جولة ماكرون الإفريقية.. روسيا تخلط الأوراق وتؤجج صراع النفوذ
١ أغسطس ٢٠٢٢خلال الأسبوع الماضي، قال مسؤولون في الرئاسة الفرنسية، إن زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إفريقيا تهدف إلى إعادة تعريف العلاقات مع المستعمرات الفرنسية السابقة. الرحلة التي استمرت من 25 إلى 28 يوليو/تموز 2022، شملت الكاميرون وبنين وغينيا بيساو.
لكن ماكرون لم يكن السياسي الأجنبي الوحيد الذي قام بمبادرات في القارة الإفريقية، إذ إنه في الوقت الذي هبط فيه ماكرون في ياوندي عاصمة الكاميرون، كانت الدبلوماسية الروسية نشطة وتقوم بعملها على قدم وساق في المنطقة. فعلى مدار الأسبوع، سافر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى مصر وجمهورية الكونغو وأوغندا وإثيوبيا.
أيضاً، أعلنت الخارجية الأمريكية الجمعة أن الوزير أنتوني بلينكن سيزور الشهر المقبل جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية ورواندا، في خطوة تُكثّف من خلالها واشنطن تحركها الدبلوماسي في إفريقيا في مواجهة الدبلوماسية الروسية.
تعكس الزيارات وتقاطع توقيتها مع تحركات دبلوماسية أمريكية وروسية توتراً في العلاقات طويلة الأمد التي تمتلكها بعض الدول الإفريقية مع فرنسا، بسبب إرث الاستعمار الفرنسي، إلى جانب الاستثمار والتدخل الذي حدث مؤخراً من قبل روسيا في القارة، ما جعلها شريكا دوليا جذابا.
"إحدى آخر القوى الاستعمارية الإمبريالية"
ركز ماكرون في كثير من تصريحاته على موقف إفريقيا تجاه روسيا. وقال ماكرون في بنين: "أقول لكم هنا في إفريقيا، القارة التي عانت من الإمبريالية الاستعمارية: روسيا هي واحدة من آخر القوى الاستعمارية الإمبريالية"، متهماً روسيا باستخدام الغذاء كأحد "أسلحة الحرب".
كما انتقد ماكرون القادة الأفارقة الذين فشلوا إلى حد كبير في إدانة موسكو بشدة وعلناً لغزوها أوكرانيا. وقال "إن الخيار الذي اتخذه الأوروبيون - قبل كل شيء - ليس المشاركة في هذه الحرب، ولكن الاعتراف بها وتسميتها. لكنني أرى في كثير من الأحيان نفاقًا، خاصة في القارة الإفريقية".
وكان رئيس الكاميرون بول بيا، ورئيس بنين باتريس تالون ورئيس غينيا بيساو أومارو سيسوكو إمبالو ، قد ناقش كل منهم على انفراد مع نظيره الفرنسي مسألة الصراع الأوكراني-الروسي.
وتحدث إمبالو، الذي يتولى منصبه منذ عام 2020، ضد روسيا. وقال: "غينيا بيساو، على الرغم من كونها دولة غير منحازة، تدين هذا العدوان ضد أوكرانيا. أعتقد أنه في القرن الحادي والعشرين لا يمكننا قبول الحرب، خاصة بين الجيران".
لكن وجانب آخر، طالب المجلس العسكري الحاكم في مالي الرئيس الفرنسي بالتخلّي عن "موقفه الاستعماري الجديد" ووقف انتقاداته للجيش المالي، متّهمًا إيمانويل ماكرون بإثارة الكراهية العرقيّة.
ومتحدّثًا عن مالي التي تُواجه أزمة أمنيّة خطرة وشهدت انقلابَين عسكريَين في عامي 2020 و2021، قال ماكرون يوم الخميس إنّ دول غرب إفريقيا تتحمّل مسؤوليّة العمل لضمان أن يتمكّن الشعب المالي من "التعبير عن سيادة الشعب" و"بناء إطار من الاستقرار" للسماح بـ"القتال الفعّال ضدّ الجماعات الإرهابيّة".
كما تحدّث ماكرون عن الاتّفاق بين النظام المالي وقوّات مجموعة فاغنز الروسية، والذي شكّل عاملا حاسما في دفع باريس لسحب قواتها البالغ عددها 2400 جندي من البلاد.
