حقوقي: مشكلة السعودية ليست فقط في أسرة ديكتاتورية وشعب مسكين!
١١ مارس ٢٠١٣ما انفكت الانتقادات للسعودية تتوالى من قبل منظمات حقوقية وذلك على خلفية إصدار حكم بالسجن لمدة 10 سنوات على الناشط الحقوقي محد القحطاني و11 عاما إجمالا بحق الناشط الحقوقي عبد الله الحامد وحل منظمتهما الحقوقية، جمعية الحقوق السياسية والمدنية (حسم) وذلك بتهمة "الخروج على ولي الأمر" و"تأليب الرأي العام". لتسليط الضوء على أبعاد هذا الحكم أجرت DWعربية مقابلة مع الناشط الحقوقي السعودي ورئيس التحرير المسؤول لجريدة العرب الصادر في لندن عبد العزيز الخميس.
DW عربية: كيف ترى أحكام السجن الصادرة بحق الناشطين السعوديين عبد الله الحامد ومحمد فهد القحطاني؟
عبد العزيز الخميس: الحقيقة أن تلك الأحكام قاسية جدا وفي الوقت نفسه مفاجئة للرأي العام السعودي. ولكن المشكل هنا يكمن في التشريعات القانونية التي تتيح إصدار مثل هذه الأحكام، بالإضافة إلى أن التهم الموجهة إلى هؤلاء غير محددة ومفاهيمها فضفاضة، على غرار "الخروج عن ولي الأمر" وغيرها من المسميات الغريبة والعجيبة. بالإضافة إلى عدم وضوح موقف جمعية "حسم" من ولائها للنظام ومطالبها، إذ أنها تتجاوز أحيانا دورها الحقوقي لتدخل في صراع سياسي مع النظام، الأمر الذي يشيب عملها الحقوقي ويورطها في الكثير من المصاعب. وفي الواقع فإن الرأي العام السعودي مستاء من قسوة الأحكام، ولكن في الوقت ذاته مستاء من أداء جمعية حسم، وذلك من خلال وقوف جمعية حسم مثلا ضد مصلحة البلاد العليا فيما بتعلق بملف البحرين والاضطرابات في المنطقة الشرقية من قبل الشيعة. وحسم لم تحدد موقفها منها وبالتالي فقد أساءت لنفسها ولم تجد أي تضامن شعبي معها عندما صدرت الأحكام بحق ناشطيها.
قلت إن الأحكام الصادرة بحق الناشطين السعوديين الحامد والقحطاني "قاسية"، وكذلك منظمات حقوقية، على غرار المنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني، اعتبرتها "قاسية". كيف تفسّر هذه "القسوة"؟ هل هي أحكام سياسية؟
نعم هي أحكام سياسية. لأنه تم تبرير الحكم الصادر بحق الحامد والقحطاني بأنهما قد خالفا القوانين بخروجهما عن ولي الأمر ومطالبتهما بالمظاهرات والاعتصامات ضد الحاكم. وهذه تهم سياسية طبعا. بيد أن المطب الكبير الذي وقع فيه كلا الناشطين هو اعتراضهما على اعتقال عناصر من تنظيم القاعدة وهذا أساء لهما وللجمعية. أنا برأيي الشخصي المتجرد من أي انحياز أرى أن القضاء أساء بأحكامه القاسية وبتلفيق تهم غريبة عجيبة ليست لها علاقة بحقوق الإنسان. وأرى كذلك أن جمعية حسم والقائمين عليها أساؤوا أيضا لقضايا حقوق الإنسان بوقوفهم إلى جانب عناصر من تنظيم القاعدة ومؤيدي القاعدة والعنف والتدمير والكراهية داخل المجتمع.
إذا طالبت جمعية حسم بمكافحة التعذيب في السجون وبعدم ممارسته ضد عناصر تابعين لتنظيم القاعدة، فإن هؤلاء أيضا من البشر ولا يمكن استبعادهم من التمتع بحقوق الإنسان، فلا ضير إذن أن تدافع عنهم أيضا جمعية حسم إن تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في السجون...
نعم، صحيح. تسليط التعذيب على المعتقلين أيا كان سبب اعتقالهم مرفوض تماما. لكن نقطة الخلاف تكمن في أن حسم تطالب بالإفراج عن أناس يروجون للعنف ويقفون ضد الحريات داخل المجتمع. هذا في اعتقادي خطأ كبير، وأعتقد أن ذلك كان سببا في تراجع شعبيتها وسهّل على النظام قمعها. لا يمكن مثلا أن تقف جمعية حقوقية تدّعي أنها تقف مع الحقوق مع أناس قتلوا أو ساهموا في التحريض على العنف والكراهية ونشر الجهاد بأسوأ مسمياته في العالم...
هل أفهم من كلامك أنك تبرر الحكم الصادر في حق الناشطين السعوديين؟
لا، أنا لا أبرر ولا أؤيد الحكم الصادر بحقهما على الإطلاق وتلفيق تهم غريبة وعجيبة. ولكني أطالب في الوقت نفسه أي حقوقي أن يتقي الله في الوقوف مع محرضين وناشري الحقد والكراهية في المجتمع والذين يروجون للإسلام المتشدد المتطرف. يجب الدفاع عن حقوق الإنسان بأسمى ألوانها وتصنيفاتها وأن نقف ضد هؤلاء الإسلاميين الذين يستخدمون حقوق الإنسان لتأسيس الجمعيات بهدف الوقوف بجوار القاعدة وأمثالها.
