جهاديون ألمان في الشبكة العنكبوتية
٦ نوفمبر ٢٠١٢أطلق الشاب "آريد أوكا"، البالغ من العمر واحد وعشرين عاماً، النار على جنديين أمريكيين في الثاني من آذار/مارس من عام 2011 مما تسبب في قتلهما، متبعاً ذلك بجرح آخرين جروحاً بليغة، وذلك في مطار فرنكفورت. دافعه وراء ذلك كان كرهه للجنود الأمريكيين المشاركين في الحرب في أفغانستان. وقد سبق هذه الأحداث مشاهدة الشاب لأحد الفيديوهات على يوتيوب والذي يظهر جنوداً أمريكية يغتصبون سيدات مسلمات. وتبين لاحقاً أن "أوكا" كثيراً ما كان يزور حلقات إسلامية نقاشية على الإنترنت يرأسها شيوخ راديكاليون وذلك بشكل منتظم، إلا أنه على ما يبدو لم يكن على اتصال مع أي جهادي قط.
ويعتبر نائب رئيس الدائرة الاتحادية لحماية الدستور( جهاز الأمن الداخلي في ألمانيا) "أليكساندر آيسفوغل"، قضية"آريد" حالة نموذجية للتطرف الذاتي من خلال الإنترنت. فقد أشار في حوار له مع جريدة "فرانكفورتر ألغيماينه تزايتونغ" في هذا العام إلى أن المرء يعيش عصر ما يسمى بجهادية 2.0، كأحد البرامج الحهادية المفترضة على الشبكة. فالإنترنت يقوم في عالمنا الحالي بالدور الذي اقتصر سابقاً على رجال الدين والحلقات الدينية ومدارس القرآن على ممارسته، ألا وهو تعليم حلقة اجتماعية واحدة تقوم بالاتصال بمجموعات أخرى لتنقل بذلك تعاليم تلك المدرسة.
من الفاكس إلى الفيسبوك
ويُعد هذا التطور حديثاً نسبياً. وقد قام المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين بدراسة الدعاية الجهادية خلال الخمسة عشرة عام الماضية عن كثب لتنشر حديثاً خلاصة لهذه الدراسة. و رغم ذلك، فحتى مطلع الألفية الثالثة لم يكن دور الإنترنت كبيراً. فالقاعدة كانت ترسل إيضاحاتها عبر الفاكس أو تصور فيديوهات على كاسيتات ترسلها فيما بعد لقناة الجزيرة التلفزيونية. إلا أن العديد من المنتديات الناطقة بالعربية والمروجة للجهاد تزايد تأثيرها بعيد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.
ووفقاً للباحث في مجال الإرهاب المؤسسة الألمانية للدراسات الدولية والأمنية "غيدو شتاينبيرغ"، فقد ازداد البحث عن المنشورات المثيرة دينياً في الإنترنت ما بين 2003 و2008. من ضمنها فيديو قتل رجال الأعمال الأمريكي نيكولاس بيرغ عام 2004. و حتى ذلك الوقت، كانت المجموعات الإرهابية ذاتها من تنشر هذه الفيديوهات وفقاً للدراسة المذكورة سابقاً في برلين. وفي غضون ذلك، كثر الداعمون والمتعاطفون مع هذه المجموعات الذين كثيراً ما يقومون بالحديث في هذا الشأن. أما بالنسبة لناشطي هذه لجماعات، فكثير منهم أصبح في عداد الموتى أو في السجن. ومع تنامي استخدام الفيسبوك و التويتر في السنوات الماضية، تزايد استخدام الجهاديون للمواقع الاجتماعية. وبذلك تصل الدعاية الجهادية الصادرة من عدة دول إلى العالم أجمع.
من الدعاية إلى الإرهاب
انطلقت الدعاية الجهادية في الإنترنت عام 2005 عبر متعاطفين مع الجهاديين، حتى في الدول الناطقة بالألمانية. و طبقاً للخبير في شؤون الإرهاب "شتاينبرغ" في حوار له مع DWعربية، فلم يكن ناشرو هذه الدعايات على قدر من الاحترافية. و رغم أنهم أنتجوا عدداً لا بأس به من الفيديوهات المترجمة من العربية إلى الألمانية من أجل الوصول إلى جمهور أكبر، إلا أنه لم يكن من الصعب لدى المؤسسات الأمنية التعرف على منتجي هذه الفيديوهات.
