حرب الصور والمشاعر بين الإسرائيليين والفلسطينيين
١١ يوليو ٢٠١٤درج القول على أن كل السبل مسموح بها في الحرب. لكن كثيراً من الحروب المعاصرة بات مقيداً بأطر قانونية ودولية تحرّم كثيراً وتترك قليلاً متاحاً. ومن بين السبل المتاحة التي باتت تستخدم منذ بداية القرن الحادي والعشرين، مع تطور واتساع مجتمع المعلوماتية، شبكة الإنترنت والحروب الإلكترونية.
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كان من بين أول الصراعات التي امتدت إلى العالم الافتراضي. ولاسيما بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" وغيرها، يضاف إليها انتشار الهواتف الذكية نتيجة انخفاض سعرها والتقدم في سرعة شبكة الإنترنت على الهواتف المتنقلة، بات هذا الصراع أكثر حدة على مواقع الإنترنت، وجزءً لا يتجزأ من أي نقلة في ذلك الصراع.
سلسلة الهجمات الأخيرة التي شنتها وما تزال تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والصواريخ التي تطلقها الفصائل الفلسطينية المسلحة على مناطق عدة داخل إسرائيل، وجدت طريقها إلى شبكة الإنترنت، بهدف حشد الرأي العام المحلي والدولي وتجييش الدعم لهذا الطرف أو ذاك، سواءً من خلال تبرير قصف التجمعات السكنية داخل غزة، أو لممارسة الحرب النفسية على السكان الإسرائيليين – يسعى كل طرف لاستغلال وتسخير كل إمكاناته للانتصار في "حرب الصور والمشاعر".
بين الجهد الفردي والرسمي
على شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها "فيسبوك" و"تويتر"، انتشر عدد كبير من الصور ومقاطع الفيديو التي تم التقاطها من داخل غزة أو إسرائيل، بغرض توثيق الأحداث الجارية هناك. هذه "اللحظية" في التوثيق استفاد منها جزء كبير من الشبكات التلفزيونية الإخبارية حول العالم للحصول على المعلومات كمصدر إضافي حول الحرب الدائرة في غزة.
لكن يبدو أن هناك فرقا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في التعامل مع "حرب الصور والعواطف" على هذه الشبكات. فبينما يعتمد الفلسطينيون على تغطية فردية يقوم بها ناشطون في الشأن الفلسطيني ووكالات إعلامية محلية، اعتمدت إسرائيل على حسابات وصفحات مؤسساتها الرسمية، مثل صفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية أو موقع مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو حتى حساب الجيش الإسرائيلي على "تويتر"، لنشر الأخبار حول ما يجري داخل إسرائيل أولاً بأول.
هذه "المركزية" الإسرائيلية، وإن كانت لها استثناءات بسيطة، أثبتت بأنها سلاح ذو حدّين في مواجهة الكم الهائل من الصور ومقاطع الفيديو التي ينشرها الفلسطينيون، لاسيما تلك الصور المؤلمة لضحايا القصف الإسرائيلي أو للمنازل المهدمة أو المتضررة من القصف، خاصة وأن حصيلة ضحايا الهجمات الإسرائيلية في القطاع وصلت حتى اللحظة إلى أكثر من 80 قتيلاً وما يزيد عن 600 جريحاً.
في المقابل، وجدت مجموعات فلسطينية مسلحة طريقها إلى مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، لتنشر مقاطع فيديو لها وهي ترسل صواريخها داخل إسرائيل، أو رسائل موجهة للشعب الإسرائيلي باللغة العبرية لتحذيره مما هو قادم أو للإعلان عن استعدادها لمواجهة أي عملية عسكرية برية تستهدف قطاع غزة.
حملة مضادة وزعزعة المصداقية
الإسرائيليون، بدورهم، ومن يدعمون إسرائيل في الخارج، قاموا بحملة إعلامية مضادة لتصوير الجماعات الفلسطينية المسلحة على أنها إرهابية وتستهدف المدنيين في المدن والبلدات داخل إسرائيل. كما أنشأت بعض الصفحات على موقع "فيسبوك" تدعو سكان قطاع غزة إلى "الثورة" على حركة حماس وتحمل الحركة، التي تحكم القطاع منذ 2007، مسؤولية الدمار هناك.
كما يشير ناشطون فلسطينيون إلى أن من يقولون إنها جهات أمنية إسرائيلية قامت بـ"دسّ" بعض الصور المغلوطة في مواقع التواصل الاجتماعي بهدف ترويجها في المواقع الفلسطينية – صور قصف أو انفجارات أو ضحايا من صراعات وحروب أخرى، كالحرب في سوريا مثلاً، لاسيما من الأطفال، بهدف ضرب المصداقية الفلسطينية دولياً والانتصار في الحرب الإلكترونية، حسب قولهم.
وفي ذلك السياق أيضاً، ينشط عدد من المنظمات الداعمة لإسرائيل في كل من أوروبا والولايات المتحدة على شبكات التواصل الاجتماعي، بهدف نشر وشرح وجهة النظر الإسرائيلية للسكان هناك وحملهم على دعم الموقف الإسرائيلي. إحدى هذه المنظمات هي مبادرة "متحدون من أجل إسرائيل"، والتي حظيت صفحتها على موقع "فيسبوك" بأكثر من مليوني ومائتي ألف "معجب".
سعت "متحدون من أجل إسرائيل"، التي تعرّف نفسها على أن "حركة شعبية عالمية تتألف من أفراد ملتزمين بنجاح وازدهار دولة إسرائيل"، لتبرير الهجمات التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة بالحرب على الإرهاب، مستخدمة السياق الأمريكي في محاربة تنظيمات إرهابية مثل القاعدة لكسب تعاطف وود الشعب الأمريكي، في نفس الوقت الذي تحاول فيه نزع المصداقية عن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية ووقف التمويل الدولي لها بصفتها "داعمة للإرهاب".
استقطاب حاد
لكن على صعيد آخر، تنشط حملات دولية متعددة للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مقابل الحملات الإسرائيلية، وبذلك ينتقل الصراع على شبكة الإنترنت من محيطه الإقليمي في الشرق الأوسط إلى العالم بأسره، وبلغات متعددة. لذلك، فإن هذا الصراع بات مقياساً لحالة الاستقطاب السياسي الشديدة في الشرق الأوسط ومناطق عدة حول العالم، ذلك أن الرأي العام الدولي بات منقسماً بين من يدعم حق الشعب الفلسطيني المشروع في المقاومة وبين حق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها.
كما أن تداول الأخبار فور وقوعها لا يترك مجالاً للتحقق من صحة هذه الأخبار، الأمر الذي قد يعني انتشار الكثير من القصص والصور ومقاطع الفيديو التي إما أن تكون ملفقة أو قديمة أعيد استخدامها لخدمة طرف ما.
مما لا شك فيه أن استمرار الصراع بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني سيعني استمرار الحرب من أجل قلوب وعقول جمهور الإنترنت على شبكات التواصل الاجتماعي – هذه الحرب تغذيها الصور القادمة من داخل قطاع غزة أو إسرائيل للضحايا والدمار والرسائل التي تستفز المشاعر وتثير العواطف.