حرية الرأي في العراق: هل تقررها عبوة ناسفة؟
١٤ فبراير ٢٠١٤صورة مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي برسمها الكارتوني الملون في ملف صحيفة الصباح الجديد عن الذكرى 35 للثورة الإسلامية في إيران، فتحت أبواب الجحيم على الصحيفة وكادرها، وأثارت اعتراضات كثيرة داخل العراق، وصلت إلى حد التظاهر ضد الصحيفة، بل أنّ السفارة الإيرانية في بغداد اتصلت برئيس تحرير الصحيفة إسماعيل زاير وأبلغته استياء السفير شخصيا من الصورة.
وقد التقى زاير بالسفير الإيراني في بغداد حسن دانائي فر واعتذرعن سوء الفهم والخطأ غير المقصود،وهو ما كشف عنه في حواره مع مجلة العراق اليوم من DWعربية، ولكنّ الأمر تطور بشكل مخيف حين هاجم مجهولون مقر الصحيفة مرتين بعبوات ناسفة، فهدموا مدخل البناية، ليهرب الصحفيون والجيران عن المنطقة خوفاً على أرواحهم.
الصحيفة مغلقة الآن، ورد الفعل "المتفجر" يثير أكثر من سؤال عن حدود حرية التعبير في العراق، وعن حدود ردود الفعل، وعن نفوذ إيران في العراق. ومن هذه الواقعة يتوخى البعض أن يرسلوا إلى الإعلاميين والصحفيين رسالة مفادها أنّ هناك خطوطا حمراء عليهم أن لا يتجاوزوها، يسميها البعض الحدود العرفية ويسميها غيرهم المرجعية.
"هاجمت الصحيفة عناصر الميلشيات المسلحة التي هي خارج العملية السياسية"
الملفت للنظر أنّ الصحافة الإيرانية نفسها تنشر صورا كاريكاتورية لكثير من الشخصيات ورجال الدين، بل وتنشر صورا كاريكاتورية لرؤساء الجمهورية أثناء ولايتهم دون أن يثير ذلك أي مشكلة، وهذا يضع علامات استفهام عن هوية القائمين بمهاجمة مقر الجريدة بالقنابل في بغداد العاصمة العراقية بسبب صورة لمرشد الثورة الإيرانية.
د. علي رمضان الأوسي، مدير المركز الإسلامي في لندن الذي شارك في حوار مجلة العراق اليوم من DWعربية فسّر ذلك بالقول، إن رؤساء الجمهورية في إيران، هم شخصيات سياسية، يمكن انتقادها أو عرض رسوم كاريكاتورية عنها، لكن مرشد الثورة، يحمل صفة المرجعية، وهي التي تجعل منه خطا أحمر.
الصحفي إسماعيل زاير رئيس تحرير صحيفة الصباح الجديد، أوجز تفاصيل ما جرى مبينا أن ملف "زاد" الذي أصدرته الصحيفة كان جرد حساب لخلاصة التحولات التي طرأت على إيران خلال 35 سنة من عمر الجمهورية الإسلامية، وأبدى الصحفي العراقي استغرابه لما قاد إليه هذا الملف الإعلامي المحايد من رد فعل عنيف وصل إلى نسف الصحيفة بالقنابل "ولاسيما أنه استعرض مواقف السيد الخامنئي الحكيمة وقراره الصائب بتغيير محمود أحمدي نجاد والذي فتح الأبواب أمام إيران للوصول إلى تسوية مشكلة الملف النووي مع الغرب" .
وخلال حواره ، سمّى الصحفي إسماعيل زاير الجهات التي هاجمت الصحيفة بالقنابل بأنّها "مجموعات وأفراد من المتدينين، ومنها الجناح العسكري لمنظمة بدر، ولكن بالدرجة الأولى كان هناك توثب غير منطقي من الميلشيات المسلحة التي هي خارج العملية السياسية".
الأوسي: "المرجعية والشخصيات الدينية المرموقةلها خصوصيتها"
ويفسر البعض رد الفعل العنيف الذي قاد إلى محاولة الهجوم على الصحيفة بالقنابل مرتين، والهجوم الفعلي عليها بعبوة ناسفة في المرة الثالثة، بأنه من باب "الفوران الشعبي" الذي يصعب السيطرة عليه، وهو ما ذهب إليه د. علي رمضان الأوسي، مذكّرا بوقائع مشابهة جرت في مناسبات عديدة، ومنها رسوم الكاريكاتير التي نشرت في الدانمرك عن الرسول، وغيرها، ثم نبّه إلى " أنّ السيد علي الخامنئي، هو مرجع يقلده كثير من المسلمين عبر العالم، والرموز الدينية مسألة عابرة للانتماء أو القومية أو الحدود، كما أن المرجعية والشخصيات الدينية المرموقة، لها خصوصيتها، والتقرب من أي مرجع يثير مشكلة كبرى" ونبّه الأوسي إلى أنّ على الإعلام خاصة احترام مشاعر الجماهير التي تتبع تلك المرجعيات.
ومن باب المقارنة أشار الأوسي إلى أن لكل بلد خصوصيات وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وضرب مثلا على ذلك في جرائم الهولوكوست في ألمانيا، متسائلا هل يمكن لأي إعلامي ألماني أن ينكر أو يشكك بالهولوكوست؟ كما أشار إلى "القيم النازية"، متسائلا هل يمكن لأي إعلامي ألماني أن "يمجد اليوم القيم النازية"؟
زاير: " لا نقبل ولم ولن نسمح لأحد أن يتجاسر على الرموز الدينية"
وفي الحديث عن مشكلة الصورة التي نشرت في صحيفة الصباح الجديد، تساءل الأوسي" لماذا نُشرت كل الصور للرئاسات الإيرانية فوتوغرافية على الصفحة، فيما نشرت صورة السيد الخامنئي كاريكاتورية ؟ "
وقد نشرت صحيفة الصباح الجديد في اليوم التالي للهجوم، تنويها واعتذارا كتبه رئيس التحرير، وأكد فيه "أنّ النوايا والعمل في الصحيفة كان يتوخى كل شيء إلا الإساءة إلى السيد الخامنئي مرشد الثورة الإيرانية، ونحن لا نقبل ولم ولن نسمح لأحد أن يتجاسر على الرموز الدينية في العراق أو غيره"، وهو ما أشار إليه زاير في حواره مع مجلة العراق اليوم.
وفيما يخص اتصالات المستمعين، فأشار أغلبها إلى أنّ المرجعية الدينية خط أحمر لا يمكن تجاوزه. أما المستمع زيد من بغداد فقد أكد أنه يهتم لرأي المرجعيات الدينية الخاصة به باعتباره عراقيا" أنا أصولي عربية، وأقلد السيد محمد الصدر كمرجع ديني، ولا تعنيني المراجع الدينية في بلدان أخرى، مع الأسف أنّ السفارة الإيرانية في العراق هي التي تحكم".
أما التعليقات الواردة في الموقع الاجتماعي فيسبوك، فنحت منحى مغايرا، وأشار أغلبها إلى أن رد الفعل الذي جرى على الصحيفة جاء بتدبير إيراني بالتنسيق مع عناصر الميلشيات الموالية لإيران والمنتشرة في العراق. فيما ذهب كثير من التعليقات إلى أن العراقيين وبالتدريج يفقدون حرية الرأي.