جهود التطبيع بين دمشق وأنقرة وسط العنف ضد اللاجئين السوريين
٣ يوليو ٢٠٢٤اندلعت أعمال عنف في منطقة الحدود السورية التركية، حيث لقي سبعة أشخاص في شمال سوريا، ستة منهم في منطقة عفرين، مصرعهم خلال احتجاجات مناهضة لتركيا في شمال غرب سوريا. وقال المتظاهرون في المنطقة الخاضعة للسيطرة التركية إنهم يتحركون تضامنا مع مواطنيهم السوريين في تركيا.
في إشارة منهم لما حدث في مدينة قيصري بوسط الأناضول، حيث سبق أن أشعل حشد من الغوغاء النار ودمروا متاجر وسيارات تابعة للاجئين السوريين. وهتف الحشد الغاضب: "لا نريد المزيد من السوريين".
وكان غضب الجماهير موجها أيضا ضد سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا. وهتف المتظاهرون "تراجع يا أردوغان"، مما يدل على أنهم لم يعودوا يريدون قبول سياسة الباب المفتوح التي ينتهجها أردوغان منذ فترة طويلة تجاه اللاجئين السوريين.
ويعيش في تركيا حوالي 3.5 مليون شخص من سوريا. وانتقد أردوغان نفسه أعمال الشغب في قيصري ووصفها بأنها "غير مقبولة". وبحسب تقارير إعلامية، تم اعتقال حوالي 470 شخصا هناك.
تقارب دبلوماسي
هذه الاحتجاجات وأعمال العنف التي اندلعت قد تؤدي إلى إحباط التقارب المخطط له بين الحكومتين التركية والسورية. ومؤخرا فقط أعلن حكام البلدين بشكل أو بآخر عن رغبتهم في إعادة إحياء العلاقات بين البلدين بعد سنوات من القطيعة.
وكانت أنقرة قد جمدت العلاقات بالفعل مع بداية الصراع في سوريا الذي اندلع عقب مظاهرات عارمة ضد النظام السوري في عام 2011. وخلال الصراع، دعم أردوغان في المقام الأول الجماعات الجهادية التي تقاتل ضد النظام السوري.
كما ساءت العلاقة بين الدولتين بسبب سيطرة تركيا على أجزاء من شمال غرب سوريا في عام 2018، حيث تقاتل هناك ضد قوات كردية تصفها أنقرة بأنها إرهابية.
ولكن يبدو أن رياحا جديدة تهب الآن. فقد صرح الرئيس التركي أردوغان في 28 حزيران/يونيو إنه لا توجد عقبات أمام استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا. وقبل فترة وجيزة، أشار الرئيس السوري بشار الأسد أيضا إلى رغبته في إعادة إحياء العلاقات مع تركيا.
مصالح أردوغان
لكلا البلدين مصلحة في ذلك على ما يبدو، حيث تتعرض الحكومة في أنقرة لضغوط هائلة بسبب اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا. وقد تدهور المزاج العام ضدهم بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
لذلك يريد الرئيس التركي منع قدوم المزيد من السوريين إلى تركيا، كما يقول أندريه بانك، خبير شؤون سوريا وتركيا في المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق (GIGA) في هامبورغ. ويقول: إن أردوغان "يريد أيضا ضمان مغادرة أكبر عدد ممكن من السوريين تركيا". وإذا تمكن من إبرام اتفاق لإعادتهم إلى وطنهم، فسيكون ذلك بمثابة نجاح سياسي داخلي كبير لأردوغان.
كما تضع تركيا أنظارها أيضا على شمال شرق سوريا. هناك يقاتل الجيش التركي ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية منذ سنوات. والتي تعتبر مرتبطة بشكل وثيق بحزب العمال الكردستاني، الذي ينشط في تركيا والمدرج على قائمة المنظمات الإرهابية في تركيا وفي الاتحاد الأوروبي أيضا.
ويعتبر ميشائيل باور، رئيس مكتب مؤسسة كونراد أديناور في لبنان، التي تراقب أيضا التطورات في سوريا من هناك، أن التطورات في الشمال الشرقي لسوريا قد تكون الدافع الفعلي للمفاوضات بين سوريا وتركيا التي قد تبدأ قريبا.
ويوضح باور أن " قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية الكردية، المتواجدة في المنطقة والموجهة ضد الأسد، أعلنت مؤخراً عن رغبتها في إجراء انتخابات محلية في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد".
وقد تم رفض هذا المشروع بشكل خاص في تركيا. و"بسبب الضغوط الدولية، تم تأجيل هذه الانتخابات حتى أغسطس/آب".
أهداف النظام السوري
وفي المقابل، يسعى النظام السوري أيضا إلى تحقيق أهداف محددة من خلال التقارب. ويرى أندريه بانك، أن الأسد يريد في الأساس مواصلة عملية التطبيع مع الدول العربية.
هذا التطبيع الذي بدأ في مايو/أيار 2023 على أبعد تقدير، عندما أُعيدت سوريا إلى جامعة الدول العربية كعضو نشط. كما يبدو أنه يريد مواصلة هذا المسار مع جيرانه غير العرب.
كما يريد النظام أيضا استعادة منطقة إدلب في شمال غرب البلاد، والتي تسيطر عليها حاليا الميليشيا الإسلاموية المتطرفة هيئة تحرير الشام. وبما أن تركيا تسيطر على الجزء الشمالي من إدلب، فقد يكون التعاون بين الدولتين خيارا.
وينطبق هذا أيضا على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال الشرقي. حيث يسعى نظام الأسد لتوسيع تواجده هناك مرة أخرى، كما يقول الخبير بانك: "إن التوصل إلى اتفاق مع تركيا سيكون مفيدا للغاية بالنسبة لهذا المسعى".
وساطة موسكو
والسؤال الآن بعد أعمال الشغب التي وقعت خلال الأيام الماضية في كلا البلدين، ما هي عواقبها على التقارب السوري التركي المخطط له؟ فمن ناحية، من المرجح أن تكون هناك معارضة لذلك، بسبب الأجواء السائدة، حيث أعربت أجزاء من سكان كلا البلدين على الأقل عن كراهية متبادلة قوية.
ولكن بالمقابل قد تسرع أعمال الشغب خطط التقارب هذه لأن التعاون يمكن أن ينزع فتيل مطالب المتظاهرين ودوافعهم، ويمكن للجانبين "بيع" ذلك محليا على أنه نجاح.
هناك قلق عند الأوروبيين لأن الخطوات الأولى نحو التقارب التركي السوري، وفقا للمراقبين، قد حدثت بالفعل خلف الكواليس - بوساطة روسية.
وتحاول روسيا حاليا توسيع نفوذها في كل مكان تقريبا في المنطقة. "نحن في الاتحاد الأوروبي يجب أن ندرك أن موسكو ستسعى دون قيد أو شرط إلى تحقيق مصالحها الخاصة في سوريا والمنطقة"، كما يقول الخبير ميشائيل باور، محذرا من أن ذلك قد يحدث "خصوصا على حساب أوروبا".
أعده للعربية: ف.ي