"حسابات داخلية وراء فشل المفاوضات بين إسرائيل وحماس"
٢٠ أغسطس ٢٠١٤DW عربية: كيف تفسر فشل المفاوضات من أجل وقف دائم لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس؟
في الوقت الحالي لا يمكنني أن ألتمس أي رغبة من كلا الطرفين في التوصل إلى اتفاق على حل سلمي أو لوقف إطلاق النار لمدة طويلة. فإسرائيل لم تنجح من خلال عملياتها العسكرية في تحقيق هدفها ألا وهو ضرب حركة حماس. أما حركة حماس، فالبرغم من أنها خاسرة على الصعيد السياسي، إلا أنها قد تخرج من الأزمة بكسب سياسي إذا استمرت في إظهار مقاومتها.
يوخن هيبلر: إذن، العمليات العسكرية الإسرائيلية لم تنجح في إضعاف حركة حماس؟
طبعا من شأن الغارات الجوية المتكررة والعمليات العسكرية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة أن تضعف حركة حماس من خلال ضرب بنيتها التحتية وتدمير أسلحتها وقتل مقاتليها. لكن هناك إشارات عديدة مفادها أن حركة حماس قد كسبت الحرب سياسيا، ذلك أن العديد من الفلسطينيين يدعمونها على الرغم من أن الكثيرين منهم ليسوا بتاتا من أنصارها.
إذا كانت العمليات العسكرية قد خدمت حركة حماس سياسيا، فما الذي يمكن أن تحققه إسرائيل من خلال مواصلة قصف قطاع غزة؟
هذا سؤال وجيه وفي الوقت نفسه من الصعب الإجابة عليه بسهولة. ضرب قوة حركة حماس هدف غير واقعي منذ البداية، ذلك أن حركة حماس متجذرة لدى أوساط لا بأس بها من الشعب الفلسطيني. وقد فشلت إسرائيل من قبل في تحقيق أهداف مماثلة مع حزب الله في لبنان. أعتقد أن هناك دوافع أخرى مهمة تحرك كلا من إسرائيل وحركة حماس ألا وهي السياسة الداخلية لكليهما: لا أحد منهما يريد أن يظهر بمظهر الضعيف. أما المحاولات ذات الطابع الخارجي من خلال سعي كلا الطرفين إلى ضرب بعضه البعض عسكريا تبدو في نظري غير واقعية.
هل يعني أن حركة حماس في موقف من ليس لديه ما يخسره؟
طبعا لا! حركة حماس في وضع استراتيجي ضعيف لا تحسد عليه. وعلى الصعيد العسكري ليست لها أدنى فرصة لتحقيق نصر عسكري على إسرائيل. أما على الصعيد السياسي، فلا يمكنها سوى الحفاظ على البقاء والترويج لذلك على أنه نصر. إمكانات حماس العسكرية على الأرض محدودة للغاية مقارنة بإمكانات الجيش الإسرائيلي. حتى وإن كانت تحوز على ذخائر من الصواريخ التي تطلقها على الأراضي الإسرائيلية والتي تتسبب في إصابة الناس بالهلع وتقض مضاجعهم ليلا وفي إرهابهم نفسيا، لكن أسلحتهم ليست بالدقة والتطور الذي تتميز به الأسلحة الإسرائيلية الفتاكة.
هل تتعمد حركة حماس إطلاق الصواريخ على إسرائيل – رغم أنها تدرك أنها لن تحقق أي نصر عسكري – لمجرد الاستفزاز لإسرائيل والظهور بموقف المقاوم في عيون الفلسطينيين؟
هذا من جهة، ومن جهة أخرى خارجيا. الوضع الحالي – ورغم الدمار والخراب الذي لحق بقطاع غزة بشكل رهيب – أظهر صورة على الصعيد الخارجي مفادها أن الأزمة الحالية طرفاها الدولة الإسرائيلية وحركة حماس. وهذا يعني أن كلاهما يقفان سياسيا على نفس المستوى. وهذا يعد بمثابة نصر بالنسبة لحركة حماس.
