"جي كولّ" لوبي يهودي أوروبي جديد للضغط على إسرائيل
١٢ مايو ٢٠١٠بعد مداولات حثيثة جرت في الفترة الأخيرة بين عدد من الشخصيات اليهودية المعروفة في أوروبا تم التوافق على نقل تجربة اليهود الليبراليين الأميركيين إلى أوروبا وتشكيل منظمة ضاغطة على إسرائيل تحمل أسم " JCall" تيمنا بزميلتها الأميركية JStreet التي بدأت تلعب دورا متزايدا في واشنطن لدعم سياسة الرئيس باراك أوباما الساعي إلى إنهاء أزمة الشرق الأوسط المزمنة على قاعدة حلّ الدولتين. وبدورها حصلت المنظمة اليهودية الليبرالية على تأييد الإدارة الأميركية رغم العداء الذي تبديه لها منظمة AIPAC اليهودية المحافظة الواسعة النفوذ في السياسة الأميركية واليمين الإسرائيلي.
"نداء إلى العقل" يدعو لمزيد من الضغط على إسرائيل
وصدر الأسبوع الماضي في بروكسيل بيان من المنظمة الجديدة "جي كول" تحت عنوان "نداء إلى العقل" يطالب فيه نواب وسياسيون من الاتحاد الأوروبي بممارسة المزيد من الضغوط على إسرائيل لتغيير سياستها الخطرة الراهنة. وجاء في البيان أن المنظمة اليهودية الجديدة "تناضل من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ونهج الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن أجل تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة".
آلاف اليهود وقَّعوا على البيان حتى الآن ويهود ألمان يتحركون
وتسعى الشخصيات اليهودية المؤسسة إلى تشكيل محور مضاد، ليس فقط للحكومة اليمينية في القدس الغربية، بل وأيضا للمنظمات التقليدية التي تتحدث باسم يهود العالم وتدعم بصورة عمياء السياسة الإسرائيلية مهما كانت. وتقف شخصيات معروفة خلف هذه المبادرة الجديدة منها الفيلسوفان الفرنسيان برنار ـ هنري ليفي وآلان فينكلكراوت والسياسي الأخضر دانييل كون ـ بنديت رئيس كتلة الخضر في البرلمان الأوروبي، وسفير إسرائيل السابق في ألمانيا آفي بريمور. وما أن جرى توزيع البيان ـ النداء على كل أعضاء البرلمان الأوروبي ونشره في الانترنت حتى سارع أكثر من خمسة آلاف يهودي إلى التوقيع عليه بينهم شخصيات يهودية ألمانية مثل ميشا بروملك، والناشر إبراهام ملتسر، والناشطة من أجل السلام يوديت بيرنشتاين المولودة في القدس التي أعلنت عن استعدادها لتشكيل فرع للمنظمة الجديدة في ألمانيا، ورولف فرليغر الذي أقيل العام الماضي من قيادة المجلس المركزي لليهود بسبب انتقاده العلني والشديد للسياسة الإسرائيلية.
وفوجئ الكثيرون بأن الأمين العام للمجلس المركزي شتيفان كرامر، وعلى عكس زميله في فرنسا، رحَّب كثيرا بانشاء "جي كول" مشيرا إلى أنه "ضد وضع كمّامة على الأفواه أو منع آخرين من التفكير بصورة مغايرة للخط التقليدي لليهود أو العمل على قطع السبل أمام قيام تنظيمات جديدة". ونقلت جريدة "زوددويتشه تسايتونغ" (عدد 10/05/2010) عن كرامر قوله إن الأمر لا يتعلق هنا ب "حالمي السلام المعروفين"، وإنما بشخصيات ثقافية مرموقة.
المؤتمر اليهودي الأوروبي يبدأ حملته على "جي كول"
وشنَّ "المؤتمر اليهودي الأوروبي" ومقره باريس هجوما على المنظمة الجديدة رافضا ما جاء في بيانها الصادر. واعتبر متحدث باسمه أن نداء "جي كولّ" يؤدي "إلى افتعال الخلاف، وهو غير بنّاء ولا يساعد أبدا". لكن العديد من الذين دافعوا في الماضي عن إسرائيل وبرروا نوعا ما حرب غزة يرفضون الآن مواصلة هذا الخط، ولا يريدون الصمت بعد الآن رغم علمهم بأنهم قد يحصلون على تصفيق من الجهة الخاطئة أو من أعداء إسرائيل على حد ما ذكره بعضهم. ولذلك أرادوا في بيانهم عدم ترك أي مجال للمحافظين اليهود، أو أية حجة لهم لاتهامهم بأنهم من "الضالين" أو "كارهي الذات" أو "المستسلمين" فأكدوا في بيانهم "على ارتباطهم الشديد بدولة إسرائيل" واعتبارها "جزءا من هويتهم".
