القبعات الزرقاء تغادر دارفور وسكانه متخوفون من البديل
٥ يناير ٢٠٢١بعد ثلاثة عشر عاما من التواجد في إقليم دارفور، انتهت قبل نحو إسبوع مهمة البعثة المشتركة للأمم المتّحدة والاتّحاد الإفريقي لحفظ السلام "يوناميد" في الإقليم السوداني، الذي اندلع فيه نزاع عام 2003، خلّف مئات الآلاف من القتلى وأكثر من مليوني مشرد.
وببداية العام الجديد 2021، يبدأ الانسحاب التدريجي للقوّات الدولية من دارفور ويمتدّ ستّة أشهر. بينما تتولّى الحكومة السودانيّة مسؤوليّة حماية المدنيّين في المنطقة، بحسب بيان للبعثة الأممية.
الميليشيات نشرت الذعر
غير أن سكان دارفور يخشون من تبعات هذا القرار، أحدهم هو موسى آدم، الذي يعيش في معسكر للاجئين في جنوب منطقة دارفور السودانية، والذي لخص أمام مراسل وكالة فرانس بريس ويلات الحرب التي كانت تدور رحاها هناك من "قتل جماعي وإحراق البيوت واغتصاب نساء وبنات قاصرات، بما في ذلك جميع الأشياء السيئة التي حصلت في معسكرات اللاجئين".
وجمال ابرهيم من نفس معسكر اللاجئين يتحدث كيف أنه أُجبر على مشاهدة كيف قام مقاتلون مسلحون باغتصاب أختين له. والمقاتلون كانوا يتنقلون على ظهر جمال وأضرموا النار في البيوت وقتلوا والده وعمه.
في عام 2003 تفجر في منطقة دارفور في غرب السودان نزاع دموي ظهرت بوادره في السابق. وحينها قلت المياه وكذلك أراضي الرعي وتخاصم رحل عرب مع مزارعين أفارقة حول الموارد. وعندما انتفض سكان دارفور من غير العرب، جندت الحكومة ضدهم ميليشيات عربية تلقت الدعم من الجيش وسلاح الجو. ومن بين تلك الميلشيات نذكر مقاتلي الجنجويد الذين عُرفوا بسلوكهم العنيف ضد المدنيين. ومنذ 2003 حسب الأمم المتحدة قُتل على الأقل 300.000 شخص وتعرض أكثر من 2.5 مليون شخص آخرين للتشريد.
وفي 2009 و2010 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أمري اعتقال ضد الرئيس السوداني عمر البشير بسبب جرائم ضد الإنسانية والقتل الجماعي في دارفور.
وبعد سقوط الرئيس البشير في أبريل/ نيسان 2019 بدأ فجأة حل سلمي ممكنا في الأفق. وعبد الله حمدوك، رئيس الوزراء الجديد في السودان زار قبل نحو سنة دارفور وتحدث في تجمع خطابي قائلا:" دعونا نخلق معا السلام في دارفور. لقد استمعنا باهتمام لممثليكم وأعدكم بأن الحكومة الانتقالية تأخذ طلباتكم على محمل الجدية".
وقبل نحو ثلاثة أشهر وقعت الحكومة الانتقالية ومجموعات متمردة سودانية في النهاية على اتفاقية سلام. وبعد التوقيع شدد عبد الفتاح البرهان، لواء الجيش ورئيس ما يُسمى المجلس السيادي في البلاد بالقول:" سننفد الاتفاقية في جميع بنودها. والحرب انتهت".
وعلى هذا الأساس قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مؤخرا وقف مهمة السلام في دارفور لكي لا تتجاوز عام 2020. وليس الجميع يرحبون بانتهاء مهمة القبعات الزرق. فمنظمة العفو الدولية حذرت من فراغ أمني في دارفور.
