جولة في مسجد أبي أيوب الأنصاري في اسطنبول
٢٤ نوفمبر ٢٠١٠خلال جولة في حي أيوب، يسمع المرء صوت المؤذن يخيم على المكان الممتد أمام المسجد. النساء بأحجبتهن الملونة، يجررن خلفهن أولادهن بضجيجهم وصياحهم بينما يتمشى الرجال بخطى وئيدة باتجاه المدخل ومسابحهم تتدلى من أيديهم. وأمام نافورة المياه يقف العرسان لالتقاط صور لهم، وتلمع فساتين العرائس في أشعة الشمس. ويقول عريس شاب "نحن هنا لنصلي لله كي ينعم علينا بزواج سعيد". وتتنهد أمه بجانبه "إن شاء الله سيكونان سعيدين طيلة العمر".
زيارة المسجد قبل الطهور
على بعد عدة أمتار يقدم زوج بفخر ابنه ذا الخمس سنوات. يبدو الطفل وكأنه سلطان صغير، يرتدي لباسا لماعا بشرائط مذهبة وقبعة لها شكل العمامة، كيف لا وهو سيحتفل بعد أيام قليلة بطهوره. وقبل الاحتفال يصطحبه أبواه إلى مسجد السلطان أيوب. وقبل الطهور تقام الصلاة : "هذه هي الطريقة التي كانت متبعة أيام الرسول"، والكلام لوالد الأمير الصغير.
إفران شاليشان (41 عاما)، الذي يرعى الشؤون الثقافية والاجتماعية في الحي، لا يشكو من قلة الزوار، إذ يزور مسجد أيوب ما يصل إلى 4 ملايين شخص في السنة. وخلال شهر رمضان وحده يصل عدد الزوار إلى مليون ونصف المليون "وفي المناسبات الدينية الخاصة كعيد الأضحى يصل عدد الزوار أحيانا إلى مائة ألف زائر في اليوم"، كما يقول شاليان باعتزاز.
"الحج الصغير"
ولا تقتصر زيارة مقام أيوب على أيام الأعياد والأعراس ومناسبات الطهور، لأن تقليد الحج إلى هناك يعود إلى أكثر من 500 سنة. وضريح أبي أيوب الأنصاري بني في الفناء الداخلي للمسجد بعد سنوات قليلة على فتح القسطنطينية عام 1453. كما يجعل الكثيرون من حجاج مكة هذا المكان محطتهم الأولى. وتعود هذه التقاليد إلى العهد العثماني، ويطلق عليها "الحج الصغير"، حسب قول إيفران شاليشان.
نافذة الآمال والرغبات
وجرت العادة في تركيا أن يتوجه إلى ضريح أبي أيوب الأنصاري نساء عازبات أو اللواتي لا ينجبن، حيث يقمن بالدعاء ليرزقهن الله بزوج أو بأولاد. ويتوجه إلى هناك أيضا مرضى آملين بالشفاء، أو تلاميذ قبل الامتحانات من أجل تحصيل درجات جيدة. ويبوح المبتهلون إلى الله برغباتهم وأمانيهم أمام ما يسمى بنافذة الرغبات الموجودة على مدخل ضريح أبي أيوب الأنصاري، كما يقومون بتلاوة آيات قرآنية، آملين أن يستجيب الله لدعائهم.
من رواد فقهاء الإسلام
ضريح أبي أيوب الأنصاري مغطى من الداخل بالسجاجيد ومزين بالخزف، وموضوع داخل غرفة منفصلة خلف باب من القضبان الفضية، ولا يسمح لأحد بدخوله إلا لحفظة القرآن. إلا أن المفتي عيسى غوريل سمح لنا بشكل استثنائي بالدخول إلى الحجرة، كما روى لنا عن تاريخ أبي أيوب قائلا: "عندما هاجر الرسول من مكة إلى المدينة قضى سبعة أشهر في بيت أبي أيوب الأنصاري. وبعد وفاة الرسول أصبح الأنصاري من رواد فقهاء الإسلام، ونقل للمسلمين الكثير من سنن الرسول وأحاديثه".
هدوء أزلي في مسجد أيوب
وبعد زيارة الضريح يتجول كثير من الحجاج في المقبرة، التي تعود إلى قرون، ويحيون بتأمل صامت ذكرى الموتى. ولا يوجد في هذه المقبرة قبور سوى لعدد قليل من الوجهاء، لكن جو المنطقة الروحاني يجذب كل الزوار بغض النظر عن سبب زيارتهم. إفران شاليسان يبتسم بحكمة ويقول: "هكذا هي الحياة، السعادة والحزن يقبعان إلى جانب بعضهما حتى في ضريح أبي أيوب".
كلاوديا هينين/ منى صالح
مراجعة: أحمد حسو