وتدهورت العلاقات بين المجلس العسكري الحاكم في باماكو وباريس، القوة الاستعمار السابقة، بشكل كبير في الأشهر الأخيرة لا سيما منذ وصول القوات شبه العسكرية من مجموعة فاغنر الروسية إلى مالي، ما دفع بالبلدين الى قطيعة بعد تسع سنوات من الوجود الفرنسي المتواصل لمحاربة الجهاديين.
كما دانت باماكو "بكثير من الصرامة" التصريحات "التشهيرية والمثيرة للكراهية" من جانب ماكرون الذي نبّه إلى انتهاكات منسوبة إلى الجيش المالي بحق أفراد من قبيلة الفولاني خلال عمليّات عسكريّة جرت أخيرا.
واتُهم الجيش المالي وقوات فاغنر شبه العسكرية الروسية على وجه الخصوص بارتكاب مذبحة ضد مدنيين في منطقة مورا (وسط) حيث جرى وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية إعدام نحو 300 مدني في نهاية آذار/ مارس.
واعتبرت باماكو أن هذه "الاتهامات الخطرة" التي أطلقها ماكرون من شأنها أن تؤدي إلى "إثارة الكراهية العرقية" في مالي حيث "تدهور النسيج الاجتماعي في السنوات الأخيرة بسبب النزاعات" على مستوى الجماعات المحلية.
وقال المتحدّث باسم الحكومة الكولونيل عبد الله مايغا عبر القناة العامّة إنه "من المهم أن يتذكر الرئيس ماكرون باستمرار الدور السلبي ومسؤولية فرنسا في الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا".
روسيا ليست عدواً مشتركاً
وفقًا لكارولين روسي، وهي باحثة بارزة في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية (IRIS)، فإن زيارة ماكرون كانت عقيمة إلى حد ما، إذا ما أُخذ في الاعتبار أنه كان ينوي إقناع القادة الأفارقة بالوقوف إلى جانب الغرب.
وقالت روسي لـ DW: "اعتقد الرئيس ماكرون أنه يستطيع قراءة الموقف جيدًا، وأن الجميع سيكونون وراءه. لكن الرؤساء الأفارقة لديهم اهتمامات أخرى"، وتضيف: "في الوقت الحالي، لا تريد الدول الإفريقية إشراك دولة مثل فرنسا في هذه الاهتمامات.. وروسيا ليست عدوا مشتركا."
وتعتقد روسي أنه كان من الحكمة أن يركز ماكرون على الأمور المشتركة بين فرنسا والدول الإفريقية، وربما لذلك السبب "تواجه فرنسا تقريعاً كبيراً في إفريقيا الآن".
بدورها، شاركت تيغيستي أماري، نائبة مدير برنامج إفريقيا في تشاتام هاوس، وجهة نظر مماثلة. وقالت: "تعليقات ماكرون تعكس هذا القلق المتزايد ومحاولة لكسب دعم إفريقيا لموقف فرنسا من الحرب في أوكرانيا".
وأضافت: "في حين أن جهود ماكرون لإعادة إحياء العلاقات مع القارة تستحق الثناء، فإن التغييرات التي لم تكن مفاجئة كانت أصعب بكثير. وبناء شراكة سياسية طويلة الأجل على أساس المصالح المشتركة سيستغرق وقتًا".
وأشار الرئيس الفرنسي خلال زيارته للدول الإفريقية إلى نية فرنسا المساعدة في زيادة إنتاج الغذاء في الكاميرون وغينيا بيساو، بالإضافة إلى دول أخرى في القارة. كما تعهد ماكرون بتقديم دعم عسكري للكاميرون وبنين لمحاربة المتطرفين.
الأفارقة يبتعدون عن فرنسا
ومع ذلك، فإن رغبة فرنسا في إعادة ضبط العلاقات مع إفريقيا لا تتعلق حصرياً بروسيا، كما أنها ليست تطوراً حديثاً تماماً. إذ كانت أول رحلة لماكرون خارج الاتحاد الأوروبي بعد أن أصبح رئيساً للمرة الأولى، في عام 2017، هي مالي. في هذا السياق تقول أماري إن "الزيارات الرئاسية الفرنسية كانت تقليدياً وسيلة مهمة للإشارة إلى أن إفريقيا تظل أولوية سياسية لفرنسا" وتضيف بأن ماكرون بذل جهوده "لتنشيط علاقة فرنسا بدول إفريقيا".