فقد كان ممكناً إلقاء القبض على العديد من الأشخاص المؤثرين في إنتاج هذه الفيديوهات في ألمانيا في السنوات الماضية. إلا أنه كثيراً ما كان يتم استبدالهم وفقاً لشتاينبرغ. و من الأمثلة المهمة على ذلك، الجماعة المحظورة عام 2012 والمعروفة باسم "ملة إبراهيم"، حيث كان من الممكن ترحيل رؤساء هذه الجماعة، إلا أن استمرارهم بإداراتها كان محتملاً من خارج الأراضي الألمانية. و يعلق الخبير قائلاً:" هذا أمر يدعو للقلق بلا ريب، إذ يتم نشر هذه الرسائل عن طريق الإنترنت بشكل مستمر". إضافة إلى ذلك، فإن هؤلاء الجهاديين لا يكتفون بالدعاية، بل يسعون لتأسيس شبكات إرهابية.
الطريق الألماني الفريد
تطورت عملية تأسيس شبكات إرهابية في ألمانيا في السنوات الماضية بشكل لا يشابه غيرها من الدول. ولا ريب في أن عقبة اللغة لعبت في هذا المضمار دوراً مهماً، إذ كان من الصعب على الراديكاليين المتواجدين في ألمانيا فهم الرسائل والفيديوهات باللغة العربية، تبعاً للخبير في شؤون الإرهاب شتاينبرغ. ويعلل الخبير ذلك قائلاً:" إن المشهد الألماني متأثر بوضوح بمجندين من أصول تركية و كردية انضموا في أغلبية الأحيان إلى منظمات "أوزبكية" في السنوات اللاحقة".
وتعد هذه الحقيقة علامة فارقة للألمان لعبت على الأغلب دوراً في اللغة وفقاً للخبير، حيث تشترك اللغة الأوزبكية والتركية بالأصل اللغوي، إضافة إلى صلة القرابة العرقية بين الشعوب التركية في تركيا وأوزبكستان. وقد جذبت المنظمات الأوزبكية مثل "إتحاد الجهاد الإسلامي" و "الحركة الإسلامية الأوزبكية" العديد من الشباب المسلمين، نظراً لعدم تواجد حاجز اللغة. وتم إعداد هؤلاء الشباب في إطار هذه المنظمات للقتال.
محاربة التطور بأسلحة متطورة
تظهر حادثة "آريد أوكا" في مطار فرانكفورت بأسلوب شنيع، عدم الحاجة الدائمة إلى مخيمات تدريبية للقيام بعمليات إرهابية. فجل ما قام به كان الخضوع لسحر الدعاية الجهادية الناطقة بالألمانية. وهو ما لا يثير استغراب شتاينبيرغ، فيوضح:" أسلوب صناعة الدعاية زادت مهنية وإتقاناً". وتطورت الفيديوهات بشكل خاص، وهو ما صب في دعم التطرف وتسارع انتشاره.
ويعبر العالم النمساوي "نيكو بروشا" عن دهشته في الدراسة التي نشرها المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، فيقول: " من المثير للسخرية أن الجهاديين يستخدمون الوسائل الحديثة للتحاور من أجل القضاء على التطور". في حين يحذر الخبير في مجال الإرهاب "شتاينبرغ" من انتشار هذا التوجه، مبيناً:" إذا كان هذا التوجه هو التوجه المستقبلي، لا بد إذن من إعادة تنظيم محاربة الإرهاب كاملاً".
ولا يرى شتاينبرغ وجود حل كامل لهذه المعضلة، فهناك العديد من الأساليب الجيدة في هذا الشأن. إلا أنه يشير في دراسة المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية إلى أنه لم يتبقى في ألمانيا إلا بعض المئات من الجهاديين وبعض الآلاف من الداعمين والمتعاطفين. ولذا، فمن الممكن على سبيل المثال حث كبار شخصيات المشهد الجهادي في ألمانيا بعد انقضاض مدة سجنهم إلى التخلي عن الفكر الجهادي ، ليقوموا بدورهم بمحاولة إقناع الآخرين بعدم جدوى القتال المسلح وكونه طريقاً خاطئاً.