حظر انتشار الأسلحة النووية أمام مأزق الكيل بمكيالين
بالرغم من القلق المتزايد ازاء تكاثر الاسلحة النووية في مرحلة الحرب على الارهاب اظهر مؤتمر الامم المتحدة حول معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عجزه بعد شهر من المناقشات على اتخاذ تدابير كفيلة بوقف الانتشار النووي. فقد اختتم هذا المؤتمر المقام في مقر الامم المتحدة بنيويورك بدون التوصل الى اي اتفاق حول سبل منع انتشار الاسلحة النووية. وعبر الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان عن اسفه الشديد لفشل المؤتمر واعتبر ان "الدول الاعضاء فوتت فرصة حيوية لتعزيز امننا الجماعي في وجه التهديدات النووية العديدة التي قد تطال جميع الدول وجميع الشعوب". ووصف المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي هذا الفشل ب"المحزن". وقال لوكالة فرانس برس من فيينا "بعد شهر انتهى المؤتمر عند النقطة التي بدأ منها، اي على نظام مليء بالثغرات وضعيف وبدون خارطة طريق لإصلاحه".
مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بمراقبة تطبيق معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية يُعقد كل خمس سنوات على مدار أربعة أسابيع فقط. وعلى الرغم من تباعد فترات انعقاده فإن الدول المشاركة فيه وعددها 188 دولة تحتاج إلى أسبوعين كاملين للاتفاق على جدول الأعمال. وإلى أن يتفق الحاضرون على توزيع المهام بين لجان الأعمال لابد من مرور أسبوع ثالث. وبذلك لا يبق سوى أيام معدودة لمناقشة الموضوع الذي حضروا من أجله والمتمثل في كيفية تعزيز التزام الدول المعنية بتطبيق بنود المعاهدة. وغالباً لا تسفر هذه المناقشات بهذا الشأن عن نتائج تُذكر حسب خبرات العديد ممن يشاركوا فيها مثل كسانتا هال خبيرة التسلح في منظمة "أطباء عالميون للوقاية من الحروب النووية/ IPPNW". ومما تذكره هال أن الأعوام الثلاثة الماضية شهدت ثلاثة لقاءات كان من اللازم وضع برنامج عمل خلال كل منها، غير أن ذلك لم يتحقق. ومما يعنيه ذلك تشجيع الدول التي تخشى من الولايات المتحدة على ضرورة سعيها لتطوير أسلحة نووية لحماية نفسها منها حسب الخبيرة.
كان المؤتمران السابقان لمراجعة المعاهدة في العامين 1995 و2000 تكللا بالنجاح بجعل المعاهدة دائمة وبتحديد مسار من 13 مرحلة نحو إزالة الأسلحة النووية. لكن هذه المرة رفضت الولايات المتحدة اعتبار نفسها ملزمة بوعودها الماضية في مجال نزع الأسلحة فيما طالبت إيران بالاعتراف بحقها بامتلاك التكنولوجيا النووية لاستخدام سلمي وشددت مصر على فرض عقوبات على إسرائيل لعدم إعلانها عن أسلحتها الذرية ولعدم توقيعها المعاهدة.
نزع التسلح في ظل ازدواجية المعايير
تُعتبر معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في الواقع أنجح معاهدات نزع التسلح كونها تضم جميع دول العالم تقريباً. فهي تضمن استخدام الطاقة الذرية للأغراض المدنية، لكنها تلزم القوى النووية التي اعترفت بامتلاكها للسلاح النووي بالحد منه وتمنع البلدان الأخرى من امتلاكه. لكن المشكلة في وجود عدة دول تمتلك هذا السلاح بشكل غير شرعي وهي الهند وباكستان وإسرائيل وعلى ألأرجح كورية الشمالية. وفي الوقت الذي تطالب فيه الولايات المتحدة بإدانة كورية الشمالية وإيران على طموحاتهما النووية تراها تسكت عن الدول الأخرى على الأقل في الوقت الحالي. على صعيد آخر ترى مجموعة دول عدم الانحياز أن الخطوات التي اتخذتها القوى النووية العظمى وهي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين باتجاه نزع التسلح غير كافية وعليه فهي تطالبها بالمزيد على هذه الطريق. غير أن العديد من المنظمات الدولية تريد أكثر من ذلك، فمنظمة "أطباء عالميون للوقاية من الحروب النووية" ترى على لسان خبيرتها هال أنه من الخطأ السماح لجميع الدول امتلاك التكنولوجيا النووية وتخصيب اليورانيوم، فهذا الأمر ينطوي برأيها على خطر بناء قنبلة نووية يوماً ما. فاليابان مثلاً لديها من البلوتونيوم ما يكفي لبناء سلاح نووي قد تقوم بإنتاجه رداً على امتلاك كورية الشمالية لهذا السلاح.
تصلّب المواقف الأمريكية بعد اعتداءات نيويورك
خلال مؤتمري الأمم المتحدة عامي 1995 و 2000 حول نزع التسلح أعلنت القوى النووية العظمى التزامها بخطوات أوسع نطاقاً على هذا الصعيد. غير أن الخلاف حول تفسير مدى الالتزام بذلك اشتد بعد الاعتداءات على نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. فمنذ ذلك الحين لم تعد الولايات المتحدة تشعر أن عليها الالتزام بتعهداتها السابقة. وترى واشنطن اليوم أن أمنها مرتبط بالسلاح النووي أكثر من أي وقت مضى. وانطلاقاً من ذلك يجب تركيز الجهود لحرمان ما تسميه " الدول الشريرة" من امتلاك السلاح النووي. لكن الأمر ليس بهذه السهولة حسب الخبيرة هال: "إذا لم تلتزم الولايات المتحدة ببنود المعاهدة فإن الدول الأخرى لن تفعل ذلك قريباً." هذا يعني التوجه لإنتاج المزيد من السلاح النووي.
إيران تهدد بالانسحاب من المعاهدة
أكثر ما يزعج الولايات المتحدة هو إيران التي تصر على حقها بتخصيب اليورانيوم واستخدامه لإنتاج الطاقة لأغراض مدنية وفقاً لما تسمح به معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فقد صرح مسؤول ملف المفاوضات النووية حسن روحاني مؤخراً أن بلده لن تحترم بنود المعاهدة في حال عدم ضمان الحقوق التي تضمنها لها. وترى الخبيرة هال في كلام كهذا بمثابة إعلان عن النية بتطوير أسلحة نووية. ولعل من أخطر تبعات ذلك حتى الآن تهديد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بمهاجمة إيران في حالة قيامها بذلك.
جوليا الفيرز/ إعداد د. ابراهيم محمد