ضمان الأمن مهمة صعبة في دارفور
وفي هذا السياق أكّد وزير الخارجيّة السوداني المكلّف عمر قمر الدين أنّ قوّات من الشرطة ستنتشر في الإقليم. وقال قمر الدين لصحافيّين الخميس المنصرم "جارٍ نشر قوّات شرطة في الإقليم لتأمين المواطنين، على أن تكتمل عمليّة نشر القوّات آذار/مارس القادم".
وأضاف "تختتم بعثة اليوناميد اليوم مهمّتها في دارفور بعد أن مكثت بيننا ثلاثة عشر عامًا ساهمت في تحقيق الأمن والاستقرار. صحيح أنّه جابهت عملها بعض الصعوبات، لكن المحصلة النهائية جيّدة".
ونظّم عدد من المواطنين الذين شرّدتهم الحرب من منازلهم، احتجاجات للمطالبة ببقاء بعثة يوناميد. وفي مخيّم كلمه، أكبر مخيمات النازحين في الإقليم الواقع غربي البلاد وقرب مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، قال محمد عبد الرحمن وهو أحد الفارّين من منازلهم جرّاء النزاع لوكالة فرانس برس "على الأمم المتحدة أن تتراجع عن قرارها، من أجل حماية أرواح ودماء النازحين". وتساءل مندهشًا "لماذا لا تراجع الأمم المتحدة هذا القرار طالما الإنسان في دارفور مهدد". ويعتصم المئات خارج مقرّ بعثة اليوناميد في مخيم كلمه.
وتظاهر سكّان مخيم كلمه حاملين لافتات كتب عليها "نثق في حماية الأمم المتحدة للنازحين، ونرفض خروج يوناميد".
وفي تشرين الأوّل/أكتوبر، وقّعت الحكومة الانتقاليّة اتّفاق سلام تاريخيًا مع مجموعات متمرّدة بينها حركات كانت تقاتل في دارفور. لكنّ حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور والتي تحظى بدعم كبير في أوساط سكان المخيمات لم توقّع هذا الاتّفاق حتّى الآن.
ولا يزال الإقليم يشهد اشتباكات بسبب التناحر على موارد المياه والأرض بين الرعاة البدو العرب والمزارعين المنتمين إلى المجموعات المهمّشة.
ويتخوف عثمان أبو القاسم، أحد المقيمين في مخيم كلمه، من أنّ نهاية مهمّة البعثة قد تخلق "مشكلة كبرى لسكّان دارفور حيث تتركهم يواجهون خطر المزيد من العنف".
وقال أشرف عيسى المتحدّث باسم بعثة يوناميد لفرانس برس "نتفهّم مخاوف سكّان دارفور، خصوصًا النازحين والفئات الضعيفة، لكنّ الأوضاع تحسّنت بصورة كبيرة مقارنة مع السنوات الماضية". وأضاف "الآن مهمّة تعزيز الأمن والاستقرار في دارفور تقع على عاتق الحكومة الانتقالية والسودانيّين أنفسهم".
ومن المقرر أن تحل محل يوناميد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة الحكومة الانتقالية السودانية (يونيتامس). وتشمل مهمّاتها مساعدة الحكومة الانتقاليّة وبناء السلام وتعبئة الجهود لإيصال وتوفير المساعدات الإنسانيّة إلى من يحتاجها.
وعلى أثر الاشتباكات القبليّة التي وقعت الأسبوع الماضي، أعلنت السلطات السودانية نشر قوات للسيطرة على أعمال العنف، لكنّ كثيرين يشكّكون في الأمر.
وقالت انتصار عبد الله التي تبلغ 25 عاما "اذا عُهد بحماية النازحين إلى الحكومة السودانية، سيصبح الأمر كأنما سلّمت الدارفوريين إلى القوات التي ارتكبت في حقهم المذابح وعمليات الاغتصاب".
وقال محمد حسن أحد سكان مخيم كلمه "حتى الآن ليس هناك سلام شامل في السودان، وحتى يتحقق ذلك فنحن نعارض خروج يوناميد".
يورغن سترياك (قناة ايه آر دي الألمانية)/ أ ف ب/ م.أ.م