جورج دبليو بوش لـ DW: ميركل امرأة لها مبادئ وقلب كبير
١٥ يوليو ٢٠٢١يقع مقر إقامة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش بالقرب من بلدة كينيبونكبورت على ساحل المحيط الأطلسي، على بعد أقل من ساعتين بالسيارة من بوسطن. بينما كان المصور وفريق العمل يستعدون لتركيب الإضاءة والكاميرا، وقبل ساعة من موعد التصوير دخل فجأة جورج دبليو بوش إلى الغرفة مرتديا بنطالا قصيرا وتي شيرت أخضر اللون، في فمه سيجارة وبيده الأخرى جهاز آي باد، قائلا : "أنا سعيد لفعل ذلك (المقابلة) لعزيزتي أنغيلا".
ثم بدأ بالتحدث بأريحية وبساطة أولا حول ميركل، ثم حول هوايته الرسم، ثم أظهر صورا لرسوماته على جهاز آي باد، مسترسلا بالقول إن العمل في مرسمه أمام حامل اللوحات يستغرق طيلة يومه وإن الفرشاة قد أضحت وسيلته للتعبير السياسي منذ مغادرته البيت الأبيض. وبينما هو يغير ملابسه للتحضير للقاء التلفزيوني، علمنا جيدا أن الجليد قد ذاب فعلا بيننا.
انسحب بوش من المسرح السياسي منذ مغادرته البيت الأبيض. وإذا ما أجرى الرئيس الأميركي الثالث والأربعون لقاء صحفيا، فإن اللقاء يدور حول أعماله الفنية فقط. لكنه استثنى في لقائنا هذا القاعدة من أجل أنغيلا ميركل، إذ استقبلنا في منزله ومنحنا متسعا من الوقت.
"جاءت ميركل لمنصبها بالكثير من الرقي والكرامة. اتخذت قرارات صعبة للغاية، بالذات لصالح ألمانيا، وبقيت محافظة على مبادئها دائما"، يقول بوش. ويضيف "هي قائدة عطوفة، إمراة لا خوف لديها من القيادة".
ميركل محبوبة في أميركا عند كثيرين
بالنسبة إليه وكذلك بالنسبة لكثير من الأميركيين، أنغيلا ميركل نموذج مميز من "الحلم الأميركي"، سيدة نشأت وترعرعت في نظام شيوعي غير حر وصعدت إلى أعلى المناصب القيادية في العالم. وليس في أي مكان، في ألمانيا بالذات، بلد تحرر بمساعدة أميركية مرتين في تاريخه، المرة الأولى من النظام النازي والمرة الثانية بتحرر الجزء الشرقي من ألمانيا من قبضة الكرمل (الاتحاد السوفيتي).
وبالخصوص في فترة رئاسة دونالد ترامب، نظر كثير من الأميركيين لميركل على أنها "قائدة العالم الحر" ، وهو منصب شغله الرؤساء الأميركيون فقط. وبالنسبة لدول كثيرة في الاتحاد الأوروبي تعتبر ميركل في الظروف الصعبة الصخرة التي تكسر الأمواج، ثابتة في عالم تزداد فيه المشاكل تعقيدا.
"ميركل تمكنت من البقاء في وضع صعب أكثر من ثمانية أعوام. هذا أمر رائع جدا، إذا ما فكر المرء فيه". في إشارة إلى أن الرئيس الأميركي يسمح له للبقاء في منصبه لولايتين على أقصى حد، وفي إشارة إلى أن الأميركيين يملون من الرئيس بعد مثل هذه الفترة. "هذا يعني أن الناخب الألماني وضع ثقته فيها"، يوضح بوش.
تفهم سياسة ميركل تجاه روسيا
مثله مثل الرئيس الحالي جو بايدن ينتقد جورج بوش الابن مشروع نورد ستريم - 2 "سيل الشمال" ، بين روسيا وأوروبا وبالخصوص ألمانيا، لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، فهو يزيد من اعتماد ألمانيا على روسيا، كما أنه يعقد الوضع حول أوكرانيا. إلا أنه يتفهم أن ميركل تنتتهج سياسة مختلفة تجاه روسيا وبوتين عما تنتهجه الولايات المتحدة، فلكل دولة طريقها وسياستها الخاصة.
وبالنسبة لقرارها بفتح الحدود أمام اللاجئين قال بوش "كان انطباعي الأول أنها امرأة بقلب كبير. وأنا متأكد أنها كانت مدفوعة بالرحمة الإنسانية. هل تعلمون، لقد كان قرارا سياسيا صعبا بالنسبة لها. لكنها أخذت على عاتقها مسؤولية القيادة". جورج دبليو بوش لم يكن راضيا أبدا عن سياسة ترامب تجاه الهجرة والمهاجرين، حتى أنه نشر كتابا مصورا فيه صور للمهاجرين، طريقة تمكنه من التعبير عن موقفه السياسي.
مثال يحتذى به
جورج بوش والد لابنتين، يرى في ميركل نموذجا يحتذى به لكل الفتيات: "هناك كثير من الفتيات ينظرن إلى ميركل ويقلن: حتى نحن بإمكاننا تقلد مناصب فيها سلطة ومسؤولية".
ميركل تزور الولايات المتحدة آخر مرة كمستشارة لألمانيا وتلتقي في زيارتها الرئيس جو بايدن ، في زيارة وداع. واشنطن تعلم أن حقبة أكبر من ميركل قد بلغت نهايتها. وأن العلاقات بين ضفتي الأطلسي يجب إعادة تعريفها. فدول كبرى مثل الصين والهند ودول كبرى أخرى تريد لعب دور كبير على الساحة العالمية. وأنغيلا ميركل هي آخر مستشارة ألمانية تتعامل مع الولايات المتحدة وترى أن علاقة وثيقة بين ألمانيا وأوروبا وأمريكا أمر بديهي.
الماضي وحده ليس كافيا
قبل 16 عاما حين تولت منصبها، كانت هناك داخل كل أسرة أميركية علاقة خاصة مع ألمانيا، بوجود كثير من المقاتلين القدامى وقادة سياسيين حاربوا في ألمانيا وأوروبا ضد النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية، وبعضهم بقي في ألمانيا حتى سقوط جدار برلين. هذه العلاقة تشكلت نتيجة انعطافه مذهلة في التاريخ، تحول فيها مئات آلاف الجنود الأميركيين "المحتلين" إلى سفراء صداقة للعلاقات الألمانية الأميركية.
أيا كان الذي سيخلف ميركل في منصبها، سيكون في انتظاره عمل كبير لتحفيز الجيل الجديد الذي لم يعش مرحلتي الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة والجدار الحديدي. بالنسبة لهذا الجيل الجديد، لن يكون الماضي المكتوب في كتب التاريخ كافيا لدعم هذه العلاقة بين ضفتي الأطلسي.
"هل قامت ميركل بعمل جيد؟" يجيب بوش محركا رأسه: "نعم، أعتقد هذا". ثم يختم بالقول "لا أنا ولا هي علينا الاهتمام بما يكتبه التاريخ القصير الأمد. سيستغرق الأمر طويلا بعد مماتنا، لنوضع في مكاننا".
انيس بول/ ع.خ