وقالوا إنهم على معرفة كاملة بالأخطار التي تحيط بالدولة اليهودية "وبالقلق حول مستقبلها وأمنها في زمن التهديد النووي الإيراني"، لكنهم أضافوا أنهم "يتعرفون كذلك على الخطر الوجودي الذي يتهدد دولة إسرائيل من الداخل، أي من بناء المستوطنات في الضفة الغربية والأحياء العربية للقدس الشرقية وتوسيعها". وأضافوا: "هذه خطيئة أخلاقية وخطأ سياسي يمكن أن يقودا إلى عملية غير مقبولة تتمثل في نزع الشرعية عن إسرائيل كدولة". وكتبوا أيضا: "إن التماهي المطلق مع نهج الحكومة الإسرائيلية خطِر لأنه يناقض المصالح الفعلية لدولة إسرائيل". ووجد رولف فرليغر في عدد من هذه الفقرات ضعفا أو تغييبا لبعض الأمور فكتب إلى جانب توقيعه على النداء: "الفرق الأساسي يتمثل (في اعتقادي) بأن على المرء التحادث مع حماس أيضا".
فروختمن: "لم أوقع البيان للأسباب التالية..."
ولا يبدو أن لفرليغر وحده ملاحظات على ما تضمنه البيان ـ النداء، خاصة من جانب اليهود اليساريين الذين وجدوا في تأكيد الارتباط بدولة إسرائيل، واعتبارها جزءا من هوية اليهودي أينما كان أمرا لا تبرره حجة القلق على مصيرها. وقالت اليهودية روث فروختمن التي تعيش في برلين والناشطة في جمعية "الصوت اليهودي من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط" في حديث مع "دويتشه فيلّه" إنها لمست أن البيان يركز كثيرا على أن إسرائيل "هي بلد يهود العالم ويتجاهل الفلسطينيين وما يحدث لهم وكأنهم مسألة ثانوية" رغم أن البيان لفت إلى انتهاك حقوقهم وتحدَّث عن لا شرعية الاستيطان. وأضافت أن هذا الشعور منعها من التوقيع على البيان حتى الآن على الرغم من أنها تجد "أن من الجيد القيام بمثل هذا التحرك". وكشفت أنها شخصيا تخلت عام 2002 عن ما يسمى ب "حق العودة" لليهود وغادرت إسرائيل إلى ألمانيا مستدركة أن التحرك قادم الآن "من شخصيات كنا نرغب منذ سنين بالتفاعل معها والتأثير عليها، لكنها لم ترغب حتى بأن تأخذ علما بوجودنا" وبقيت صامتة فترة طويلة.
وتحدثت فروختمن بتفصيل عن المعاداة التي واجهتها جمعيتها من جانب منظمة "الجالية اليهودية" المحافظة في برلين وفي ألمانيا مشيرة إلى اتهام الجالية للجمعية بالعداء للسامية. وبعد أن تساءلت كيف يمكن لليهودي أن يكون معاديا للسامية أضافت أنها تنزعج كذلك عندما يوصف العرب، وهم ساميون أيضا، بالعداء للسامية.
وأعربت عن دهشتها من موقف الأمين العام للمجلس المركزي لليهود كرامر قائلة إنه "أمر مثير للاهتمام، وربما هو ليس مغلقا مثل غيره من أعضاء المجلس، وكلامه يعطي أملا" معيدة السبب في ذلك إلى شهرة الشخصيات الموقعة على النداء على خلاف ما حصل قبل ثلاث سنوات حيث وقَّع عدد قليل من اليهود على "بيان برلين" الذي أصدرته جمعيتها "الصوت اليهودي" مع رولف فرليغر حول أزمة الشرق الأوسط. وأضافت أنها لا تقف موقفا رافضا من "جي كولّ" بالمطلق، "وأذا تمكنت المبادرة الجديدة من أخذ منحى أكثر إيجابية فسأرحب بذلك جدا، ولو أنني متشائمة".
الكاتب: اسكندر الديك
مراجعة: عبدالرحمن عثمان