جولة في بون: هل السيارة ضرورة ملحة أم رمز للرفاهية؟
٨ أكتوبر ٢٠١٠قرب سيارة مرسيدس فضية اللون تقف ماريا التي قد تكون في أواخر عشرينات عمرها هي تبتسم وتقول " هذه السيارة ليست حلمي، أنها فارهة ومريحة وقوية وسريعة، لكنها لا تحمل روح الشباب، قد تناسب هذه السيارة رجل أعمال، أو مديرا في إحدى الشركات، أو قاضيا كبيرا لكنها لا تناسبني قط، أجد نفسي ضائعة في ضخامتها ، ولونها الأسود اللامع يثير فيّ الملل".
أفتح باب السيارة ،فرش مقاعد السيارة من جلد أبيض اللون ،أجلس على مقعد السائق فتجلس ماريا إلى جانبي، أتخيل نفسي أمضي بها سريعا بعيدا عن صالة العرض الفخمة حيث تصطف عشرات السيارات الأنيقة ، لنسرع عبر طريق سريع يقطع الغابات. رائحة الجلد السميك وملمس المقود المتماسك الناعم توحي بقوة السيارة، سيارة رائعة سعرها 30 ألف يورو فقط !
أعود لأسألها، كيف لا ترضيك كل هذه الفخامة؟
تضحك وتقول: " أريد سيارة صغيرة غير مكلفة ولا تتطلب قيادتها وإيقافها كثيرا من الجهد، مثل هذه السيارة تتطلب عناية وجهدا كبيرين، علاوة على أن محركها العملاق يستهلك كميات كبيرة من الوقود وهو أمر أراه غير مبرر ".
نقف قرب سيارة رياضية حمراء منخفضة تكاد تلامس الأرض، وأنظر إلى محدثتي ، فتبتسم وتقول لي بما يشبه الاعتذار" ثمن هذه السيارة لا يقل عن 100 ألف يورو، ولا أجرؤ أن أفكر بمثل هذا الثمن ، كل ما يمكنني دفعه نقدا كمقدمة لسيارة هو 4 آلاف يورو ، ربما يتحتم علي أن اذهب إلى معرض آخر، فأنا أفكر في اقتناء سيارة عملية وصغيرة وجميلة، وكل ما يعرض هنا لا يحقق هذا الحلم"، وتركتني لتخرج بحثا عن ضالتها في مكان آخر.
سيارة واحدة لا تكفي
يدلف إلى المعرض رجل وامرأة في الأربعينات من عمرهما ، يقطعان الصالة الكبيرة التي تغمرها الأضواء وتنبعث الموسيقى من أركانها ، يقفان عند سيارة بيضاء كبيرة الحجم تناسب الأسر الكبيرة، يتفحصانها بعناية ويدوران حولها ، فيما تفتح السيدة باب السائق وتنظر إلى داخلها بشغف. ينحني الرجل لينظر أسفل السيارة من الخلف، يبدو انه يريد أن يعرف إن كانت تسير بنظام الدفع الخلفي الكلاسيكي، أم بنظام السحب الأمامي الحديث. يقترب أحد موظفي المعرض منهما فينهمكون بالحديث معا، اقترب فالتقط أطراف حديثهم، تقول السيدة: إنها تبحث لنفسها عن سيارة تعينها في واجبات البيت، فهي توصل ابنتيها كل يوم إلى المدرسة وتقوم بالتسوق لمنزلي، ثم تعود إلى منزلهما الذي يقع في الضاحية الجنوبية للمدينة، لتعود بعد الظهر لاصطحاب البنتين إلى البيت، كما أن مثل هذه السيارة مناسبة لقضاء العطل في أماكن بعيدة عن المدن . يقول لهما الموظف إن السيارة "كومبي" تناسب طلبات الأسرة لكنها ليست من سيارات الدفع الرباعي التي تصلح للسفر إلى المناطق النائية. يستعلم الرجل عن سعة محرك السيارة ، فيقول له الموظف إنه محرك بستة مكابس ، تتساءل المرأة كيف لا يكون نظام الدفع رباعيا إذا كان المحرك بهذه القوة والسعة؟ يضحك الموظف وهو يقول إن لكل شيء ثمنا، ثم يشير إلى سيارة فضية اللون في زاوية من الصالة قائلا إنها سيارة دفع رباعي من نفس نوع السيارة التي يسألان عنها ، لكن ثمنها ضعف ثمن السيارة البيضاء "الكومبي" التي يقفون قربها. أقترب أكثر لأقرأ ثمن السيارة "الكومبي" فأجده 45 ألف يورو. ينصرف الموظف عنهما ليفسح لهما المجال للتشاور فاقترب منهما حاملا سؤالي الدائم: هل تعتبران السيارة ترفا أم ضرورة يومية ملحة؟
تقول السيدة : إن السيارة بالنسبة لي هي مزيج من رمز يعبر عن الحالة الاجتماعية المرفهة ووسيلة مريحة وأمينة للنقل، واعتقد أن السيارة غالية الثمن تكون في الغالب أمينة وقوية ويمكن الاعتماد عليها في السفر لمسافات طويلة" يتدخل زوجها وهو يبتسم قائلا:" نمتلك سيارة (أودي) موديل العام الماضي، ورغم أن ثمنها كان 40 ألف يورو، وهي قوية وسريعة وأنيقة بالفعل ، إلا أنها منخفضة بعض الشيء ما يناسب التنقل داخل المدينة وأنا استعملها يوميا للذهاب إلى عملي، لكنها غير مريحة للسفر البعيد لذا فكرنا أن نشتري لزوجتي سيارة أخرى تناسب هذه المتطلبات ، نحن في كل حال نحتاج لسيارتين".
سعر السيارة أولوية ثانية
يدخل المكان شاب وسيم في مقتبل العمر يرتدي بذلة سوداء، يتجول في المكان ثم يقف قرب سيارة زرقاء صغيرة صاروخية الشكل، يتأمل مظهرها ويفتح أبوابها ثم يغلقها عدة مرات، ثم يتجه إلى محركها ويرفع عنه الغطاء وينهمك في تفحصه. أقترب منه وأبادره بالسؤال: هل تفكر في شراء هذه السيارة ؟ لا يستغرب سؤالي بعد أن عرف صفتي الصحفية بل يبتسم ويقول: إنه يبحث عن سيارة صغيرة وقوية تناسب عمره، أردف سؤالا آخر: لم أرك تنظر إلى ثمن السيارة، هل يعني هذا انك مستعد لدفع الثمن مهما ارتفع؟
ينعقد حاجباه وهو يفكر ليقول بعدها إن العثور على سيارة مناسبة ومريحة وأنيقة يجعل قضية السعر أولوية ثانية، أسأله مرة أخرى: هل يمكنك أن تدفع 48 ألف يورو ثمنا لهذه السيارة؟ يضحك وهو يتمتم : لا يمكن للمرء أن يتحدث عن النقود بلا مبالاة، لكن الشركة التي اعمل فيها هي التي سوف تتولى دفع الثمن ، هذا جزء من عقد العمل معهم، طبعا سوف أسدد لهم جزءا من الثمن في صورة أقساط وفوائد تستقطع من الأجور الشهرية التي يدفعونها لي.
يترك السيارة الزرقاء الصغيرة إلى أخرى حمراء منخفضة عريضة ببابين ، يجلس على مقعد سائقها، يتلمس مقودها، يبسط كفه على المقبض الفضي المطعم بالجلد لبدال السرعة الأوتوماتيكي، يضغط قدمه على موقفها ، فاسأله: هل وجدت ضالتك فيها؟ يقول متحمسا: تبدو رائعة، علي الآن أن انظر في مواصفاتها وقيمتها لأعقد العزم على شرائها.
أغادر المكان لأجد إيصال مخالفة مرورية ( الوقوف أكثر من ساعة في مكان يسمح الوقوف فيه لمدة ساعة فقط ) معلقا على زجاجة سيارتي ، أضع الإيصال في جيبي وأقصد مصرفا قريبا لأدفع فيه قيمة الغرامة قبل أن أنساها فتتضاعف بعد أسبوع.
الكاتب: ملهم الملائكة
مراجعة: هبة الله إسماعيل