حرب غزة تصرف الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر؟
٢٢ أكتوبر ٢٠٢٤حتى أواخر عام 2023، صبّت مصر جلَّ اهتمامها وتركيزها على مشكلاتها الاقتصادية الكبيرة، وحاولت جاهدة التصدّي للتدقيق الدولي المتعلق بسجلّها المروّع في مجال حقوق الإنسان، والانتقادات الموجهة لفشلها في تنفيذ الإصلاحات السياسية والديمقراطية.
ضمن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع أنه حاكم مستبدّ، لنفسه ولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/ كانون الأول من خلال إسكات أصوات المعارضة وقمع مرشحيها. وقدرت منظمات حقوق الإنسان الدولية عدد المعتقلين السياسيين في السجون المصرية بأكثر من 70 ألف سجين.
وبهذا الصدد قال تيموثي إي كالداس، نائب مدير "معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط" ومقرّه واشنطن، لـ DW: "نجحت القاهرة في الاستفادة من أزمات الشرق الأوسط التي أشعلها هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، لتعزيز مصالحها المالية وأهميتها الجيوسياسية".
مصر في الواجهة مجدداً كوسيط سياسي
تلعب مصر اليوم دوراً مركزياً في الوساطة في الحرب بين إسرائيل وحماس، فمنذ بداية الحرب في غزة اجتمع دبلوماسيون أمريكيون وقطريون ومصريون في العاصمة المصرية القاهرة بشكل متكرر، للتفاوض على وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين.
وقال كريستيان أخرينر، الباحث في جامعة روسكيلد الدنماركية: "في حين أنَّ دولة قطر تلعب دوراً أكثر أهمية في هذا المجال، تبقى مصر دولة مؤثرة (في في الصراع في الشرق الأوسط)"، ويعتقد أخرينر أن بروز دور مصر من جديد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أسكت الأصوات الخارجية المنتقدة لانتهاكاتها لحقوق الإنسان، مما شجع السيسي على الاستمرار في سجن خصومه.
ويرى الباحث كريستيان أخرينر أن عموم الشعب المصري مع الفلسطينيين في غزة وضد معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل، التي تم توقيعها في عام 1979، والتعاون المصري مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. ويضيف أن أجهزة الأمن المصرية تتكفل بإسكات أي انتقادات داخلية وقمعها.
ما مصير السجناء والمعارضين في ظل وساطة مصر في حرب غزة؟
معبر رفح المصري في جنوب غزة هو الحدود البرية الوحيدة مع القطاع، ما عدا المعابر البرية مع إسرائيل، مما جعل منه البوابة الرئيسية لإدخال المساعدات الإنسانية والبضائع إلى القطاع. وبهذا الخصوص قال تيموثي إي كالداس، نائب مدير "معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط": "إن مصر تُكافَأ بسخاء على جهودها، فقد حصلت على دعم إضافي من واشنطن بعد تعاونها مع الإسرائيليين بشأن التصاريح المتعلقة بإدخال البضائع إلى غزة".
وهذا العام، منح البيت الأبيض مصر 1.3 مليار دولار أمريكي (أي ما يعادل 1.2 مليار يورو) من المساعدات العسكرية. ومن جانبه علّق تيموثي إي كالداس على ذلك بقوله: "في الماضي، كانوا على الأقل يعلقون منح الجزء الذي كان مشروطاً بحقوق الإنسان"، مستنتجاً من ذلك أن المسؤولين الأمريكيين يعطون الأولوية القصوى إلى تعاون مصر مع إسرائيل والولايات المتحدة على حساب حقوق المصريين وحرياتهم.
في حين أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قد أكَّد مؤخراً أن مصر تُحرز تقدماً ملحوظاً في ملف السجناء السياسيين والحقوق والحريات فيها، إلا أن تيموثي إي كالداس يعتقد أن هذا الادعاء غير مُقنع ولا أساس له من الصحة وأن العكس هو الصحيح. ويتفق مراقبون على أن عدد المعتقلين في السجون المصرية أكبر من عدد المفرج عنهم.
ومن جانبها قالت سارة ويتسون، المديرة التنفيذية لـ "منظمة DAWN" الحقوقية ومقرها واشنطن، لـ DW: "استغلَّ الرئيس السيسي الأزمة السياسية التي خلقتها حروب إسرائيل في غزة ولبنان ليضع نفسه كوسيط أساسي في هذا الصراع، ولصرف الانتباه عن أزمة حقوق الإنسان الكارثية في مصر والفساد العميق الراسخ في الدولة".
وأبرز مثال على ذلك، الكاتب والناشط البريطاني المصري علاء عبد الفتاح، البالغ من العمر 42 عاماً، أحد أشهر السجناء في مصر، والذي ما يزال معتقلاً بالرغم من انقضاء الحكم بسجنه خمس سنوات والذي صدر في سبتمبر/ أيلول عام 2019.
وقد يكون مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بصيص الأمل الوحيد لعبد الفتاح وآلاف الصحفيين والسياسيين والمعارضين الآخرين المسجونين في مصر. ولم يتبقَ أمام مصر إلا أشهر قليلة حتى يناير/ كانون الثاني عام 2025 لتقديم الكشوف بما فعلته لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
المشاكل الاقتصادية مستمرة والمساعدات لا تصل
المساعدات المالية والقروض التي قدمها البنك الدولي والاتحاد الأوروبي ودول الخليج لمصر والبالغة أكثر من 57 مليار دولار أمريكي (أي ما يعادل 52 مليار يورو)، لم يصل إلا جزء بسيط منها للسكان الفقراء الذين هم بأمسّ الحاجة لها. في حين لا يزال التضخّم الاقتصادي عند مستوى مرتفع يبلغ حوالي 26 بالمئة، وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة تزيد عن 70 بالمئة.
هذه الأوضاع الاقتصادية مرهقة جداً، وخاصةً بالنسبة لنحو ثلث سكان مصر البالغ عددهم 113 مليون نسمة، والذين يعيشون عند خط الفقر أو تحته بعد سنوات من الأزمات الاقتصادية المتتالية.
ومع ذلك، تلوح في الأفق إغاثة اقتصادية بمساعدة القوى الإقليمية، ففي أكتوبر/ تشرين الأول، قام مسؤولون رفيعو المستوى من عدّة دول بزيارة مصر. ففي يوم الثلاثاء 15 أكتوبر/ تشرين الأول التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالرئيس السيسي في القاهرة لمناقشة الاستثمارات المستقبلية واتفاقيات التجارة.
وفي يوم الأربعاء 16 أكتوبر/ تشرين الأول، وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة لإجراء محادثات مهمة مع نظيره بدر عبد العاطي، وهذا كان أول اجتماع بين وزيري الخارجية الإيراني والمصري منذ عام 2013.
الإعداد للعربية: م.ج