لكن الكثير قد تغير في إفريقيا منذ ولاية ماكرون الأولى. إذ أخذت المستعمرات الفرنسية السابقة تبتعد عن فرنسا، كما يُنظر إلى الانقلابات الأخيرة في مالي وتشاد وبوركينا فاسو على أنها أضرت بالعلاقات مع باريس.
على سبيل المثال، في الربيع الماضي، انسحبت مالي من اتفاقياتها العسكرية مع فرنسا، كما أن بعض الدول التي كان لفرنسا فيها نفوذ قوي في يوم من الأيام أصبحت الآن تفضل تعميق العلاقات مع روسيا والصين بشكل علني. ويتفق الخبراء على أن وجود روسيا والصينعلى الساحة جعل المنافسة السياسية والدبلوماسية على النفوذ أكثر حدة بالنسبة لماكرون.
الكاميرون.. لا انتقادات بسبب أزمة الأقاليم الناطقة بالإنجليزية
وخلال المباحثات، غاب موضوع واحد وبشكل لافت عن الملاحظات العامة، فأثناء وجوده في الكاميرون، تجنب ماكرون في الغالب ذكر أزمة اللغة الإنجليزية التي طال أمدها والتي يرى البعض أنها تهدد الاستقرار في البلاد.
ومشكلة اللغة الإنجليزية، كما يشار إليها عادة في الكاميرون، هي قضية اجتماعية سياسية متأصلة في البلد نتيجة المواريث الاستعمارية للوجود الألماني والبريطاني والفرنسي. وتواجه هذه القضية بشكل كلاسيكي وبصورة أساسية العديد من سكان الكاميرون من المناطق الشمالية الغربية والجنوبية، وكثيرون منهم يعتبرون أنفسهم ناطقين بالإنجليزية. ويستند هذا إلى حقيقة أن هاتين المنطقتين كانتا تحت سيطرة بريطانيا كإقليم تحت الانتداب من عصبة الأمم وتحت الوصاية الدولية من الأمم المتحدة.
وخلال الزيارة، لم يلتق ماكرون مع موريس كامتو من المعارضة الكاميرونية. وهو ما توقع بعض الكاميرونيين أن يحدث. وقال إيمانويل سيمه، أحد نواب رئيس حركة كامتو لإعادة إحياء الكاميرون (MRC) ، لـ DW إنه لم يكن لديه توقعات لزيارة ماكرون على أي حال.
ومع ذلك، قال ممثل إحدى الجماعات الانفصالية لـ DW إنهم كانوا يأملون في أن يحث ماكرون الرئيس الكاميروني بيا على وقف استخدام القوة في المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية. وقال كابو دانيال، نائب رئيس الدفاع في قوات الدفاع في أمبازونيا: "ستراقب حركات أخرى هذا الحدث، على أمل أن يدفع إيمانويل ماكرون الرئيس بول بيا لاختيار طريق الحل السلمي".
في غضون ذلك، أكد بيا للصحافيين الذين غطوا زيارة ماكرون أن حكومته جددت الاتفاق العسكري القائم مع روسيا في إبريل/ نيسان.
بنين.. المساعدة وفق طلب محدد
في بنين، ناقش ماكرون وتالون مسألة الأمن وإمكانية المساعدة من باريس في شكل أسلحة متطورة أو تدريب عسكري. يذكر أن الجهاديين المتطرفين ينشطون في شمال البلاد. والرئيس الفرنسي كان حريصاً على التأكيد أنه عندما يتعلق الأمر بمسائل مثل مكافحة الإرهاب، فإن نهج حكومته في البلدان الإفريقية يتمثل في التدخل بناءً على طلب محدد من الدول.
ومع انتهاء رحلة ماكرون الآن، سيتطلع الخبراء لمعرفة ما إذا كان قد تم وضع أي أساس لإعادة تعيين العلاقة بنجاح. تقول أماري من تشاتام هاوس، إنه من أجل المضي قدماً، سيكون من المهم للقوى الغربية أن تدرك أن مصالحها ومصالح الدول الإفريقية التي تعمل الآن على تنويع الشراكات الدولية، لن تتوافق دائماً.
بينيتا فان آيسن
ساهم في إعداد هذا التقرير: موكي كيندزيكا وإيانكوبا دانسو وإتيان جاتانازي.
ترجمة: عماد حسن