هل ينذر الوضع الحالي بحرب دامية وطويلة المدى؟
الوضع متفجر. المشكلة من الجانب الإسرائيلي أنه على الصعيد السياسي الداخلي لا يمكن لإسرائيل إنهاء الحرب دون الحصول على تنازلات كبيرة من قبل حركة حماس. ومطالبها بنزع السلاح عن حركة حماس مطالب غير واقعية تماما، يشبه مطالبة حماس بنزع السلاح عن إسرائيل. تحقيق مثل هذه المطالب في أوقات الحرب ليست من الأمور الواردة.
على صعيد آخر، لم تعد هناك لإسرائيل أهداف يمكنها استهدافها: فقد تعرض جزء كبير من البنية التحتية في قطاع غزة للدمار على الرغم من أنها لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالإرهاب وما شابهه. فقد تعرضت مدارس ومولدات للكهرباء ومنشآت تابعة للأمم المتحدة للتدمير. وبالتالي فلم يعد لإسرائيل من أهداف يمكنها ضربها. وهذا يعني مواصلة الحرب على الرغم من أنها من المنظور العسكري قد فقدت كل معنى.
إذن، تواصل إسرائيل الحرب لأنه ليس لديها ما تسوقه للداخل؟
المشكلة تكمن هنا من منظور إسرائيلي في أن إسرائيل لا يمكنها أن تخسر الحرب عسكريا. لكن الأمر يتعلق هنا بنقاش سياسي. وإذا لم يكن لها ما تقدمه على الصعيد السياسي، فلا يمكنها أن تخرج من هذه الحرب – رغم قوتها العسكرية – مخرج المنتصر. وقد رأينا ذلك أكثر من مرة في لبنان أنه يمكن كسب الحرب عسكريا وخسارتها سياسيا. وإذا تكرر هذا الأمر مرات عديدة، فقد يتسبب في خدش للصورة والهيبة.
على صعيد آخر، كيف تفسر الموقف المتحفظ للاتحاد الأوروبي إزاء هذه الأزمة؟
لدينا داخل الاتحاد الأوروبي مواقف متباينة: مثلا المواقف الألمانية والهولندية من جهة، ومن جهة أخرى مواقف من فرنسا ومن بعض الدول الجنوبية التي تجرأ على انتقاد السياسة الإسرائيلية. وبالتالي من الصعب الاتفاق حول موقف أوروبي موحد. هناك أيضا تحفظات على انتقاد السياسة الإسرائيلية لأسباب تاريخية مثل الهولوكوست. من ناحية أخرى، لا يريد الأوروبيون التعامل مع حركة حماس كمنظمة عرفت بمواقفها وسياساتها الراديكالية. في الوقت نفسه ولد الموقف الإسرائيلي، الذي لا يعير اهتماما بالمدنيين، لدى الكثيرين الانطباع بأنها قد انتهكت القانون الدولي من خلال استهدافها المدارس والمباني السكنية. وعليه من الصعب اتخاذ موقف موحد إزاء طرف معين.
هل ترى فرصة لحل سلمي للأزمة؟
لا، لا أرى ذلك، فالأزمة بلغت مراحل متقدمة جدا. وفي الواقع، الكل يعرف – ومنذ عشرين عاما – كيف يمكن إنهاء الأزمة، أي من خلال حل الدولتين، أي إلى جانب دولة إسرائيل دولة فلسطينية ذات استقلالية وسيادة فلسطينية. ولكن يبدو أن الإرادة السياسية لدى الحكومة الحالية غير موجودة، مثلا ليبرمان ونتنياهو ليسا مستعدان للذهاب في هذا المسار. وطالما لم يتم حل هذه الأزمة من خلال حل الدولتين، فإن الوضع سيشهد كل بعض السنوات توترا وانفجارا جديدا.
الدكتور يوخن هيبلر خبير في الشؤون السياسية الشرق أوسطية وباحث في أبحاث السلام في معهد التنمية والسلام التابع لجامعة دوزبورغ-إيسن الألمانية.