حصري لـDW: سعوديات بألمانيا يكشفن عن ملاحقة سفارة بلادهن لهن
٢٠ فبراير ٢٠١٩"أين تختبئين؟ نعلم أنك لست في شقتك". تتابع عائشة (إسم مستعار) قراءة الرسالة النصية، التي وصلتها والتي تقول ""سنصلك، لو ذهبت إلى آخر العالم، سيتمكن رجالنا من تعقب خطواتك". تجلس عائشة في مطبخها، حافية القدمين، ترتدي ملابس رياضية، وأمامها ملف، جمعت فيه كل رسائل التهديد التي وصلتها وقد قامت بطباعتها وترجمتها إلى الألمانية من قبل مترجم محلّف.
ومن ضمن الرسائل، الموجودة في الملف، هذه الرسالة: "لدى السفارة أشخاص يمكنهم الحصول على معلومات عنك من خلال بلدية المدينة". تعرف عائشة هذا الرقم السعودي، لأنه يعود لأفراد عائلتها. التهديدات من هذا الرقم جاءت من عائلتها بالسعودية.
عائشة سيدة، في أوائل الثلاثينات من عمرها، وتعيش حالياً كلاجئة في ألمانيا. هربت من عائلتها ونظام يعامل النساء البالغات معاملة القاصرين، إذ تحتاج المرأة السعودية إلى موافقة ولي أمرها الذكر في كل شؤون حياتها تقريباً.
التجسس عبر الهاتف الذكي
هكذا كان الوضع بالنسبة لعائشة أيضا. أينما ذهبت، يرافقها أحد من إخوتها أو يصحبها سائق السيارة في الذهاب والإياب. ثم كان عليها الزواج من رجل لم تره من قبل والذي لم تستلطفه منذ اللحظة الأولى. بعدها قامت عائشة بوضع خطة هروب جريئة، إذ قررت محاربة والدها بنفس الوسائل التي حاربها بها عبر سرقة هاتفه الخلوي. كان والدها يستخدم تطبيقاً يمكنه من تتبع خطوات ابنته. التطبيق، المعروف باسم "أبشر"، هو تطبيق إلكتروني خاص، يمكن تحميله من على موقع وزارة الداخلية السعودية. التطبيق متوفر للتحميل بشكل مجاني من على أجهزة آبل وأندرويد.
أكثر من 11 مليون مستخدم قاموا بتحميل التطبيق لحد الآن، بحسب المعلومات الواردة على الصفحة الرئيسية للوزارة. بمساعدة هذا التطبيق، يمكن للرجال السعوديين تسجيل أسماء وأرقام جوازات سفر زوجاتهم، ومن ثم حظر سفرهن إن أرادوا ذلك. بالنسبة لعائشة، تحول تطبيق "أبشر" إلى نعمة خلال رحلة هروبها، إذ قامت بتغيير كلمة مرور والدها للدخول إلى التطبيق وتقدمت بطلب للحصول على كلمة مرور جديدة، ومن ثم أصدرت لنفسها تصريح سفر، وفي أغسطس/ آب عام 2017، استقلت طائرة إلى ألمانيا. عن هذه التجربة تقول عائشة: "لم يكن لدي ما أخسره".
عندما تقدمت السيدة السعودية بطلب اللجوء بعد وصولها، قادها طريقها بشكل تلقائي إلى مدينة هالبرشتات - وهي بلدة صغيرة في ولاية ساكسونيا أنهالت شرقي ألمانيا. هنا في مدينة هالبرشتات، يوجد فرع للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF). وهو المكتب الوحيد المسؤول عن التعامل مع طلبات اللجوء من السعودية على صعيد ألمانيا.
"سوف تفقدين حياتك"
في العادة يعيش اللاجئون في مركز استقبال اللاجئين المركزي في مدينة هالبرشتات طوال فترة دراسة طلبات اللجوء. النساء السعوديات الأربع اللواتي تحدثت إليهن DW بشكل مكثف خلال الأسابيع الأخيرة، مقتنعات أنهن تعرضن للتجسس من قبل لاجئين آخرين من العالم العربي. وتقدمت إحدى النساء في حضورDW بشكوى ضد زوجها في السعودية وضد نزيلة سابقة في أحد مراكز إيواء اللاجئين في مدينة هالبرشتات. أكثر من ساعة ونصف الساعة قام المسؤولون بتسجيل الشكوى التي بقيت شكوى فقط لانها تنقصها الأدلة الملموسة.
