حطام سفينة لاجئين تصبح نصباً تذكارياً في عاصمة أوروبا
١٢ ديسمبر ٢٠١٦في الـ 18 من أبريل 2015 استقل نحو 800 شخص سفينة خشبية مجهولة الهوية على الشواطئ الليبية، وقطعوا مسافات طويلة محفوفة بالمخاطر. اللاجئون ينحدرون من إثيوبيا وبنغلاديش وساحل العاج واريتريا وغامبيا وغينيا ومالي والسنغال والصومال والسودان، كانوا يتطلعون جميعهم لتجاوز البحر للعيش في أوروبا.
المهربون ومساعدوهم عملوا على تكديس الركاب الذين دفعوا مقابلا ماليا يتراوح بين 1.500 و 2000 دولار للشخص الواحد، تجمع بعضهم في قسم البضائع والمحرك، ولم يبق مجال للتنفس نظرا للضيق، وتم إغلاق أبواب السفينة. أما من وجد مكانا للجلوس على ظهر السفينة فقد كان في وضع أفضل.
بعض ركاب السفينة كان يحمل معه أرقام هاتف وصور أقرباء، وكان أحدهم يحمل معه صورة يمجدها، والآخر قسطا من تراب وطنه، والآخر كان يحمل مصحفا. عدد النساء بين الركاب كان قليلا، وأكثر من ربع مجموع الركاب كانوا من الشباب بين 12 و 17 عاما، بينهم طفل يلبس سروالا يحمل اسم نادي كرة القدم الانجليزي "مانشيستر يونايتيد".
28 فقط من بين الركاب نجحوا في النهاية في وصول الشواطئ الأوروبية. اثنان منهم، واحد تونسي والآخر سوري تم إحالتهما على محكمة كاتانيا الايطالية متهمين بالقتل المتعمد والتسبب في غرق سفينة والمساعدة على السفر غير القانوني. الناجون الآخرون اتهموهما كمهربين، التونسي كقبطان والسوري كمساعد له. فماذا حصل؟
صراخ اليائسين
في ليلة الـ 19 من أبريل 2015 كانت السفينة المحملة عن آخرها باللاجئين تبعد نحو 140 كيلومترا عن الساحل الليبي. شرطة خفر السواحل الايطالية تلقت نداء نجدة وأخبرت سفينة تجارية قريبة. سفينة بضائع برتغالية أسرعت لتقديم المساعدة، وحصل على ما يبدو تصادم نجم عنه ميل السفينة الخشبية.
وعندما تكدس كافة الركاب في جهة واحدة بسبب الاصطدام انقلبت سفينة اللاجئين وبدأت تهوي. بعض الناجين قالوا لاحقا إنهم لن ينسوا أبدا صراخ الذعر للأشخاص المحاصرين في تحت السفينة. المئات من الأشخاص يهوون إلى قعر البحر داخل السفينة.
تشرلوتا سامي، المتحدثة باسم هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين لجنوب أوروبا وصفت لـ DW كيف وصل الناجون القلائل في اليوم التالي إلى صقلية. "كانت الثالثة صباحا. كانوا يرجفون، وكانوا منهكين وضعفاء. لقد عايشوا تجربة قاسية، وكانت أعينهم تنظر إلى الفراغ".
رينزي: على العالم أن ينظر إلى ما حصل
مباشرة بعد الحادثة انعقدت جلسة طارئة لوزراء خارجية وداخلية دول الاتحاد الأوروبي مع إصدار برنامج عمل مبهم مكون من عشر نقاط، وبعدها التأمت قمة أوروبية استثنائية، وفيها أكد الاتحاد الأوروبي أنه يعتزم محاربة المهربين وتوسيع عمليات الإغاثة في البحر التي تقلصت بعد انتهاء مهمة "ماري نوستروم" الإيطالية في خريف 2014. لكن طلب توزيع اللاجئين حسب نظام حصص بصفة عادلة في أوروبا قوبل بمقاومة قوية. رئيس الوزراء الإيطالي رينزي أعلن أنه أمر باستخراج حطام السفينة من قعر البحر:"أريد أن يرى العالم برمته ماذا حصل"، يقول رينزي لقناة التلفزة الإيطالية، مؤكدا أنه ليس من المقبول أن يتصرف البعض طبقا لمقولة: "بعيد عن العين، بعيد عن البال".
