حامد عبد الصمد: أعتبر الإسلام جزءاً من مشكلة العالم الإسلامي
٦ يناير ٢٠١١ماذا سيفقد العالم لو اختفت الدول الإسلامية من خريطة العالم؟ لا شيء تقريباً، يقول حامد عبد الصمد، ويضيف أن العالم الإسلامي توقف عن الابتكار وأصبح يعيش عالة على الدول المتحضرة، بل وأصبح منطقة تفريخ للتعصب والعنف. ويقول الباحث في جامعة ميونيخ في كتابه الذي صدر بالألمانية والعربية بعنوان "سقوط العالم الإسلامي" إن المسلمين مشدودون إلى الماضي، وعاجزون عن طرح أسئلة المستقبل الصعبة، ولهذا يهربون إلى إنجازات ماضٍ مجيد.
أثار الكتاب منذ صدوره في ألمانيا جدلاً شديداً ما بين مُتَهِم لعبد الصمد بالتسطيح والتعميم وترسيخ صور نمطية، وبين مُشيد بـ"الكاتب الشجاع" الذي وضع أصابعه على مواطن عديدة من الداء، مُطالباً المسلمين بأن يتولوا هم بأنفسهم إصلاح مجتماعاتهم. في هذا الكتاب يعتبر عبد الصمد الإسلامَ جزءاً من مشكلة العالم الإسلامي، أما القرآن فينظر إليه على أنه حجر عثرة في طريق تطور المسلمين لأن سطوة النص القرآني هائلة على المسلمين. وقد تلقى الكاتب عدة تهديدات بالقتل، كما وُجه باتهامات بأنه – وهو ابن إمام مسجد في ريف مصر - يسبح في تيار معاداة الإسلام والمسلمين. حول "سقوط العالم الإسلامي" أجرت دويتشه فيله الحوار التالي مع حامد عبد الصمد:
دويتشه فيله: الأستاذ حامد عبد الصمد - عنوان كتابك، سقوط العالم الإسلامي، يحيل بالطبع إلى الفيلسوف الألماني أوسفالد شبنغلر وكتابه "سقوط الغرب". شبنغلر يعرض نظرية ازدهار الحضارات وسقوطها، ويرى أن ذلك يتم بشكل دوري. لماذا جعلك كتاب شبنغلر تفكر في العالم العربي الإسلامي؟ ما هي أوجه الشبه؟
حامد عبد الصمد: كتاب شبنغلر يبني على نظرية ابن خلدون الذي يقول إن الحضارات مثل الكائن الحي، تمر بمرحلة ميلاد وطفولة وشباب وشيخوخة وموت. شبنغلر كتب كتابه من عام 1911 حتى عام 1918، يعني أثناء الحرب العالمية الأولى وما قبلها. آنذاك كانت الحضارة الأوروبية تمر بمرحلة مادية وعنف شديد، وهو ما نراه الآن في العالم الإسلامي: تحجر وتعصب فكري وعدم مرونة في التعامل مع الآخر. الحضارة الإسلامية كانت مزدهرة في القرون الوسطى لأنها تعاونت مع أصحاب الديانات والحضارات الأخرى، وترجمت الأعمال الإغريقية والفارسية. الآن ينظر معظم المسلمين إلى الغرب في المقام الأول كعدو كافر يجب تجنبه، ولذلك لا يستفيدون من التطور العلمي والتكنولوجي الذي حدث في الغرب، بعكس الحضارات الأخرى في اليابان والصين وتايوان وغيرها من الدول.
أنت ترسم صورة مظلمة لمستقبل العالم العربي وتتنبأ بسقوط العالم الإسلامي كله. ما الأسباب الرئيسية لهذا "الانهيار" في رأيك؟
- الانهيار - بدايةً – هو انهيار فكري ووجداني. التعليم في العالم العربي والإسلامي في مرحلة انهيار شديدة، ولا يقدم للمجتمع ما يحتاجه المستقبل من وعي وفكر وعلم، ويركز التعليم في الأساس على الكراهية للآخر والولاء للوطن والدين. كما أن الحالة الاقتصادية والسياسية متدنية جداً في معظم البلدان الإسلامية.