الأمر متعلق بشكوك مثل ما حدث مع فتاتين أخريين هما نورا ومشاعل. بعد وقت قصير من وصولهما الى ألمانيا، بدأت تصلهما أيضا رسائل مثيرة للقلق على تطبيق" واتسآب". فجأة ظهرت هذه الرسالة على شاشة هاتفها: "هل تعتقدين، أننا لا نعلم أين أنت؟" لتتبعها رسالة أخرى: "لقد تلقينا التعليمات من السفارة السعودية. سوف تفقدين حياتك". كلتا السيدتين تعاملتا مع التهديدات على أنها إرهاب نفسي، وقالت مشاعل: "هناك الكثير من النساء السعوديات اللاتي لم تتح لهن الفرصة للهروب"، مضيفة "هذه هي فرصتنا لنكون صوت تلك النساء".
وبناءً على استفسار من DW، أشارت وزارة الداخلية في برلين بأنه لا تتوفر لديها أية معلومات بشأن جواسيس محتملين داخل مراكز الإيواء في ولاية سكسونيا أنهالت وأن "مسؤولية ذلك تقع على عاتق الولايات". كما تلقت DW الجواب التالي من وزارة الداخلية في ولاية ساكسونيا أنهالت: "الاشكالية المتعلقة باللاجئين السعوديين معروفة في ولاية ساكسونيا أنهالت، إذ قامت السلطات المسؤولة باتخاذ بعض التدابير التي تقود الى تجنيب المتضررين من أية أخطار محتملة". يشار الى أن الوزارة لم تقدم أية معلومات إضافية حول الطبيعة الفعلية لهذه الإشكالية وما المقصود بالتدابير المناسبة المتخذة ضدها.
لقد ألقى ملف المقتل البشع للصحفي السعودي جمال خاشقجي بظلاله على سياسة السعودية تجاه منتقدي النظام، إذ قام في مطلع اكتوبر 2018 فريق مكون من 15 شخصا قدموا من السعودية بقتل الصحفي خاشقجي وتقطيع جثته داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، وحتى الآن لم يتم العثور على جثته. ولاتزال الأمم المتحدة تحقق في القضية.
وما سبب احراجاً إضافياً للسعودية هو قصة هروب الفتاة السعودية رهف محمد القنون عاما والتي تصدرت قصتها عناوين الصفحات العالمية. فقد حاولت الفتاة التي لا يتجاوز عمرها الـ 18 عاما الهروب من بطش عائلتها بالسفر إلى أستراليا، إلا أنه تم توقيفها في العاصمة التايلاندية بانكوك أثناء سعيها لتغيير الطائرة. إلا أن السلطات التايلندية سعت الى ارجاعها إلى السعودية ما حدى بها إلى البقاء في منطقة الترانزيت في المطار وإرسال رسائل الغوث والمساعدة عبر توتير. من خلال مساعدة المؤسسة الأممية لمساعدة اللاجئين UNHCR حصلت رهف على لجوء في كندا.
الهرب قد يؤدي إلى "عقوبة الإعدام"
حالات أخرى كانت أقل حظاً، مثل دينا علي. إذ حاولت الفرار إلى أستراليا في أبريل/ نيسان عام 2017 وتعرضت للتوقيف في الفلبين وتم ترحيلها بعد ذلك إلى السعودية. ومنذ ذلك الحين اختفت من دون أي أثر لها. تحدثت روثنا بيغوم من منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان لـDW، عن النساء اللاتي يتم إعادتهن ضد رغبتهن إلى السعودية، بعد محاولة هروبهن: "عند إعادة المرأة ضد إرادتها، يمكن أن توجه لها تهمة العصيان وتهمة الإساءة لسمعة العائلة". وأضافت بيغوم: "يمكن أن يحصلن على أحكام بالسجن لمدة طويلة، قد تصل إلى عقوبة الإعدام". وتؤكد بيغوم لـDW أن هيومن رايتس ووتش على دراية بالحالات التي "تتعرض فيها المرأة للضغوط من قبل السلطات السعودية للعودة إلى أسرتها".
"أعتقد أنها السفارة"
ينظر شتيفان باينتنر من جمعية "مساعدة اللاجئين العلمانيين" في كولونيا إلى ما جاء على لسان النساء السعوديات من قصص أنها ذات مصداقية. والملفت للنظر من وجهة نظره هي المعلومات التي بحوزة عائلات النساء في السعودية البعيدة، ويعتقد باينتنر أنه "إما أن تُوكّل كل أسرة بشكل فردي لأشخاص في ألمانيا مهمة البحث والعثور على النساء المعنيات، أو أن هناك جهة مركزية تفعل ذلك للعائلات، أعتقد أنها السفارة، ليس لدي أي دليل، ولكن هذا الترصد يتجاوز ما يمكن باستطاعة عائلة ما القيام به". ويضيف باينتنر أنه يمكن استخدام لاجئين آخرين من داخل مركز استقبال اللاجئين من أجل نقل معلومات للسفارة السعودية في برلين، مضيفا القول: "أنا لا أعتقد أنه من الصعب إيجاد أشخاص من هناك، لكنني أعتقد أنها ليست شبكة عملاء متطورة."
