حزب الله اللبناني – براغماتية الحلول وسياسة التوازنات الصعبة
٧ أكتوبر ٢٠١٢مر حزب الله بتطورات متسارعة، فقبل 30 عاماً تأسس الحزب الشيعي في ظل ثورة إيران الإسلامية لمواجهة الهجوم الإسرائيلي على لبنان. وتمثل هدفا الحزب في مقاومة إسرائيل وإقامة دولة إسلامية في لبنان. إلا أن حزب الله اندمج في السنوات التالية لتأسيسه تدريجياً في النظام السياسي في الدولة اللبنانية. وفي عام 1992 شارك لأول مرة في الانتخابات البرلمانية. وتراجع الحزب عن هدف إنشاء نظام إسلامي في البلاد وألغى هذا الهدف من برنامجه أيضاً.
شهد اللبناني بسام حيدر هذا التغير عن قرب. وكما يقول، فإن هناك فرقاً كبيراً بين حزب الله كما كانت في منتصف الثمانينات وبينه فيما بعد، إذ أنه أتسم سابقاً بالتعصب الديني. "الاحتفال كان محظوراً. ودخل أنصار الحزب في حالات كثيرة المنازل لمنع الاحتفال. وكان شرب الكحول في المنازل مستحيلاً أيضاً". ويرى حيدر أن الحزب اليوم يقبل الوقائع القائمة. "أدرك حزب الله أنه لا يمكن له أن يجبر جميع الناس على المشاركة في إيديولوجيته. ولو لم يتخذ الحزب هذا الموقف، لبقى عدد مؤيديه محدوداً بدلاً من ازدياده".
تكيف محدود
ولد بسام حيدر في قرية شيعية بجنوب لبنان، إلا أنه يعيش منذ عقود في ضواحي بيروت الجنوبية. ورغم أنه ليس عضواً في حزب الله، إلا أنه يؤيده، لذلك ينتخبه في الانتخابات البرلمانية. ويحترم حيدر الحزب لأنه يرى أنه يحل محل الدولة اللبنانية في مجالات تفشل الدولة فيها. كما يقول حيدر الذي يبلغ عمره 47 عاماً، فإن الحزب نظم مثلاً نصب صهاريج مياه في ضواحي بيروت لأن المياه من أنابيب المياه العامة لم تكن صالحة للشرب.
من جهة أخرى، فإن تكيف الحزب يتسم بحدود واضحة أيضاً، إذ أنه لا يزال "دولة داخل الدولة اللبنانية" ويتمسك بدوره العسكري، أي أنه يرفض نزع سلاحه أو إشراكه في الجيش اللبناني. وعلاوة على ذلك لا يزال يرى في نفسه جزءا من التحالف الإيراني السوري كقلعة ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
تأييد مطلق لنظام الأسد
رغم ازدياد الوضع في سوريا حدة واحتمال إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد فحزب الله ما يزال من تلك القوى السياسية في المنطقة التي تؤيد النظام حتى الآن. ويعتبر بسام حيدر أن موقف حزب الله بهذا الشأن مبرر أيضاً. وهو مقتنع بعدم توفر بديل له. "في حالة إسقاط النظام في دمشق ستتولى السلطة عناصر مدعومة من الولايات المتحدة وتقف ضدنا. وفي هذه الحالة لن يكون هناك مؤيدون لمقاومة إسرائيل في لبنان".
إلا أن الرأي العام اللبناني يشهد مناقشة بعد أخرى بشأن موقف حزب الله الواضح هذا وتدور هذه المناقشات في هذه الأثناء عن مأزق وقع الحزب فيه. وأحد منتقدي موقف حزب الله المؤيد لسوريا، هو عالم الدين الشيعي هاني فحص. وأصدر فحص الذي يبلغ عمره 66 عاماً، بالتعاون مع عالم دين آخر بياناً قبل بضعة أسابيع طالب فيه بالتضامن مع الشعب السوري المضطهد. وذكر في هذا السياق بالتقليد الشيعي المتمثل في تقديم الدعم إلى المضطهدين.
تعددية شيعية
يقول فحص يجب التراجع عن تأييد سياسيين يعاملون شعبهم مثل الحكام السوريين، رغم أنهم يدعون بأنهم يؤيدون مقاومة إسرائيل. "لا يجوز أن نلوث التحرير والمقاومة بالفساد والاضطهاد". ويرى هاني فحص أن ثلث الشيعة اللبنانيين على الأقل يتضامن مع الشعب السوري، وأن "ثلث آخر سيتخذ موقفاً مماثلاً لو أتيحت له حرية أوسع لفعل ذلك". ويضيف فحص بالقول: "توجد آراء مختلفة داخل شيعة لبنان، وهذا ليس بالأمر الجديد".
رغم ولاء حزب الله للنظام السوري، فإنه يجد نفسه مجبراً على أخذ الواقع اللبناني في نظر الاعتبار، إذ أنه يشارك في توافق مع أهم أحزابها للحفاظ على استقرار البلاد، وذلك بغض النظر عن ازدياد حدة النزاع في سوريا المجاورة ومصالحها. وعليه لم يقاوم حزب الله في آب/ أغسطس الماضي اعتقال الوزير السابق الذي ينتمي إلى تياره السياسي ميشيل سماحة المتهم بالتخطيط بتكليف من سوريا للقيام باعتداءات في لبنان. وعلاوة على ذلك لم يعارض الحزب العمليات التي قام بها الجيش اللبناني مؤخراً في الضاحية التي تعتبر من معاقل لحزب الله. وأدت هذه العمليات إلى اعتقال مسؤولين عن اختطاف عدد من السوريين وتحرير جزء من الضحايا.
دلائل على براغماتية
أظهر حزب الله خلال تاريخه قدرته المفاجئة على التحول. ويعتبر هاني فحص أنه من المحتمل أن يتكيف حزب الله مع التغيير في سوريا. ويصف عالم الدين الشيعي الحزب بأنه براغماتي. وأحد الأمثلة على ذلك هو التظاهرة ضد فيلم الفيديو الذي يسخر من الإسلام. وبرأي فحص فإن هذه التظاهرة، التي دعا إليها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، كان هدفها استعراض قوة الحزب والإشارة إلى أن الحزب يتحدث باسم جميع المسلمين. "الجانب الإيجابي في هذا هو أن نشر هذه الرسائل تم بالسبل السياسية. وكان من الملحوظ أن ممثلي حزب الله استخدموا أثناء زيارة البابا إلى لبنان لغة معتدلة. وأعربوا عن تأييدهم للحوار بين الطوائف اللبنانية بأسرها".