كثيرون في الغرب يعتقدون أن قوة الإسلام في نمو، بينما أنت تقول إن الإسلام في حالة تراجع وانهيار. كيف تفسر إذاً تزايد سلطة الدين في المجتمعات العربية، وأن أعداداً كبيرة من الناس يعتنقون الإسلام في دول غير إسلامية؟
هناك فرق بين الإسلام والحركات الإسلامية. الإسلام كحضارة هو في مرحلة شيخوخة ولا يقدم جديداً، ولا يجيب على التساؤلات الملحة للقرن الحادي والعشرين. أما الحركات الإسلامية فهي فرقعة ناتجة من قلة الحيلة وعدم القدرة على التنافس مع الحضارات الأخرى على المستوى العلمي والسياسي. أسلمة الشوارع واعتناق البعض للإسلام، خاصة في إفريقيا، ليس دليلاً على قوة الإسلام. القوة في القرن الحادي والعشرين هي قوة العلم وقوة السياسة، والعالم الإسلامي في كلا المجالين لا يلعب دوراً حيوياً في العالم. القرن الحادي والعشرين هو قرن الصين والهند والبرازيل، وطبعاً أوروبا والغرب. نحن فاتنا قطار الحداثة ونجلس على رصيف الأمم ونلوم الآخرين ولا نلوم أنفسنا.
كتابك به تصوير لعديد من مشكلات العالم الإسلامي الذي توقف، كما تقول في الكتاب، عن الإبداع والابتكار وأصبح يعيش عالة على العالم. ما هي المشكلة الرئيسية التي على المسلمين البدء بحلها لكي يتقدموا؟
في المقام الأول تنقية العقول من سموم الكراهية، لا سيما كراهية الغرب، وإصلاح التعليم لجعله أداة للمستقبل. التعليم الآن في مجتمعاتنا الإسلامية هو أداة في يد السلطة لترسيخ الولاء للقائد وللدين، والتعليم الآن يحرض على كراهية الأخر والابتعاد عنه. على التعليم أن يعلم الطلاب كيف يفكرون ويتخذون القرارات بصورة مستقلة، لا أن يكونوا مقلدين أو إمعة. غير أن إصلاح التعليم يعني إنهاء الديكتاتورية، فليس من مصلحة الديكتاتور أن يكون هناك تعليم حديث في بلده. الديكتاتور لا يريد أناسا تفكر، بل أناسا تعيش في ولاء له، لأن الناس لو بدءوا في التفكير فسيتساءلون عن شرعية الحاكم وأحقيته بالحكم.
تقول في كتابك إن المسلم محاصر بالوصايا والنواهي في كل دقيقة من حياته حتى عندما يدخل إلى دورة المياه، وهذا الحصار الديني يقود في رأيك إلى طاعة الحاكم باعتباره خليفة الله على الأرض طاعة عمياء، لأن القرآن يقول: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. ولكن العالم الإسلامي شهد فترة حضارة وازدهار رغم كل هذه الوصايا والنواهي.
هذه الفترة كانت بين القرن الثامن والحادي عشر. العالم الإسلامي لم يزدهر بسبب الإسلام، بل بسبب انفتاحه على الحضارات الأخرى والتعاون معها. معظم علماء المسلمين الأوائل لم يكونوا عرباً، بل كانوا فرساً، أو من أصول مسيحية أو يهودية، أي حدث تلاقي بين حضارات مختلفة أنشأ حضارة جديدة لها ديناميكية جديدة. الآن ننظر إلى الغرب باعتباره كافراً لا نريد أن يكون بيننا وبينه صلة. لقد فقدت الأمة الإسلامية قدرتها على الاستفادة من علوم الآخرين والتعامل بمرونة مع التحديات الحديثة، وانعزلت، وعزلة الحضارات هي المرحلة الأخيرة من انهيار أي حضارة، لأنها تفقد الهواء النقي وتفقد القدرة على التلاقح.
تقول إن القرآن حجر عثرة في طريق تطور المسلمين لأن الإصلاح يبدأ وينتهي بالنص القرآني.
القرآن في حد ذاته ليس حجر عثرة، ولكن النظرة إلى القرآن باعتباره كتاباً يضم دستوراً لحياة الأمم. هذه النظرة خطيرة جداً. لقد حاولت حركات إصلاحية كثيرة تفسير الآيات تفسيرا عصريا، ولكن هذا أمر غير مفيد. المطلوب الآن هو النظر إلى الدين باعتباره شيئاً شخصياً في قلب الإنسان ووجدانه. الدين ليس دستورا وليس قانونا، بل طاقة روحية تساعد الناس على التعامل مع تحديات حياتهم ومخاوفهم، ولكن الدين ليس له علاقة بالسياسة وإصدار القوانين. الدين بهذه الصورة التي يفهمها الناس حالياً هو بالطبع عائق في طريق التطور.
