حديث الروح – دون ضرورة الانتماء لعقيدة أو ثقافة معينة
٢١ يوليو ٢٠١٤بدأت خديجة كيسل رحلة البحث عن الذات وهي في الخامسة عشر من عمرها، نأت بنفسها عن الكنيسة التي تعتنقها أسرتها وظلت رافضة للمواقف المرتبطة بالدين أو بموضوع الوجود الإلاهي على مدى 15 عاماً. وما كانت لتعتقد أنها ستعود في يوم ما إلى منطلق الإيمان بوجود الإلاه. وشاءت الصدفة أن تعرفت على مجموعة من الصوفيين الذين دعوها لحضور حلقات ذكر. كان ذلك في أوائل الثمانينات، حيث كان أسلوب التأمل بكل أنواعه التركيزية شكلا جديدا ومرحبا به في ألمانيا. ودعاها أصدقاؤها الجدد للسفر معهم إلى السودان، فتعرفت على أحد الصوفيين هناك، واستدركت لاحقا أن ما كانت تمارسه من طقوس تأملية هو من منطلقات للصوفية الإسلامية. وتقول عند حديثها عن تلك الفترة: "في البداية لم أكن أبحث عن الأصل أو عن الفلسفة الكامنة وراء هذا النوع من التأمل، وعندما ترسخت معرفتي وجدت الطريق إلى نفسي بالكامل، كما لم يخفني أن أسمع أن الدين الكامن خلف هذا النهج هو الإسلام"
كان لدى خديجة آنذاك شعور بأنها تعرفت حقا على الإسلام، غير أن هذا " يختلف من جانب آخر عن الصورة السلبية التي كانت منتشرة آنذاك"، وقررت اعتناق الإسلام فطلبت من الشيخ الصوفي أن يختار لها اسماً جديداً، لرغبتها في فصل حياتها الماضية عن حياتها الجديدة. وبعد عودتها إلى ألمانيا عاشت لفترة في مركز صوفي، كان يتم فيه استقبال الكثيرين لحضور حلقات الذكر والتأمل، وهناك تعرفت على زوجها من ليبيا. وانتقلت بعد زواجهما إلى مدينة بون، حيث تعيش حتى الآن، وساعدتها تلك الخطوة في الاستمرار في نهج الطريق الذي اختارته لنفسها.
كان زوجها مهتماً أيضاً بالحوار بين الأديان، فقد كان يشعر بضرورة الحوار وتعايش البشر من أديان وأعراق وثقافات مختلفة، فشجعها على نهج هذا الطريق، غير أنها اختارت طريقاً مميزاً لهذا الحوار، فقد تعرفت على الرقص التأملي وبدأت في تنظيم دورات للرقص الجماعي التأملي على أنغام الموسيقى وأضواء الشموع وتوضح خديجة قائلة: "هذه الطريقة من الرقص التأملي تجمع بين عدة عناصر: الحركة والدخول في الذات وفي الروحانيات وهي بالنسبة لي بمثابة أسس يقوم عليها الحوار، كما أن الموسيقى تشكل اللغة التي تجمع بين البشر دون الحاجة للشرح والتوضيح". وتعتمد خديجة في دوراتها موسيقى من كل الثقافات ومن شتى الاتجاهات الأصناف ، كما إنها تستخدم أيضاً نصوصا تأملية بعدة لغات، من بينها اللغة العربية.
"لا أريد أن يصنفني أحد فقط حسب ديني"
من خلال الرقص التأملي، وقراءة نصوص دينية مختلفة تترك خديجة كيسل فضاء التأمل والصمت للمشاركين، فهي استطاعت أن تصل إلى أفئدة العشرات ممن يعرفونها ويعايشون نشاطها. كما إنها لا ترى وجود ما يدعو إلى إخبار الناس أنها "مسلمة"، فهي ترفض أن يتم تصنيفها من هذا المنظلق فقط، كما تجد في الحوار فرصة للتعايش والتعرف على الأوجه المختلف للإسلام، كما توضح: " لا أريد أن يصنفني الناس فقط حسب عقيدتي، فالناس الذين يشتغلون معي وأشتغل معهم يعايشوني، ويعرفوني، دون ضرورة معرفة انتمائي للإسلام، وأحياناً يندهشون عندما يعلمون أنني مسلمة، خاصة بسبب الصور النمطية المنتشرة عن الإسلام، التي قد يكون لها مبرر في بعض الأحيان أو إنها غير مبررة بالكامل. والآن يعلمون أن تلك الصور غير دقيقة بسبب تعرفهم علي. وأنا أعتقد أنه من الأفضل أن يتعرف الناس على بعضهم البعض، ويتعرفون على الإسلام، مثلا من خلال أشخاص مسلمين ، وليس انطلاقا من أفكار مسبقة".
تنظم خديجة تجمعات للحوار تنطلق من مواقف التأمل والصلوات، يشارك فيها مسلمون ومسيحيون ويهود بكل توجهاتهم وأناس من ثقافات وجنسيات مختلفة. ومن خلال الأنغام الموسيقية ينسى الحاضون خلافاتهم فيركزون ويتأملون ويصلون جميعا. عدد كبير من النساء يواضب على حضور مواعد التأمل للراقص الثابت مع خديجة كيسل، والذي يقام مرة كل أسبوعين. وتحرص بعض النساء على الحضور بانتظام منذ أكثر من 15 عاماً، مثل السيدة ليزا بريودنبرك التي تسكن على بعد 65 كلم من عين المكان وتقول: "الجمع بين الموسيقى والنص والرقص التأملي والخطوات يجعلني أتعمق داخل نفسي، ورغم وجود معرفة متبادلة بيننا، فإننا نعيد اكتشاف أنفسنا ونعيد اكتشاف بعضنا البعض وهو تواصل لا يحتاج إلى التعبير عنه من خلال الكلمات، إنه شيء رائع".
أما جميلة ممتازي، وهي إيرانية الأصل، فيتكون لديها الشعور بعمق ذاتي قوي لدى سماعها للموسيقى العربية التي تعتمد عليها خديجة كيسل كثيراً. إنها قريبة من الموسيقى الإيرانية، كما تحب الاستماع لتراتيل الصلوات، التي تذكرها بالوطن الأم. ورغم أن السيدة أنيا تودالي، تجد صعوبة في تقبل بعض أنواع الموسيقى مثل الموسيقى العربية الصوفية أوالاندماج فيها، فإن لديها الشعور أن هذه الوسيلة تقربها من ثقافات وأديان أخرى. بينما تعتبر أنا ماريا هولفك، أن هذه التأملات عبارة عن "حركة سلام" بين الأديان والثقافات وتقول في هذا السياق: "أجد أنه من الرائع أن تتم اللقاءات في هذا الإطار، فكل الأديان متساوية وهناك إله واحد ونحن نصلي لرب واحد".