Bilanz der Buchmesse
٢١ أكتوبر ٢٠٠٨يبدو أن أسلوب العرض، الذي انتهجته تركيا، ضيف شرف معرض فرانكفورت الدولي للكتاب لهذا العام، قد أتى أكله. فمنظمو المعرض الأتراك لم يركزوا فقط على تقديم الأسماء التركية اللامعة والحاضرة إعلامياً، على غرار الكاتب الشهير وحامل جائزة نوبل للأدب أورهان باموك، بل أعدوا جناحا أبرز تنوعها الثقافي والعرقي من ناحية، وألقى الضوء على عمالقة الفكر والفن في مدينة اسطنبول خلال القرن العشرين من ناحية أخرى.
ورغم الأبعاد السياسية للمشاركة التركية في فرانكفورت وحضورها في بؤرة الاهتمام، إلا أن الإجماع يسود بين المراقبين والعاملين في حقل الثقافة على نجاح تركيا في تقديم ثقافتها المعاصرة وإرثها بشكل جذاب، جسد عوالم الثقافة التركية وعكس صورتها الواقعية أمام العالم.
ضيف شرف بدون "تسييس"
كما ساهم تصميم الجناح التركي في تصوير العناصر المُكونة للثقافة التركية، ابتداءً من فن المعمار العثماني وفنون الطباعة والزخرفة، ومرورا بالنصوص الكلاسيكية وانتهاءً بالشعر المعاصر، الذي عرضه شعراء شبان مثل سيفيم بورداك، في ترك انطباع تميز بالمهنية وحسن التنظيم والرصانة لدى عدد كبير من المراقبين والعاملين في حقل الثقافة.
مدير معرض فرانكفورت يورغن بوس، قال في معرض تعليقه على الحضور التركي:"تركيا تعيش ديناميكية ثقافية وسياسية لم يسبق لها مثيل". كما أضاف أن النخب التركية "استغلت فرصة الظهور على أكبر منبر أدبي في العالم بشكل مثالي".
وفضلا عن ذلك تجنب العارضون الأتراك الكليشهات الشرقية المعتادة مثل عروض الرقص الشرقي والفلكلور الشائع، كما لم يخف على أحد مدى حرص اللجنة التركية المنظمة على "تحييد" التناقضات السياسية، التي تشهدها البلاد من فعاليات دورة المعرض الحالية.
هامش حرية أكبر في تركيا
هذا التحييد لم ينجح بالطبع في استبعاد العامل السياسي كليا من أروقة معرض فرانكفورت، لكن حقيقة تطور الخطاب النقدي وتوفر هامش أكبر للحريات على ضفتي البوسفور ظهرت جليا، حين لم ينكر الرئيس التركي عبد الله غل في كلمته الافتتاحية وجود عوائق أمام تحقيق حرية التعبير وضمان المشاركة السياسية لكل المواطنين الأتراك، رغم إشارته إلا أن "تركيا ليس بلد الممنوعات".
هذه الشفافية الجديدة من نوعها في تعاطي النخب التركية الحاكمة مع نقد أورهان باموك اللاذع لما أسماه "ميل الدولة التركية لمنع الكتب ومعاقبة الكتاب"، تجلت أيضا في جدية وجدلية الندوات، التي نُظمت على هامش المعرض، والتي تناولت مواضيع شائكة على غرار ماهية الهوية التركية ومدى أهلية تركيا حاليا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
"الثقافة التركية تكسب قلوب الأوروبيين"
وغلب تعدد الآراء واختلاف الحجج وآليات البرهان على الندوات الحوارية، التي نظمت على هامش المعرض. فعلي سبيل المثال لا الحصر شاركت الكاتبة الأرمينية كارن كاراش وانكا سارسلان والكاتب التركي اليهودي الشهير ماريو ليفي، علاوة على الكاتب التركي الكردي سليم تمبو في ندوة مفتوحة للجمهور تميزت بعمق طابعها النقدي.
ماريو ليفي أشار في مداخلته إلى رفضه أن " ًيُوضع في خانة الأقليات"، لأن كتبه "موجه إلى كل الأتراك وكل محبي اسطنبول". وعلى النقيض من ذلك اعترف سليم تمبو بعدم قدرته على "التنصل من هويته العرقية بصورة كاملة"، على الرغم من عدم وجود علاقة رحمية بينه وبين اللغتين التركية والكردية.
أوفي فيتسكوك، المحرر الثقافي في صحيفة "دي تسيات" الرصينة، أحسن في توصيف الفعاليات التركية في فرانكفورت حين قال: "أسلوب عرض الثقافة التركية، الذي تميز بالمهنية والشفافية وبنزعته النقدية، نجح في كسب عقول وقلوب الأوروبيين".