حراك الجزائر – تباعد المواقف بين الشارع والسلطة يعمق الأزمة
١٢ سبتمبر ٢٠١٩مازالت المظاهرات مستمرة في الجزائر، ومازالت الشعارات المطالبة برحيل النظام أو ما يوصف محليا بـ"العصابة" قائمة، بالرغم من استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2 أبريل/ نيسان . اليوم وبعد مرور ستة أشهر على انطلاق ما يعرف بـ"حراك الجزائر"، يصطدم الشارع بالسلطة الحاكمة في البلاد، ممثلة في رئيس الأركان أحمد القايد صالح ورئيس الدولة بن صالح ورئيس الحكومة بدوي.
التطورات على الارض، والخطاب الذي بدأت السلطة في استخدامه تدل على أن السلطات الجزائرية صعدت من لهجتها في مواجهة الحراك الشعبي الذي تعرفه البلاد منذ 22 شباط/ فبراير، فبحسب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالنيابة في منظمة هيومن رايتس ووتش، لما فقيه، فإن "السلطات الجزائرية تسامحت في البداية مع احتجاجات الملايين التي بدأت في شباط/فبراير للمطالبة بالإصلاح السياسي، لكنّها بدّلت توجهها الآن".
لي ذراع الحراك
وفي تقريرها الصادر يوم الاثنين 9 سبتمبر/ أيلول اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش، السلطات الجزائرية بـ"تشديد الخناق" على الحركة الاحتجاجية، منددة باعتقالات وانتهاكات لحرية التعبير والتجمع وتدابير أمنية مشددة. وذكرت المنظمة الحقوقية أن "السلطات اعتقلت أشخاصا لحملهم سلميا راية أو لافتة احتجاج، وسجنت أحد المحاربين القدامى في حرب الاستقلال لانتقاده الجيش، كما منعت اجتماعات لمجموعات سياسية وأخرى غير حكومية وحجبت موقعا إخباريا معروفا".
من جهة أخرى خلق اعتقال السلطات الجزائرية للمعارض البارز كريم تابو، يوم أمس الأربعاء (11 أيلول/ سبتمبر 2019)، جدلاً واسعاً في الجزائر. إذ اعتبره بعض الجزائريين "استفزازاً جديداً". وهو ما يؤكده أيضاً المحلل السياسي من باريس، حسين جيدل في حديثه لـDWعربية على ان اعتقال المعارض كريم تابو هو "محاولة استفزاز للحراك وخاصة منطقة القبائل، وإرسال رسالة واضحة للتخويف، ولكن الشعب الجزائري يؤكد أنه لن يتوقف حتى لو رمي بالرصاص".
اعتقال تابو يأتي في نفس اليوم الذي أعلن فيه وزير العدل الجزائري أمام البرلمان مشروع قانون تأسيس "السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات"، التي ستشرف على الانتخابات الرئاسية.
ويرى جيدل أن اعتقال كريم تابو له دلالة على الانزلاق والمغامرة التي يقوم بها القايد صالح، الذي جعل من الانتخابات مسألة حياة أو موت ولأنه يدرك جيداً أنها آخر ورقة أمامه، خاصة وأن الشعب سبق له وأن أسقط ثلاث انتخابات وهذه الانتخابات هي انتخابات القايد صالح التي يفرضها على الشعب". وأضاف أن ما يحدث من تضييق و من قمع لم يحدث في عهد بوتفليقة ولا التوفيق.
"أذرع بوتفليقة في السّلطة"
ورغم التضييق الذي تمارسه السلطات على الحراك، تزايد عدد المحتجّين بشكل لافت في الجمعة الـ28، مقارنة بالأسابيع الماضية، حسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ). الأمر الذي وصفه مراقبون لحراك البلاد بـ"الموجة الثّانية للحراك". ورغم مرور حوالي ستة أشهر من الاحتجاجات المتواصلة، لا يزال الوضع السياسي في البلاد يواجه مأزقاً في ظل تمسك كلا الطرفين، الحراك من جهة والسلطة من جهة أخرى بموقفهما.
ففي حين يرفض الجزائريون إجراء الانتخابات في ظل بقاء أبرز الأسماء التي يعتبرونها "أذرع بوتفليقة في السّلطة" ومنهم نور الدين بدوي والرئيس عبد القادر بن صالح باعتبارهما جزءاً من النظام الموروث من 20 سنة من حكم بوتفليقة.
يرفض الجيش من جهته أي حلّ للخروج من الأزمة غير الانتخابات الرئاسية. وهو بنظره الحل الوحيد لإخراج البلاد من المأزق الدستوري الذي يتخبط فيه مع استحالة تنظيم الانتخابات التي كانت مقررة بالأساس في 4 تموز/يوليو الماضي.
مخرج من الأزمة؟
منذ استقالة بوتفليقة في 2 نيسان/ أبريل تولى الحكم الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح على أن تنتهي ولايته في 9 تموز/ يوليو، لكن المجلس الدستوري، مدد ولايته حتى تسليم السلطة للرئيس المنتخب.
فشل الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح في إجراء الانتخابات تحت ضغط الحركة الاحتجاجية واضطرار المجلس الدستوري إلى إلغاء تلك المقررة أساساً في 4 تموز/يوليو لعدم وجود مرشّحين، أدخل البلاد في أزمة دستورية.
من جهته يرى المحلل السياسي حسين جيدل أن مؤسسة الحكم في الجزائر تشهد صراعات داخلية تجلت بوضوح في عدة مواقف، منها موقف عبد القادر بن صالح الرئيس المؤقت للبلاد، ويقول:" حينما أعطى بن صالح الرئيس المؤقت ضمانات بشكل رسمي في بيان أذيع في رئاسة الجمهورية بأنه سيستجيب لشروط التهدئة ومنها اطلاق سراح المعتقلين وفتح المجال الإعلامي واتخاذ إجراءات أخرى من شأنها أن تساهم في إضفاء مناخ مناسب للحوار بعدها بأيام نسف القايد صالح في خطابه كل ما تعهد به بن صالح وطلب تنظيم الانتخابات.
من جهة أخرى يرى جيدل أن تغيرات كثيرة تمت في أجهزة الجيش وفي أجهزة الأمن، لا يمكن الإقدام عليها، لو لم يمكن هناك خلاف أو تحضير لشيء ما.
وعن المنحى الذي يمكن أن يتخذه الوضع السياسي في الجزائر في ظل الأحداث الحالية، وإن كان هناك مخرج للأزمة السياسية في البلاد، يعتقد المحلل السياسي أنه لا يرى أي مخرج في الوقت الحالي سوى تسليم السلطة :" في نظري لا أرى أي فرصة للحوار والتفاوض بوجود القايد صالح ومن معه لأن الشعب فقد الثقة بهم، بعد كل ما عايشه من تضييق واعتقالات. العصيان المدني هو الطريقة السلمية الوحيدة لتركيع الجيش وتسلميه السلطة".