جماعة "الأمر بالمعروف"وصراع الأخلاق والمصالح في مصر
٢١ يناير ٢٠١٢أثار ظهور جماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جدلاً حاداً في المجتمع المصري، خاصة بعد أن ثبتت لاحقاً عدم تبعية هذه الجماعة للحركة السلفية، بعد إنكار حزب النور السلفي، الفائز بنحو 20 بالمائة من مقاعد البرلمان، علاقته بها.
الجدل المستمر حول هذه الجماعة يشكل نموذجاً مبكراً لصراع المخاوف على الحريات العامة في مصر، حرصت دويتشه فيله على البحث عن خلفياته، لاسيما في ظل تصميم تلك الجماعة على ما تسميه بضبط السلوك العام، ومع ما تصفه بالحديث المتواتر والمتناقض حول رؤية القوى الإسلامية لقضية منع الخمور و"أسلمة" السياحة في مصر.
منذ أن انتشرت أنباء ظهور جماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على النمط السعودي، يشعر سعيد بيومي، الذي يعمل نادلاً بمطعم سياحي في القاهرة بالقلق. ويوضح بيومي لدويتشه فيله أنه وبقية العاملين في المطعم باتوا يفكرون بمستقبلهم وبترتيب أوضاعهم حال تحقق تلك الأفكار، فالمطعم الشهير الذي يعمل به يحتفل بمرور 50 عاماً على افتتاحه في وسط العاصمة، وسيبدو – ومالكته الأجنبية – جزءً من تاريخ ولى.
وينعكس توتر سعيد أيضاً على طريقة تأمله للزبائن، فالشكوك من أن يقتحم المطعم شخص ما يوتر أجواء ضيوفه من مصريين وأجانب، تجعله يقسم الزبائن الجدد ويقيمهم بسرعة. وعلى الرغم من عدم تأثر مبيعات المشروبات الكحولية في المطعم بهذا المناخ، إلا أن قرار بعض المطاعم الشهيرة، التي تملك رخصة بيع الخمور، بمنع تقديمها يقلقه إجمالاً على السياحة في مصر، إذ من الممكن أن يقتصر تقديم الخمور مستقبلاً على الأجانب، كما يتوقع. ويضيف سعيد بيومي أنه شخصياً لا يمكنه أن يتصور أن توقفه هذه الجماعة في الشارع لتسأله عن علاقته بالمرأة التي يمشي معها، فقد تكون زميلته في العمل أو قريبة أو زوجته، معتبراً أن الثورة قامت كي تحمي حقوق الإنسان وتقلل من إهدار كرامته، أما أن يستوقفه شخص لسؤاله، وهو الملتزم بالدين، لمجرد الشك يعتبره "مهزلة".
"كذبة" تحليل الخمر
أما الكاتب والروائي محمد خير، صاحب أحد الأعمدة الهامة في جريدة التحرير، التي تناقش الأوضاع الاجتماعية في مصر، فيشرح، في حديثه لدويتشه فيله، ما يراه تغييباً متعمداً للحقائق في السجال الجاري حول تحريم الخمور، فالقوى الإسلامية من إخوان وسلفيين تتحدث عن تحليل الخمر في مصر، على الرغم من أن الوضع التشريعي لبيع واستهلاك الخمور يناقض ذلك.
فبيع واستهلاك الخمور في مصر محاط بأسوار من الإجراءات والقوانين التي تحرّمه ضمناً، بحسب خير، إذ إن القانون المصري لا يسمح لأي منشأة ببيع الخمور إلا برخصة خاصة مكلفة للغاية ويتم تجديدها من خلال إجراءات معقدة، مما يسهم في تحديد الأماكن التي تبيع الخمور. لهذا تكاد تخلو معظم المدن المصرية، باستثناء القاهرة والإسكندرية، من أماكن بيع الخمور. ثانياً، فإن تجارة الخمور هي الأعلى ضريبياً، ما يرفع من أسعارها مقارنة بالدول الأخرى، ويحد من شعبيتها كمنتج.
ويرى محمد خير أن القانون أيضاً يشترط بلوغ مستهلك الكحول، ومن يتواجد حتى في أماكن تقدم الخمور، سن الحادية والعشرين، إضافة إلى "تقييد فضائها بتخصيص عقوبة تتعلق بالأخلاق العامة تمنع شربها في الطريق، أو نقلها أو تعاطيها في المجال العام. فإذا ما وضع ذلك مع اعتبار المشرّع أن نسبة من المصريين هم أبناء ديانات لا تحرم شرب الخمر، ظهر للعيان أن الوضع القانوني لاستهلاكها يكاد يكون مجرماً إلا في أماكن محددة مرتبطة بالمجال السياحي".
