حزب اليسار - حضور متزايد في غرب ألمانيا رغم روافده الشيوعية
١٦ فبراير ٢٠٠٩فتحت الحدود بين شطري ألمانيا في أواخر عام 1989 بعد سقوط الجدار، الذي قسم هذا البلد إلى دولتين. وبسقوط الجدار انتهى عهد نظام سياسي بأكمله. ورفع مجلس الشعب الفقرات الدستورية التي تنص على حكم حزب الوحدة الاشتراكي الألماني لجمهورية ألمانيا الديمقراطية. وفي مؤتمر استثنائي ناقش أعضاء الحزب مستقبل هذا الحزب.
ووقفوا آنذاك أمام خيارين. كان أولهما حل الحزب، وثانيهما تغييرات جذرية داخلية. ولم يتم حينها حل الحزب، الذي حكم الدولة الشيوعية لعقود من الزمن، بل تم تغيير أسمه وتجديد برنامجه. وبهذا تحول إسم الحزب من حزب الوحدة الاشتراكي الألماني SED إلى حزب الوحدة الاشتراكي الألماني- حزب الاشتراكية الديمقراطية SED-PDS . لكن القليل من أعضائه فقط كانوا يؤمنون بمستقبل زاهر له، فقد انخفض عددهم من قرابة 4000 إلى 200 عضواً فقط.
حزب محلي في شرق ألمانيا
وبعد 20 عاماً من هذا ينشط الحزب، الذي تحول إسمه فيما بعد إلى حزب اليسار، في الانتخابات الألمانية على مستوى الولايات، كرابع أقوى حزب بعد الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الديمقراطي والديمقراطي الحر. وفي برلمانات الولايات الواقعة في الشطر الغربي من ألمانيا يقارب عدد ممثليه مثيله من الاتحاد المسيحي الديمقراطي، بل ويزيد في بعض الولايات على عدد ممثلي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ما يمثل قصة نجاح حقيقية. عن هذا يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة غوتنغن تيم شبير: "لقد نشأ هذا الحزب هنا من العدم تقريباً ومن غياب تام عن البرلمانات. وبات يحصل في الانتخابات التشريعية الألمانية على نسبة تصل إلى عشرة بالمائة. وهذا من الأمور غير المألوفة".
وعند نشأته اعتبر كثير من المراقبين أن حزب الوحدة الاشتراكي الألماني- حزب الاشتراكية الديمقراطيةSED-PDS، الذي أصبح في 4 شباط/ فبراير 1990 يُدعى بحزب الاشتراكية الديمقراطية فقط، ظاهرة مؤقتة ليس إلا. وبالرغم من أن الحزب حصل في الانتخابات التشريعية الألمانية الأولى في كانون الأول/ ديسمبر 1990 على نسبة 11.1 بالمائة من الأصوات في الولايات الواقعة في الشطر الشرقي من ألمانيا، إلا أنه حصل على ما يعادل 2.4 بالمائة فقط من أجمالي أصوات الناخبين في عموم ألمانيا. ويرى كثير من المراقبين السياسيين أن أهمية هذا الحزب المحلي في شرق ألمانيا تراجعت في ضوء تقارب الظروف الاقتصادية والاجتماعية بين الولايات الواقعة في شرق ألمانية وغربها.
انتشار سريع
لكن يبدو أن صعود حزب الاشتراكية الديمقراطية مازال متواصلاً ومستمراً. ففي الانتخابات التشريعية في ولاية تورنغن عام 1990 حصل الحزب على 9.7 من الأصوات. وبعد أربع سنوات من ذلك ازدادت هذه النسبة لتصل إلى 16.6 بالمائة. أما في انتخابات عام 1999 بلغت 21.3 بالمائة، وفي عام 2004 وصلت إلى 26.2 بالمائة، وهي نسبة أكثر مما يحصل عليه حزب محلي أو حزب معارض.
وبعد انتخابات عام 1994 في ولاية سكسونيا-انهالت تم للمرة الأولى تشكل ائتلاف بين حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي، ونال هذا الائتلاف دعم حزب الاشتراكية الديمقراطية. كما تم في عام 1998 تشكيل أول ائتلاف بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الاشتراكية الديمقراطية في ولاية ميكلينبورغ-فوربوميرن. ومنذ عام 2001 يحكم العاصمة الألمانية برلين ائتلاف من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الاشتراكية الديمقراطية كذلك، الأمر الذي يعده شبير "تطوراً من خلال الانتشار السريع".
لكن في انتخابات الولايات الألمانية عام 2006 فقد الحزب في معاقله الرئيسية في الشرق قرابة 20 بالمائة من ناخبيه. وعزا المحللون السياسيون السبب في ذلك إلى نقص في معالم صورته السياسية. وفي هذا الوقت ظهر الاتحاد البديل من أجل العمل والعدالة الاجتماعية WASG، وهو اتحاد مكون من أعضاء سابقين في الحزب الديمقراطي الاشتراكي والعديد من النقابات العمالية، شكل حزباً في مطلع عام 2005، احتجاجاً على برنامج الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر. وكان هذا الحزب يعتنق أيضا مبادئ الاشتراكية الديمقراطية، وأندمج الحزبان في حزب حمل أسم "اليسار" Die Linke.
نجاح في غرب ألمانيا
وفي أيار/ مايو 2007 نجح حزب اليسار للمرة الأولى في دخول برلمان إحدى الولايات الغربية، بعد انتخابات ولاية بريمن. ومؤخراً وصل الحزب إلى برلماني ولايتي هيسن وسكسونيا السفلى. ويعزي شبير سبب ذلك إلى تمكن الحزب من إيجاد مناخ ما بين المواطنين الألمان. ويرى أستاذ العلوم السياسية أن حزب اليسار استطاع على ما يبدو أن يوظف الحاجة إلى العدالة الاجتماعية بشكل أفضل من رفع الحزب الاشتراكي الديمقراطي لها باعتباره حزباً شعبياً يهتم بالقضايا الاجتماعية. ويضيف شبير قائلاً: "وبذلك يكون حزب اليسار قد أمن استمرار وجوده مستقبلاً".
ولا يتم تناول احد الأحزاب الألمانية بحماس أو عاطفة، كما يتم تناول حزب اليسار. فالحزب الجديد-القديم مازال يوقظ ردود أفعال معادية للشيوعية داخل الأحزاب التقليدية الشعبية في ألمانيا. لكن حتى هذه الأحزاب الشعبية عليها أن تعترف أيضاً أن الخارطة الحزبية في ألمانيا والمكونة من أربعة أحزاب تغيرت الآن ومستقبلاً على ما يبدو لتشمل حزباً خامساً جديداً. لكن قد يُطرح كذلك السؤال عن أهداف هذا الحزب. يبدو أن الإجابة على هذا السؤال يجب أن يجدها الحزب نفسه أولاً. وحتى اليوم لا يوجد برنامج لهذا الحزب. وحتى أركانه ما تزال غير واضحة المعالم: فالحزب كما يقول يدعم سياسة اقتصاد السوق، لكنه يريد في الوقت ذاته أن التغلب على الرأسمالية.