وهذا ما دفعك إلى أن تقول إن الإسلام جزء من مشكلة العالم الإسلامي.
بالطبع الإسلام جزء من مشكلة العالم الإسلامي، لأنه أكبر طاقة محركة للأفكار في العالم الإسلامي. الإسلام لم يسمح بهويات بديلة أن تنمو بجانبه أثناء القرون الماضية. كثيرون يعتبرون الإسلام جزءاً من الحل، أنا أعتبره بالفعل جزءاً من المشكلة.
يعيب عليك البعض استخدام أسلوب الاستفزاز في كتابك، وأيضاً في الحلقات التي قُدمت في التلفزيون الألماني بعنوان "سفاري ألمانيا". هل يصلح الاستفزاز لتناول موضوع حساس مثل الدين؟
الاستفزاز هو بداية للحوار، هو طريقة لعرض قضية ما. هناك قضايا عديدة مسكوت عنها ولا نفتحها، فأحيانا يكون الاستفزاز بداية للحوار. هذا هو أسلوبي، ولكل أسلوبه. لقد رأيت أن المصلحين المسلمين يستخدمون أساليب ناعمة في الإصلاح، ولكن كما نرى لم يغير ذلك من شيء، بل إن الأحوال تسير إلى الأسوأ. فلا بد أن نكون صريحين، حتى وإن استخدمنا الفجاجة أحياناً لكي ننبه الناس ونفتح حواراً صادقاً حول هذه القضايا.
كتابك ملئ بعبارات تثير غضب ملايين المسلمين، وتصدم مشاعر الكثيرين. ألا تخشى العواقب؟
أنا لا أخشى العواقب، أنا أكتب. والكلام من المفروض أنه لا يقتل. إذا رميتك بكلمة، فارمني بكلمة أيضاً ولا ترمني بحجر.
في أحد فصول كتابك تشير إلى التاريخ كمنبع لمشاعر الكراهية وللخلافات بين المسلمين والمسيحيين أو بين الشرق والغرب، وترى أن هذه الصورة التاريخية النمطية يجري ترسيخها عبر الكتب المدرسية. ما النتائج التي توصلت إليها تحديداً خلال دراستك عن الكتب المدرسية في مصر؟
النظرة للتاريخ قضية موجودة في الشرق والغرب. عندما ينظر المسلمون إلى التاريخ فإنهم يفكرون في الحروب الصليبية وعهد الاستعمار، وعندما ينظر الأوربيون إلى تاريخهم مع العالم الإسلامي فإنهم يتذكرون الهجوم العثماني على فيبنا وأحداث سبتمبر، إذاً فهناك انتقائية في النظر إلى التاريخ على كلا الجانبين. ولكن مشكلتنا نحن هي أننا مهووسون بالغرب، وكثيراً ما نعتقد أن الغرب كله شخص واحد يقوم من نومه في الصباح وأول ما يفكر فيه هو: كيف أعكر صفو المسلمين؟ من يقرأ الكتب المدرسية المصرية، والعربية عموماً، يكتشف كماً غير عادي من الكراهية وسوء الظن تجاه الغرب. طبعاً الغرب ليس ملاكاً، وله أخطاء فادحة جداً، ولكن، في القرن الحادي والعشرين لا بد أن نتخطى أوجاع الماضي ونحاول التعاون. العالم الإسلامي هو الوحيد الذي ينقب عن أعدائه أكثر مما ينقب عن أصدقائه، يلوم الآخرين أكثر من أن يلوم نفسه. الكتب المدرسية العربية تعظم الذات وتصور حضارتها على أنها أعظم حضارات الأرض وبلا أخطاء، وتصور الآخرين دائماً على أنهم مجرمون ومعتدون وغاصبون.
هل قمت بدراسة مُقارنة مع الكتب المدرسية في ألمانيا؟
نعم. لم أتحدث في كتابي عن ذلك، غير أنه كان موضوع بحثي لمدة سنتين. الكتب الألمانية تحاول على الأقل الآن تنقية صورها التاريخية وتحاول إيجاد شيء من التعددية في السرديات. في الحروب الصليبية مثلاً تحاول أن تطرح أكثر من رؤية لها. ولكننا نجد أنها في موضوع كالإرهاب ما زالت أحادية النظرة.
