بحركة الثامن من آذار، بدأ بتبرير هذه الحكومة والتبشير بها والمطالبة بإعطائها فرصة. بيد أن هذه الفرصة تعني، حسب رأي قواص، المزيد من تضييع الوقت بالنسبة للبنانيين الذين يشعرون هذه المرة بأنهم بأزمة حقيقية لم تشهدها البلاد حتى أثناء الحرب الأهلية.
ويضيف الباحث اللبانين أن "اللبنانيين لن يقبلوا هذه الحكومة لأنها لن تستطيع حل كل هذه الإشكالات، وثانيا لا يبدو أن العالم الخارجي حتى الآن مقبل ما لم تتغير المواقف الحالية على مساعدة لبنان وبشكل عاجل لانتشاله من هذه الأزمة".
ويرى قواص أن الاقتصاد اللبناني حالياً يحتاج إلى ثقة الخارج أكثر من ثقة الداخل؛ وشرط المجتمع الدولي، الذي طالب وكرر بأنه "ينتظر حكومة ترضي الناس لم يتحقق إذ من الواضح جدا أن هذه الحكومة لا ترضي الناس". وينهي الخبير اللبناني كلامه بالقول: "الدول العربية الممول الخارجي، وبالأخص دول الخليج، تجد نفسها أمام حكومة يشرف عليها مباشرة حزب الله، الذي يمتلك خطابا مناهضاً ومضاداً وعدائيا ضد منطقة الخليج وخصوصا ضد السعودية والإمارات. وبالتالي لا أعتقد أن المال الخارجي سيرسل إلى الداخل لإنقاذ اقتصاد البلاد".