ليس بجثث هامدة فقط!
وبعد عمليات بحث في قعر البحر وتحضيرات استمرت شهورا، تم انتشال حطام السفينة مع الموتى في نهاية يونيو 2016 من 370 مترا في عمق البحر. رئيس الحكومة الإيطالية رينزي كتب على فيسبوك:"هذه السفينة بها قصص ووجوه وأشخاص وليس فقط عدد من الجثث الهامدة". وقد أصدر رينزي التعليمات لانتشال الموتى لدفنهم، لأن الأمر يتعلق بالحق في التذكير وتحذير أوروبا.
حطام السفينة البالغ طوله 23 مترا تم نقله إلى إيطاليا حيث عكف موظفو الإطفاء على استخراج بقايا الضحايا الذين ظلت أجسادهم أكثر من 14 شهرا تحت الماء من داخل السفينة المغلقة. العاملون في هذه المهمة لم يكن بوسعهم تصور المحنة التي عايشها الركاب في ذلك الضيق داخل السفينة. وعملت السلطات الإيطالية المختصة على توثيق كل ما يتصل بالموتى وما كانوا يحملونه من أمتعة ووثائق قبل دفنهم.
سابقة لدى سفن اللاجئين
المتحدثة باسم هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين كانت في عين المكان، وتحدثت عن ظروف التعرف على الغرقى داخل السفينة الخشبية. ففي حالات سقوط الطائرات يكون عاديا البحث عن الجثث والبقايا، لكن في هذه الحال كان كل شيء مختلفا. عالمة الأدلة الجنائية، كاتانيو أشارت إلى أهمية أن يحصل أقرباء الضحايا على صورة واضحة عن مصير المفقودين لأسباب عاطفية، ولاسيما أيضا لتبيان قضايا قانونية، وهي تعمل مع مكتب الأشخاص المفقودين والصليب الأحمر.
سفينة كنصب تذكاري لأوروبا
إيطاليا استثمرت 9.5 مليون يورو لانتشال الضحايا والتعرف عليهم. ورئيس الحكومة ماتيو رينزي لم يكتف بذلك، وأعلن أنه سيرسل الحطام إلى بروكسيل لتثبيته هناك كنصب تذكاري في مركز الاتحاد الأوروبي. وقالت تشارلوتا سامي لـ DW إنها فكرة عظيمة تدعمها هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين. تشارلوتا شاهدت بنفسها حطام السفينة في صقلية وكانت متأثرة، وقالت:"كنت أشعر بأنفاس هؤلاء الناس. كنا نشعر بأن مئات من الأشخاص كانوا يأملون ويتألمون داخل هذه السفينة"، معتبرة أن الأمر لا يتعلق ببعث رسائل سياسية، وإنما بإيقاظ مشاعر التعاطف، وهي تأمل بعد استقالة ماتيو رينزي في أن تواصل الحكومة الجديدة خطة رينزي، والمهم، كما قالت تشارلوتا سامي ليس المكان الذي سيوضع فيه حطام السفينة، بل هو أن يراه الرأي العالم.
فاجعة اللاجئين في أبريل 2015 ليس حالة واحدة، تحذر المتحدثة باسم هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين، موضحة أن الوضع لم يتحسن. فالآلاف مازالوا يستقلون في مصر أو ليبيا سفنا متهالكة لا تصلح للإبحار. وفي هذه السنة لقي أكثر من 4.700 شخص حتفهم في البحر المتوسط، وهو عدد يفوق عدد عام 2015 بألف فرد.
أندريا غروناو/ م.أ.م