حكم قضائي جديد يعقد الشراكة الاقتصادية بين المغرب وأوروبا
٢٩ سبتمبر ٢٠٢١في قضية دخلت إلى أروقتها عام 2019، قرّرت محكمة العدل الأوروبية اليوم الأربعاء (29 أيلول/ سبتمبر 2021) إلغاء العمل باتفاقيتين بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية، الأولى تخصّ التفضيلات الجمركية لمنتجات من أصل مغربي وأخرى تخصّ اتفاقية الصيد البحري المستدام، وذلك بسبب وجود منتجات قادمة من الصحراء الغربية.
رد الاتحاد الأوروبي والمغرب على الأحكام، بالتأكيد في بيان مشترك على أنهما سيتخذان "الاجراءات اللازمة لوضع الإطار القانوني الذي يضمن استمرار واستقرار العلاقات التجارية بينهما"، كما سيظلان مستعدين لـ"مواصلة التعاون" و"توطيد الشراكة الأورو-مغربية من أجل الازدهار المشترك"، بل و"تطوير الأبعاد المتعددة لهذه الشراكة".
انتقد نواب في البرلمان الأوروبي (الذي سبق أن صادق على الاتفاقيتين) هذا الحكم، وقالت فريديرك رييس، نائبة رئيس مجموعة "تجديد أوروبا" في البرلمان: "إن الحكم مخيب للآمال، ويعمل عكس الجهود المبذولة على أرض الواقع"، وتابعت في تغريدة لها: "يجب الأخذ بعين الاعتبار الحقائق السياسية لقضية الصحراء وتفادي شراك جبهة البوليساريو".
وقالت الوزيرة البولندية السابقة والنائبة عن تجمع "المحافظين والإصلاحيين الأوربيين" أنا فوتيغا، إن البوليساريو هي عامل لا استقرار في المنطقة، وإنه لا شرعية ولا تمثيل لها لتهاجم اتفاقيات المغرب وأوروبا، وتابعت بأن حكم المحكمة لن يؤثر على العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين.
من جانبها، اعتبرت جبهة البوليساريو، على لسان أبي بشرايا البشير، المكلف بالاتحاد الأوروبي، أن حكم المحكمة "انتصار كبير للشعب الصحراوي، ويشكل رسالة إلى القادة الأوروبيين بأن لا أحد فوق القانون وبأن احترام سيادة القانون الأوروبي والدولي أمر أساسي للجميع لأنهما شرط للسلام في العالم" حسب بيان صحفي للجبهة.
واحتفى تجمع اليسار في البرلمان الأوربي بالحكم، ونقل على لسان النائبة الهولندية أنجا هازيكامب أن "الضم غير القانوني لمناطق الصيد (تقصد في الصحراء الغربية) داخل الاتفاق يؤذي الشعب في المناطق المحتلة" حسب تعبيرها، وقالت إنه مثال آخر على السياسة المرفوضة للاتحاد الأوروبي المتعلقة بمصائد الأسماك الدولية.
ماذا جاء في القرار؟
وفي تفاصيل القرار، قضت المحكمة بأن طبيعة من رفع الدعوى، وهي جبهة البوليساريو، من شأنها منحها صفة المدعي، بما أن هذه الجبهة معترف بها دوليا كممثل لشعب الصحراء الغربية، حتى مع افتراض أن هذا الاعتراف هو ضمن إطار محدود، تقرير مصير هذه المنطقة بحسب القرار الذي يقول كذلك إن مشاركة الجبهة في المسار الأممي الخاص بهذا النزاع يؤكد على منحها صفة التقاضي في هذا الملف.
كما خلصت المحكمة إلى أن القرارات المطعون فيها إلى الخطوات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي قبل إبرام الاتفاقات المتنازع عليها لا يمكن اعتبارها قد أتاحت الحصول على موافقة شعب الصحراء الغربية، وبالتالي فمجلس الاتحاد لم يأخذ بعين الاعتبار جميع العناصر المتعلقة بالوضع في هذا الإقليم.
ومن ناحية أخرى، رفضت المحكمة دعوى الجبهة فيما يخصّ مشاركة إمكانيات الصيد البحري بموجب الاتفاق بين المغرب والاتحاد، بسبب عدم وجود التأثير المباشر. كما أشارت المحكمة إلى أن هذا القرار لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد مرور شهرين، حيث سيستمر العمل بالاتفاقيتين التجاريتين خلال هذه المدة.
حلقة في سلسلة نزاع
تعود الاتفاقات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي إلى سنوات خلت، وتبنى الطرفان خارطة طريق عام 2005 حول الزراعة، وفي عام 2010، تم اعتماد إجراءات لتحرير السوق في مجال المنتجات الزراعية والمنتجات الزراعية المصنعة والأسماك ومنتجات الصيد البحري.
وتعطي هذه الإجراءات امتيازات للطرفين من أجل مرور السلع، إذ تلغى أو تخفض الرسوم الجمركية المطبقة على مجموعة من واردات الاتحاد الأوروبي من المنتجات المغربية.
وسبق لمحكمة أوروبية أن حكمت ببطلان الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب عام 2015 بدعوى أن الاتفاق يشمل الصحراء الغربية، لكن محكمة العدل الأوروبية نقضت الحكم وقالت حينها إن الاتفاقيتين لا تنطبقان على هذه المنطقة، ما أنهى أزمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
لكن في عام 2019، صوّت البرلمان الأوروبي على نسخة معدلة من الاتفاق في بروتوكولين، الأول يخص المنتجات الزراعية والمنتجات السمكية، والثاني يخص قواعد المنشأ، ويشمل الصحراء الغربية. ما اعتبرته الرباط نصراً سياسيا واقتصاديا كبيرا، غير أن جبهة البوليساريو قرّرت مرة أخرى طرق باب القضاء الأوروبي.
وتقول جبهة البوليساريو إن الاتفاقيات الاقتصادية التي يبرمها المغرب وتشمل الصحراء الغربية لا يستفيد منها سكان الإقليم، خصوصا وأن جزءاً منهم في مخيمات تندوف على الأراضي الجزائرية، بينما يرد المغرب أن جزءا كبيرا من عائدات هذه الاتفاقيات تُصرف على تنمية هذه المنطقة، كما يتحدث عن أن سكان المنطقة يمارسون قراراتهم عبر الانتخابات وعبر منتخبيهم في المؤسسات السياسية المغربية.
ولا يعترف الاتحاد الأوروبي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، لكن الاتحاد لا يمانع أن تكون جزءاً من الشراكات التي يعقدها مع المغرب، كما يملك المغرب شراكات اقتصادية لمنتجات من الصحراء مع دول أخرى خارج الاتحاد.
ويستفيد الاتحاد الأوروبي وعدد من دوله اقتصاديا من هذه الشراكات مع المغرب، لكن المغرب يستفيد أكثر في الجانب السياسي، إذ تعطي هذه الاتفاقيات زخما لخطط الرباط بإنهاء نزاع الصحراء على أساس مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو ما ترفضه جبهة البوليساريو –المدعومة من الجزائر- والتي تطالب باستفتاء لتقرير مصير المنطقة.
ويستمر هذا النزاع منذ عام 1975، ويدير المغرب بحكم الأمر الواقع معظم أراضي المنطقة ويعتبرها جزءا من أراضيه، بينما تسعى البوليساريو التي أسست "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" (من طرف واحد وغير معترف بها أوروبيا أو أمميا) إلى الانفصال.
ع ع