"صيد سهل"
بحسب بيانات وزارة الداخلية الألمانية، تم في بداية فبراير/ شباط 2019، تسجيل 146 لاجئاً من السعودية في ولاية سكسونيا أنهالت، منهم 97 لاجئاً، حصلوا على حق الإقامة. ولكن حتى أولئك الذين كان قرار لجوئهم ايجابي، لا يُسمح لهم بتغيير مكانهم ويلزمون بالبقاء في ولاية ساكسونيا أنهالت. وهذا ينطبق على جميع اللاجئين في جميع الولايات.
ما يعني أنه بعد صدور قرار اللجوء الإيجابي، يتوجب على اللاجئين المسجلين في بادئ الأمر البقاء مدة ثلاث سنوات في الولاية التي يخضعون فيها لإجراءات اللجوء. وفي حالة اللاجئين السعوديين، ولاية ساكسونيا أنهالت، هي مكان تمركز اللاجئين السعوديين. التمركز يسهل البحث، ولكنه يطرح إشكالية أخرى. ففي مدينة هالبرشتات، وهي مدينة يسكنها 45 ألف نسمة فقط، فإن اللاجئين السعوديين هم "بالنسبة للسلطات السعودية صيد سهل"، بحسب المساعد المسؤول عن اللاجئين، شتيفان باينتنر.
في حالات لجوء مبررة، يمكن إلغاء إلزامية البقاء في مكان معين، وهو ما تؤكده وزارة الداخلية في ولاية سكسونيا أنهالت. إذ يسمح التشريع باستثناءات "في إطار دراسة الحالات الفردية والتعامل وفق ذلك." عائشة، هي واحدة من المستثنين.
بعد الموافقة على طلب لجوئها في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2017، انتقلت لأول مرة إلى شقة صغيرة في مدينة هاله، على بعد أقل من 100 كيلومتر من مدينة هالبرشتات. لكن قالت أنها "لم تشعر بالأمان منذ البداية. في إحدى الليالي، وقف رجل، ذا ملامح عربية، لدقائق أمام باب بيتها. أبلغت الشرطة، لكنها لم تستطع تقديم شكوى، لأنه لم يحدث أي شيء يُعاقب عليه الرجل.
في أغسطس/ آب عام 2018، سمعت عائشة قرعاً على الباب في الصباح، كانت امرأة منقبة، وتتذكر الموقف قائلة: كانت تبدو مرتبكة، وكأنها في حاجة إلى مساعدة". لكن عندما فتحت الباب، دفعتها المرأة إلى داخل شقتها. ومن الجانب قفز رجل ذو شعر أسود ولحية. قام الاثنان بتفتيش الشقة بينما أغلقت عائشة على نفسها في الحمام ودعت الشرطة مرة أخرى وانتقلت إلى ملجأ آمن للنساء.
"لا أحد يستطيع حمايتك منا"
فجأة بدأت تصلها رسائل على تطبيق "واتسآب" من السعودية، ومن الواضح أن شخصاً ما قد أعطى رقمها الألماني لعائلتها. وكانت نبرة الرسائل واضحة. "هل يجب أن أخبرك بسر، حتى تعرفين أننا نستطيع الوصول إليك؟". ورسالة أخرى. "هل تعرفين الأشخاص الذين جاءوا إلى شقتك؟ لقد أرسلناهم إليك، حتى تعرفين أنه يمكننا الوصول إليك".
هكذا قضت عائشة يومين في توتر، مع استمرار وصول رسائل التهديد على جهازها: "بالمناسبة، إنها مسألة وقت فقط قبل أن نعثر على منزلك الجديد، ولن يستطيع أحد حمايتك منا". عائشة تقول" إن رقم الهاتف السعودي الذي أُرسلت منه الرسائل، يعود إلى أحد أشقائها". في سبتمبر/ أيلول عام 2018، غادرت عائشة ولاية ساكسونيا أنهالت هرباً نحو مدينة هامبورغ، المدينة الكبيرة. هنا تعيش الآن مع هاتف محمول جديد ورقم هاتف جديد. ومع ذلك، لا تزال في حالة تأهب. بالرغم من عدة اتصالات، لم تتجاوب السفارة السعودية في برلين مع طلبنا التعليق على الأمر ولم تبد استعدادها للتحدث مع DW حول ما جاء على لسان هذه النساء.
استير فيلدن، نينا رادي/ إ.م
* جميع الأسماء في هذا النص تم تغييرها من قبل المحرر