السياحة الإسلامية ليست بديلاً
وفي هذا السياق يشير محمد خير إلى أن أزمة القوى الإسلامية في هذا الشأن مزدوجة، إذ إن تحريم الخمور بالشكل المطلق يعني تعديهم على حق الأقباط في تناولها، مضيفاً أنه "حتى لو قصروها على غير المسلمين والسائحين، فإنهم لا ينهون الطلب عليها، لأن أي سلعة محرمة لن يستفيد من تحريمها إلا تجار السوق السوداء والجريمة المنظمة، ناهيك عن أن الإسلاميين، بمحاولة أسلمتهم للنشاط السياحي عبر منع الاختلاط على الشواطئ ومنع بيع الخمور، لا يقدمون بديلاً لخسارة السائحين، فما أسهل أن يترك السياح بلداً تحد من حريتهم الشخصية لصالح تركيا أو لبنان أو معظم دول الخليج فيما عدا السعودية، خاصة وأن قانون الآداب العامة الخاصة بالطريق يطبق حتى علي السائحين في الوضع الحالي، فيجرم بالسجن والغرامة من ظهر في حالة سكر في الشارع، مصرياً كان أو أجنبياً".
وكان الأزهر والأخوان المسلمون قد أعلنوا عدم ترحيبهم بخطوة تلك الجماعة، فالأزهر، وفقاً لبيانه في هذا الشأن، أعلن أنه المرجعية الوحيدة والعليا ولديه لجنة إفتاء تتواصل مع الجمهور، وفنّد البيان الأصول الفقهية لوجود جماعة من هذا النوع. أما الأخوان فأعلنوا بحزم عدم اعترافهم بقانونية هكذا جماعة، فيما انقسم السلفيون بين مؤيد بشكل فردي، كما برز في رأي بعض الدعاة المحسوبين على التيار، ورافضين بشكل رسمي، مثلما فعل حزب النور.
ويقول محمد نور، المتحدث الإعلامي لحزب النور، في حوار مع دويتشه فيله، إن الحزب تقدم "ببلاغ ضد مؤسسي هذه الصفحة، لادعائهم أن حزب النور يقف خلف تمويلهم. موقفنا واضح أن الدعوة بالموعظة الحسنة هي طريقنا، وأن ظهور الحملة الهدف منه النيل منا وتشويه صورتنا، علماً بأن حزب النور السلفي تشغله الآن قضايا أهم، مع اقتراب انعقاد الدورة البرلمانية، فالبرلمان هو مكان التشريع الحقيقي".
الشرطة قد تتحول إلى هيئة أمر بالمعروف
ويصف الصحفي محمد خير رد المتحدث الإعلامي لحزب النور بالذكي، الذي يثبت أن الحركات السلفية تدخل مجال السياسة الحقيقية، فالسياحة هي المورد الاقتصادي الوحيد الذي يؤثر على حياة المصريين مباشرة، بعكس عائدات قناة السويس أو تحويلات المصريين في الخارج. وتوقع خير ألا يلجأ السلفيون في هذا الإطار مستقبلاً إلى فرض هيئة كالأمر بالمعروف والنهي علي المنكر على الطراز السعودي، بل سيحاولون "أن يجعلوا سلطة تطبيق هذا الضبط الاجتماعي الأخلاقي بيد الشرطة، فتتحول الشرطة المصرية إلى هيئة أمر بالمعروف بملمس مؤسساتي، رغم كونها تطبق فعلياً ما يشبه الأمر بالمعروف، فترسانة قوانين العقوبات تسمح للشرطي بتطبيق نصوص مطاطة أخلاقياً، خاصة فيما يتعلق بالآداب العامة. وما القبض منذ ثلاثة أعوام عن المجاهرين بالإفطار في رمضان إلا تطبيق لهذه النصوص، فالقانون فعلياً يسمح للشرطي بالتحكم في المجال الأخلاقي العام".
ربما يلجأ السلفيون للمزايدة علي الإخوان في هذا الشأن برلمانيا، لكنهم من الذكاء بحيث يقصرون تلك الضغوط علي قوانين أخري كالأحوال الشخصية وقوانين الخلع والحضانة، ولن يذهبوا للتضييق علي السياحة لأن تحالفهم مع العسكر كما يبدو سيحد من جموحهم المضر بأي شيئ يهدد الأقتصادر الريعي الذي يحميه العسكر.
هاني درويش - القاهرة
مراجعة: ياسر أبو معيلق