استوقفني في كتابك أن هناك تفاصيل كثيرة صحيحة في كتابك لكنها لا تقود بالضرورة إلى صورة عامة صحيحة. الكتاب يجمع بين الدول الإسلامية من إندونيسيا حتى المغرب بدون تفرقة؛ تتحدث – مثلا - عن ختان ابنة أختك، ثم تعمم ذلك ليس على مصر كلها فحسب، ولا على العالم العربي، بل على العالم الإسلامي كله، من أفغانستان وإندونيسيا مروراً بإيران ولبنان وصولاً إلى المغرب!
لا طبعا. من المعروف أن قضية الختان محصورة في الدول الإفريقية والدول العربية المحيطة بهذه الدول الإفريقية. بؤرة الختان هي الصومال وإثيوبيا، وبعد ذلك يأتي السودان ومصر. معظم الدول العربية لا تعرف الختان. ولكن قضية الختان هي رمز لكيفية التعامل مع المرأة، وفي قضية المرأة من حقنا التعميم، إذا اكتشفنا أن المرأة في معظم الدول الإسلامية لا تأخذ حقوقها وتتعرض لأشكال كثيرة جداً من العنف الجسدي والاجتماعي. هذه قضية نعرفها جميعاً، في الغرب وفي الشرق.
نعم، ولكن كتابك يعمم في قضايا عديدة وليس فقط في قضية المرأة. وهناك مقالات عديدة في الصحف الألمانية انتقدت تحديداً التعميم في الكتاب.
والله التعميم والتخصيص – هذه قضية شائكة جداً. عندما نريد أن نتحدث عن مشاكل، لا نستطيع أن نقول: ولكن، ولكن، ولكن طوال الوقت. أنت تعرض صورة عامة للمشاكل لإثارة النقاش حول ذلك. كثيرون يتجنبون الحديث عن هذه المشاكل ويبدأون بتهمة التعميم. من يتهمون الكتاب بالتعميم لم يفعلوا شيئاً من أجل الدفاع عن العالم الإسلامي، بل يجلسون هنا ومهمتهم الأولى هي الدفاع عن الإسلام، فإذا صدر أي كتاب يتهم الإسلام أو المسلمين بأي قصور، يخرجون من جحورهم ويتهمونه بالتعميم وبالإسلاموفوبيا.
الباحث الألماني أندرياس بفليتش يرى في كتابات منتقدي الإسلام، ومنهم حامد عبد الصمد، "إحياءً فظاً لمشاعر الكراهية العتيقة".
كل إنسان من حقه أن يقرأ كتابي كما يشاء. هناك ردود أفعال متباينة جداً. معظم الرسائل التي تصلني هي من مسلمين، ومن مسلمين متدينين، من نساء يقلن لي: نشكرك جداً على القضايا التي تطرحها. المعنيون بالقضايا يفهمون ما أكتب، ولكن من يجلسون في برج عاجي يحاولون أن يصوروا العالم الإسلامي على أنه عالم وردي. أنا عرضت الكتاب في مصر، والترحيب به من جانب المسلمين في مصر أكثر من المسلمين في ألمانيا. المسلمون في ألمانيا يعيشون في رفاهية، بعيدون عن هذه القضايا أو معظمها، ويظنون أن مشكلة الإسلام في المقام الأول هي صورته في أوروبا. لا، مشكلتنا ليست في صورة الإسلام، بل في تعامل البشر مع بعضهم البعض. انظر إلى الإسكندرية وما حدث فيها.
من يكتب كتاب مثل "سقوط العالم الإسلامي" يواجه اتهامات جاهزة مثل: إنك تسبح في تيار معاداة الإسلام والمسلمين – ما ردك على هذه الاتهامات؟
أنا أهتم بقضايا بلدي وأتكلم عن بصراحة ولا أخشى العواقب. حياة من ينتقد الإسلام ليست سهلة، وقد عانيت بسبب كتاباتي.
كيف؟
لقد تلقيت العديد من التهديدات واحتجت إلى حراسة الشرطة في ألمانيا. من يتحدث عن السباحة في التيار لا يعلم أن حياة الإنسان في مجتمعاتنا من الممكن أن تنتهي بسبب كلمة قالها. وهذه هي القضايا التي يجب أن نتصدى لها. لا بد أن نتصدى لفكر الإرهابيين ولفكر الأصوليين لأنهم يريدون أن يسيطروا على عقول الناس في مجتمعاتنا. ولكن معظم المثقفين المسلمين في أوروبا يهتمون بالدفاع عن الإسلام أكثر من اهتمامهم بإيجاد حلول للقضايا الحقيقية التي يعاني منها العالم الإسلامي.
