"حكومة الرئيس" سعيّد... مخرج تونس من عنق الزجاجة؟
١١ يناير ٢٠٢٠وقع ما كان متوقعاً. بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات التشريعية وبعد يوم طويل من النقاشات لم تنل حكومة الحبيب الجملي ثقة البرلمان التونسي؛ إذ صوّت 72 نائباً لصالح منح الثقة للحكومة، فيما صوّت 134 ضد منحها إياها، وامتنع ثلاثة نوّاب عن التصويت. وحصل الجملي على دعم "حركة النهضة" الإسلامية و"ائتلاف الكرامة" اليميني المحافظ، بينما صوتت أغلب الأحزاب ومن بينها "قلب تونس" الليبرالي و"تحيا تونس" برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد و"حركة الشعب" و"التيار الديمقراطي" و"الحزب الدستوري الحر" و"كتلة الإصلاح" ضد حكومته المقترحة.
وتملك "حركة النهضة" 54 مقعداً و"ائتلاف الكرامة" 22 مقعداً من أصل 217 مقعداً. وكانت الحكومة المقترحة بحاجة إلى 109 أصوات على الأقل.
ورشّحت "حركة النهضة"، أكبر أحزاب البرلمان، الجملي في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الفائت وقدمته على أنه شخصيّة مستقلّة لتشكيل حكومة تكنوقراط بدون إشراك الأحزاب السياسية، بيد أن التشكيلة المقترحة من 28 وزيراً و14 كاتب دولة، قوبلت بانتقادات من أحزاب سياسية بدعوى "عدم ضمها كفاءات أو مستقلين وأنها تكرس هيمنة النهضة على المشهد السياسي".
الكرة في ملعب الرئيس
بعد فشل الجملي في الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب (البرلمان)، بات الرئيس التونسي قيس سعيد يملك زمام المبادرة لتكليف شخصية من أجل تكوين حكومة. وفي هذه الحالة ينص الدستور التونسي في الفصل 89 على أنه "عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة البرلمان، يقوم رئيس الجمهورية في أجل (مدة) عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر". ويمكن أن تمدد تلك المهلة لشهر آخر وفي حالة الفشل مرة أخرى في تكوين حكومة، فإنه لن يتبقى، بحسب الدستور، خيار آخر سوى أن يحل الرئيس البرلمان ويدعو إلى انتخابات تشريعية جديدة "في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوماً".
وفي هذا الصدد التقى اليوم رئيس "حركة النهضة" والبرلمان، راشد الغنوشي، الرئيس قيس سعيد، وقال الحزب إن اللقاء لتفعيل الإجراءات الدستورية من طرف رئيس الجمهورية لتكليف الشخصية "الأقدر" لتشكيل الحكومة. ولم ترشح حتى ساعة إعداد هذا التقرير أي أنباء أخرى عما دار في اللقاء أو مخرجاته.
القروي يرص الصفوف
ومباشرة بعد إعلان نتائج التصويت، سارع قطب الإعلام نبيل القروي لاقتناص فرصة فشل خصمه راشد الغنوشي في حشد التأييد لصالح حكومة الجملي؛ إذ أعلن القروي أن أحزاباً وكتل برلمانية شكلت جبهة برلمانية تمهيداً لمشاورات جديدة مع الرئيس قيس سعيد. وقال القروي رئيس حزب "قلب تونس" (38 مقعداً) الذي حل ثانياً في الانتخابات التشريعيةّ، إن الجبهة ستضم أيضاً أحزاب "حركة الشعب" (16 مقعداً) و"حركة تحيا تونس" (14 مقعداً) وكتلة الإصلاح الديمقراطي وكتلة المستقبل.
وستكون الكتلة الجديدة الأكبر في البرلمان بعدد نواب يعادل 90 نائباً، بحسب ما ذكر القروي. وقال في المؤتمر الصحفي "نطمئن التونسيين. سنقدم مبادرة وأيدينا ممدودة للجميع وسنتشاور مع الرئيس". ونقلت مواقع تونسية عن القروي قوله إن البلاد "لا تسير نحو المجهول، وهناك ضمانات دستورية".
عبارة "حكومة الرئيس" خاطئة دستورياً؟
وفي سياق ذي صلة نقلت مواقع تونسية تصريح للخبير القانون الدستوري رافع بن عاشور لإذاعة موازييك قوله إن عبارة "حكومة الرئيس" خاطئة دستورياً. وأضاف بن عاشور مفسراً: "حكومة الرئيس لا تكون إلا في ظل نظام رئاسي وتقوم أساساً على تولي رئيس الجمهورية اختيار رئيس الحكومة وأعضائها أيضاً". وأردف أنه في ظل نظام البلاد الراهن فإن رئيس الجمهورية سيختار رئيس الحكومة فقط.
تجدر الإشارة إلى أن النظام السياسي في تونس يمكن اعتباره "نصف رئاسي"، إذ يتحكم رئيس الوزراء في معظم المجالات السياسية، بينما يتولى الرئيس مسؤولية الشؤون الخارجية والدفاع والأمن. وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد عبر عن نيته تقديم مقترح للبرلمان لتعديل النظام السياسي، وهي خطوة تلقى تحفظاً من عديد الأحزاب من بينها من ساندته في جولة الإعادة في الرئاسية. ويحتاج تعديل الدستور إلى أغلبية الثلثين وهو أمر صعب للغاية في ظل حالة التشظي في الحياة السياسية. وحذر الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي من مغبة تعديل النظام السياسي الحالي والعودة إلى النظام الرئاسي مخافة الانحراف بالحكم إلى الديكتاتورية كما كان عليه الوضع قبل "الثورة"، على حد تعبيره.
الشارع قلق والاقتصاد مترد
بعد فشل الجملي في الحصول على ثقة البرلمان، تسيطر على الشارع التونسي حالة من الترقب والقلق في ظل حالة السخط في صفوف العاطلين والمناطق الداخلية الفقيرة، وفي ظل ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وتراجع مستوى الخدمات العامة.
ولا تطمئن المؤشرات الاقتصادية التونسيين، حيث لا تزال نسبة البطالة في مستوى 15.1 في المئة والتضخم 6.3 في المئة ونسبة النمو بحدود 1.4 في المئة بينما يبلغ العجز في الموازنة 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتستقر نسبة الديون عند مستوى 74%. وبلغت 7% في العام 2018 من حجم الناتج الإجمالي وفقاً لصندوق النقد الدولي الذي منح العام 2016 قرضاً بقيمة 2,9 مليار دولار لتونس صرف منها 1,6 مليار دولار على أربع سنوات مقابل القيام بإصلاحات اقتصادية واسعة على أن يتم سداده اعتباراً من 2020.
مهما يكن من الأمر وبغض النظر عن مآلات الأمور، ستحتاج أي حكومة جديدة لدعم سياسي قوي لتنفيذ إصلاحات لا تتمتع بشعبية، وذلك في محاولة لتجاوز التردي الأنف الذكر في الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمواطن التونسي.
خالد سلامة