حصيلة اندماج المهاجرين في ألمانيا..أفضل من سمعتها!
٨ سبتمبر ٢٠١٣ونحن نعيش على وقع العد العكسي للانتخابات البرلمانية الألمانية المقررة في الثاني والعشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري، باتت قضية الهجرة والاندماج من الملفات الرئيسية للحملات الانتخابية للأحزاب. وتعد هذه القضية من المواضيع الحساسة، التي تحاول من خلالها الأحزاب كسب المزيد من الأصوات، خاصة وأن نحو 20% في المائة من سكان ألمانيا من أصول أجنبية. وعمدت الأحزاب حسب توجهاتها السياسية إلى طرح برامج انتخابية مختلفة، تشرح فيها من جهة طبيعة التحديات والصعوبات التي تواجه المهاجرين، ومن جهة أخرى خططها لآليات إدماجهم داخل المجتمع الألماني.
ورغم اختلاف الاديولوجيات والتوجهات الحزبية، إلا أن القاسم المشترك بين الأحزاب يتمثل في التركيز على المشاكل والصعوبات، دون التطرق إلى النجاحات والإنجازات المحققة في هذا المجال. وهذا ما يتم لمسه أيضا في عناوين الصحف والتقارير التلفزيونية، التي ترسم صورة قاتمة عن واقع الاندماج في ألمانيا. وهذا ما يرى فيه العديد من الخبراء والمتتبعين إجحافا في حق سياسة الاندماج، باعتبار أنها حققت مجموعة من النجاحات التي يجسدها العديد من المهاجرين، الذين استطاعوا إثبات ذاتهم وتحقيق إنجازات مهمة داخل المجتمع الألماني.
اهتمام متزايد بسياسية الاندماج
وبخلاف الدول المعروفة تقليديا ب"دول هجرة" كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا، لم تعترف ألمانيا بذلك إلا قبل بضع سنوات، بالرغم أن أكثر من 15 مليون من المواطنين من أصول أجنبية. وهذا الاعتراف يعتبره البروفسور أودو شتاينباخ، الخبير الألماني في شؤون الهجرة والاندماج، "نقطة تحول مهمة في سياسة الاندماج الألمانية، التي لازالت في بداياتها". ويشير الخبير الألماني في حديثه إلى DWعربية، إلى أن العديد من الدراسات بيّنت أن الاهتمام بأوضاع المهاجرين قد زاد بشكل ملحوظ في العقدين الأخيرين، مما انعكس إيجابا أيضا على أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. هذا بالإضافة إلى تحقيق خطوات كبيرة على الصعيد القانوني، حيث تم تسهيل إجراءات الحصول على الجنسية الألمانية.
أما على المستوى السياسي، فقد تمّ تعزيز الحوار بين المهاجرين والألمان وفتح عدة منابر لمناقشة أوضاع المهاجرين؛ بالإضافة إلى إطلاق مجموعة من المشاريع والمبادرات من قبل الحكومات الألمانية المتعاقبة من أجل إدماج السكان من أصول أجنبية في سوق العمل. ويأـي ذلك عبر تأمين فرص أفضل لتعليم وتأهيل الجيل الثالث من المهاجرين. ومنذ سنة 2006 تدعو المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل سنويا إلى عقد قمة للاندماج، يشارك فيها ممثلون عن مختلف الفئات الاجتماعية المعنية بالاندماج، بما فيها جمعيات ومؤسسات المهاجرين.
"حصيلة إيجابية مسكوت عنها"
كل هذا يعتبره البروفسور أودو شتاينباخ "حصيلة إيجابية مسكوت عنها"، ويضيف بأن: "التركيز على مشاكل الاندماج على المستوى السياسي والشعبي يغطي بشكل كبير على النجاحات، التي حققتها ألمانيا في فترة قصيرة في هذا المجال وغالبا ما تغيب قصص الاندماج الناجحة في الصحف وغيرها من وسائل الإعلام الألمانية". ويضيف الخبير الألماني أنه حتى وإن تمّ التطرق إليها، فإن الأمر يتعلق "باستثناءات فقط". ورغم وجود العديد من الكفاءات من ذوي الأصول الأجنبية في العديد من المناصب السياسية والرياضية والبحث العلمي وغيرها من المجالات، إلا أن الانطباع العام حول سياسة الاندماج في ألمانيا يبقى سلبيا إلى حد كبير.
ومن أجل لفت الانتباه لهذه الظاهرة وتناول سياسة الاندماج من زاوية مغايرة نظم البروفسور شتاينباخ لقاءا في جامعة هومبولدت فيادرينا "Humboldt-Viadrina-School of Governance" في برلين، تم فيه استدعاء مجموعة من الفاعلين والكفاءات من ذوي الأصول الأجنبية، ليتحدثوا عن مساراتهم العملية وحياتهم الشخصية، باعتبارهم نماذج ناجحة للاندماج في المجتمع الألماني.