السلطات السعودية قررت حل جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم)، ألا ترى أن ذلك يتنافى مع مساعي السعودية لإظهار رغبتها في الانفتاح والإصلاح؟
النظام (السعودي ـ المحرر) يرفض دائما وجود أي منظمات مدنية حقوقية تشاركه في إدارة الرأي العام والحديث عن تطلعات الشعب في الحصول على مزيد من الحقوق والحريات، ويحظرها عبر تشريعات قام بصياغتها ووضعها. وهذا أمر طبيعي في مملكة يعتبر الحكم فيها مطلقا وليست فيها مساحة للعمل المدني والحقوقي. ولكن الأهم هو دور المعارضة، حينما تنشئ منظمات أو جمعيات أن تلتمس العدالة والبعد عما من شأنه أن يسيء إلى العمل الحقوقي...
:DWولكنمراقبين يقولون إنه لا تُعطى في السعودية للمعارضة فرصة ممارسة نشاطات سياسية وحقوقية معارضة وتوضع عليها قيود خانقة...
حسم موجودة منذ فترة طويلة. (...) أعتقد أن النظام ترك الجمعية ونشطائها يعملون لفترة طويلة ليظهر للغرب أنه يسمح للمعارضة بالعمل والنشاط و لنشطاء أمثال الحامد والقحطاني بالخروج وإعلان رفضهما للنظام. ولكن النظام انتظر أيضا هذه الفرصة (...) لاعتقالهما. كان يتعين على جمعية حسم نبذ العنف والإرهاب وألا تُوقع بنفسها في هذا الفخ الذي ُأعد لها بإحكام.
هل أن التضييق على النشطاء الحقوقيين والجمعيات الحقوقية، على غرار حسم، يعكس مخاوف معينة في السعودية من قيام مجتمع مدني قوي قد يسحب البساط من تحت أقدام السلطة القائمة؟
(...) قوة النظام في السعودية ليست في أجهزته الأمنية فقط وإنما أيضا في قبول الكثير من الشرائح الاجتماعية له. والنظام السعودي لم يأت على رأس دبابة قبل فترة قصيرة، بل إنه يحكم البلاد منذ 398 عاما تقريبا. إذن فإنه يحظى بشرعية تاريخية وشعبية. بالإضافة إلى ذلك فقد ساعد الربيع العربي النظام في السعودية...
كيف ذلك؟
السعوديون يرون أن الإسلاميين قد فشلوا في مصر وتونس ويرون كذلك الوضع الأمني المتدهور في ليبيا واستمرار المعارك والقتال في سوريا منذ أشهر طويلة. ومعظم السعوديين أصبحوا ينظرون إلى الثورات العربية بتوجس وخوف من أن تنتقل العدوى إلى السعودية. والربيع العربي ساعد بعض الأنظمة العربية التي تعتبر ديكتاتورية في جعل شعوبها –كالشعب السعودي مثلا- يخشى من الفوضى وانعدام الأمن واستمرار القتال مثلما ذكرت سابقا. وبالتالي فإنه ينظر إلى الربيع العربي بأنه قد فشل فشلا ذريعا.
ولكن حقوقيين ينتقدون عدم إدخال إصلاحات في السعودية كإعطاء المرأة حقوقها وغيرها.
نعم، هناك ثلاث عوامل تحول دون إدخال إصلاحات في السعودية: أولها الوعي الشعبي ذلك أن غالبية السعوديين يؤيدون الأسرة الحاكمة والسلطة الدينية، وهما يشكلان العامل الثاني والثالث. ولولا الدعم الشعبي للأسرة الحاكمة وللسلطة الدينية لما تمكنا من بسط سيطرتهما على السعودية. والسعودية بلد مترامي الأطراف وذات تركيبة قبلية وأغلبيتها ترى في الملك ضمانة لعدم تفكك البلاد. والشعب السعودي يطالب بالإصلاح ويقف ضد الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان ولكن ضمن اللحمة الوطنية والتلاحم الاجتماعي.
إذن من يقف حجر عثرة أمام الإصلاحات في السعودية؟
لو رأينا الصراع داخل المملكة لرأينا أنه بين أفراد الأسرة المالكة ضد رجال من المؤسسة الدينية لا يريدون إصلاحات مثل حقوق المرأة. وقد رأينا أن هؤلاء وقفوا ضد تعيين النساء في مجلس الشورى. المشكلة لا تكمن في أسرة حاكمة ديكتاتورية تحكم شعبا مسكينا، بل هناك أطرافا من داخل الشعب، خاصة أولئك المحسوبين على المؤسسة الدينية،هي التي تقف ضد الإصلاحات. يجب أن يتطور المجتمع وأن يدرك أنه ليس من خلال رجال الدين يمكن أن تحقق الحقوق والحريات. (...)
والشباب هم من سيقود التغيير والمستقبلفي السعودية.وحينما يقبل الشباب بوجود نشاط حقوقي وبحقوق المرأة كاملة وحينما يؤمنون بالديمقراطية ويرفضون سيطرة رجال الدين على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حينها سوف تتغير السعودية.