الوضع يدعو إلى اليأس في معظم الدول الإسلامية. هل هناك دول تبعث على الأمل، إندونيسيا أو ماليزيا أو تركيا مثلاً؟
هذه الدول تذكر باعتبارها قدوة حسنة للعالم الإسلامي. ولكن ما نراه الآن هو أن الأسلمة طالت أيضاً هذه الدول. كما أن تأثير هذه الدول على بقية العالم الإسلامي قليل جدا، في حين أن تأثير السعودية والفكر السلفي على تلك الدول كبير جداً، وهذا شيء لا بد أن ننتبه له.
عندما جئتَ إلى ألمانيا كان الدين هو الصخرة التي تشبثتَ بها لتواجه مجتمعاً لم تستطع الاندماج معه. هل يمكن تعميم ذلك على حالة كثيرين من المسلمين الذين يعيشون في الغرب؟
طبعاً، كثيرون من المسلمين الذين يعيشون في الغرب يحتاجون الدين كصخرة لهويتهم. وهذا ليس عيباً ولا حراماً. المشكلة هي تحميل الدين فوق طاقته. الدين طاقة روحانية تعطيك الأمل، ولكن الدين ليس كتاب قانون أو دستور يحل كل مشاكل حياتك. إذا فسرت كل شيء في الحياة تفسيراً دينياً، فسوف تصطدم مع الآخرين الذين ينتمون لديانات أخرى، أو الذين لا ينتمون إلى أي دين. وهذا ما نراه لدى كثير من المسلمين في أوروبا أن تدينهم يقف عائقاً أمام اندماجهم في المجتمعات الأوروبية.
تقول في كتابك إن الإسلام بالنسبة لكثيرين من المغتربين في الغرب يتحول إلى وطن يعيش في داخلهم مما يعوق اندماجهم في أوطانهم الجديدة. كلامك يقضي على أي أمل في اندماج المسلمين في مجتمعاتهم الغربية الجديد، لأنهم سيظلون يبحثون عن وطن بديل هو الدين!
أنا لا أتكلم عن جميع المسلمين. أظن أن معظم المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية هم مندمجون، ونحن لا نراهم لأنهم لا يسببون أي مشاكل. لأن الدين بالنسبة لهم شيء خاص يعيشونه في بيوتهم وفي مساجدهم. أفرق دائماً بين الدين كقوة روحانية والدين كقوة سياسية وكمصدر للتشريع. وأقول إن الإسلام به جانب روحاني جميل جداً، وبه جانب سياسي وقانوني لا يناسب هذا العصر، خاصة في أوروبا. لقد اتفقنا في العصر الحديث على أن البشر هم الذين يسنون القوانين، من خلال التفاوض، وأن القانون لا يأتي مباشرة من عند الله. من يريد أن يطبق الشريعة الإسلامية على المجتمعات الحديثة فسوف يصطدم بالطبع مع هذه المجتمعات.
هل يمكن إصلاح الإسلام أو العالم الإسلامي من الغرب؟ ما دور المسلمين المتنورين الذين يعيشون في الغرب؟
هناك مسؤولية كبيرة على عاتق المسلمين الذين يعيشون في الغرب هم فعلا في رفاهية وحرية وديمقراطية، وبإمكانهم تنقية الفكر الإسلامي من الشعوذة ومن الأفكار التي عفا عليها الزمن، وبإمكانهم أن يصدروا الفكر المستنير إلى مجتمعاتهم الإسلامية. ولكن للأسف الشديد فإن ما نراه الآن هو العكس تماماً: المسلمون الأوروبيون يستوردون الفكر المتعفن من السعودية ومن تركيا أو من مصر، ويحاولون أن يجمدوا هذا الفكر في "ديب فريزر"، ويفرضوه ليس فقط على المسلمين، بل أيضاً على الأوروبيين. وهذه هي نواة أي صراع وصدام.
صدر كتاب حامد عبد الصمد "سقوط العالم الإسلامي" عن دار درومر في ميونيخ، وعن دار ميريت في القاهرة.
أجرى الحوار سمير جريس
مراجعة: حسن زنيند