"النجاح المهني ليس مقياسا للاندماج"
ومن بين الشخصيات التي شاركت في هذا اللقاء، البروفسور خالد سهولي ذو الأصول المغربية، والذي يشغل حاليا منصب المدير العام لقسم طب النساء والتوليد وعلاج سرطان الرحم والثدي في مستشفى "شاريتيه" الجامعي بالعاصمة برلين؛ كما أنه يعتبر من أبرز جراحي أمراض السرطان بألمانيا وأوربا.
ويؤكد البروفسور السهولي لـDWعربية، أن الفضل في نجاحه يعود بالأساس إلى والديه المغربيين، وخاصة والدته، التي رغم أنها كانت أمية، إلا أنها حرصت على تعليم أبنائها بشكل جيد على حد تعبيره. وأوضح البروفسور الذي ولد وترعرع في إحدى الأحياء الفقيرة في العاصمة برلين، كيف أن والدته كانت تعمل كعاملة نظافة في ذات المستشفى الذي يديره الآن، وأنه كان يرافقها ويلعب بين أروقة مبنى المستشفى عندما كان في السابعة من عمره. وكل ذلك شكل على حد تعبيره حافزا مهما بالنسبة له. ولهذا يرى خالد سهولي، الذي كان يحلم أن يصبح لاعب كرة القدم، أن خلفية والديه الاجتماعية والعرقية لم تكن حاجزا له في مسيرته العملية والشخصية أيضا، مشيرا إلى أن: "النظام الاجتماعي الألماني يساهم بشكل كبير في تكافؤ الفرص، مثل الاستفادة من منحة الدراسة الجامعية".
في المقابل، يرفض البروفيسور أن يتحول "النجاح المهني والوضع الاجتماعي إلى مقياس للاندماج الناجح". فالأهم في نظره هو الوعي بالمسؤولية والسعي إلى المشاركة الفعالة داخل المجتمع، "كلّ حسب مجاله وتخصصه". ولهذا فهو يرى أنه رغم وجود نسبة كبيرة من المواطنين ذوي الأصول الأجنبية في مختلف المجالات، إلا أن مشاركتهم في الحياة السياسية والجمعوية تبقى ضعيفة. وهو الأمر الذي يؤثر سلبا على وضع المهاجرين ويؤدي إلى تهميشهم في بعض الأحيان.
" التسامح والاندماج لهما وجه"
يحاول البروفيسور السهولي من موقعه لعب دور فعال للنهوض بقضايا الأجانب وفتح حوار جدي بين مختلف أطياف المجتمع الألماني. والشيء نفسه يسعى إليه أيضا الرسام السوري طارق مرستاني، الذي شارك في الندوة التي دعا إليها الخبير أدو شتاينباخ.
وعرف الرسام مشروعه الفني، الذي بدءه في برلين منذ عام 2010 تحت شعار "التسامح والاندماج لهما وجه"، بأنه يقوم على رسم بورتريهات لأطفال وشباب ألمان وآخرين من أصول أجنبية. أما الهدف منه، إظهار دور التنوع العرقي في إثراء المجتمع الألماني. وأوضح الفنان السوري في حوار مع DW عربية أن: " الكثير من الناس لديهم أحكام مسبقة عن الآخرين ويوجهون لهم أصابع الاتهام دون معرفتهم بهم بشكل جيد". ولهذا يرى طارق مرستاني في هذه التجسيد الفني وسيلة لتنوير الرأي العام وبناء جسور الحوار بين مختلف الأطياف، معتبرا أن "اللوحات الفنية باستطاعتها التعبير عمّا يعجز عنه اللسان".
وينوه مرستاني الذي عاش في عدة دول أوروبية بسياسات الاندماج في ألمانيا، التي قال عنها "إنها خطت خطوات مهمة في هذا المجال"، مستدركا "أن هناك العديد من المشاكل، التي تستلزم مزيدا من الوقت وتضافرا للجهود من أجل التغلب عليها".
ولعلّ الانتخابات القادمة، قد تكون فرصة للعديد من الألمان من ذوي الأصول الأجنبية للتعبير عن توجهاتهم ومدى رضاهم عن سياسة الاندماج التي تنتهجها الحكومة الحالية. الجدير بالذكر أن حوالي %3 بالمائة من المرشحين المباشرين للبرلمان من ذوي الأصول الأجنبية، في ما تصل نسبة الناخبين من ذوي الأصول الأجنبية أيضا، إلى حوالي %10 في المائة. ويعتبر البروفسور شتاينباخ أنها نسب تعكس إلى حد ما واقع الاندماج في ألمانيا، "الذي يبقى رغم كل الإنجازات المذكورة في حاجة إلى المزيد من الجهود".