جعفر عبد الكريم: عندما يصبح المهاجرون ضد المهاجرين!
٦ يوليو ٢٠١٦كيف تنظر الجالية العربية في بريطانيا لنتائج الاستفتاء حول خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي؟ هذا ما أردت معرفته. ولهذا الغرض ذهبت إلى لندن. حاولت التحدث إلى أكبر عدد من الناس للحصول على انطباع جيد. ولكن ما سمعته هناك، فاجأني وأزعجني.
في العديد من المرات يقول لي بريطانيون من أصول مهاجرة عربية أن هناك الكثير من المهاجرين والأجانب في المملكة المتحدة، معظمهم من أوروبا الشرقية. وهو ما دفعهم للتصويت ضد بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي. وبدهشة أسأل: "لقد جئتهم أيضا إلى هنا كأجانب ولديكم أصول مهاجرة!؟" الجواب الذي أتلقاه هو أن الأمر مختلف تماما. فهم يعتبرون أنفسهم بريطانيين الآن. وإلى جانب ذلك فإن العرب، حسب رأيهم، هاجروا إلى بريطانيا بسبب الحرب في بلدانهم الأصلية. وعلى عكس ذلك فإن الأوروبيين الشرقيين يعيشون في ظروف جيدة في بلدانهم. وهذا فرق كبير، على حد تعبيرهم. أشخاص جاؤوا لطلب المساعدة في بلد أجنبي، يظهرون بشكل مبطن أو مباشر نوعا من العنصرية تجاه أناس يشاطرون معهم نفس المصير. مهاجرون يتحولون إلى معادين للمهاجرين!
قد يكون صحيحا أن العديد منهم كان يعيش في ظروف صعبة ويخاف الآن من فقدان الأمان. ولكن هذا الموقف فيه شيء خاطئ، وهو موقف أناني: أنا بخير، والآخر لا يهمُني. لا أستطيع أن أتفهم ذلك. ألا ينبغي على الناس الذين عايشوا تجارب مماثلة، أن يظهروا قدرا أكثر من التعاطف والشفقة تجاه المهاجرين؟
أعتقد أنني أعرف الكثير عن المهاجرين العرب. فأنا شخصيا ألماني من أصول عربية ومن واجبي المهني أيضا أن أتحدث معهم. كصحفي ومقدم برنامج فأن بعيد كل البعد عن أن تكون لدي أي إرادة للتعميم. ولكن تجربتي في لندن تتناسب مع ما أدهشني مرارا وتكرارا في بعض المحادثات التي أجريتها مع المهاجرين، سواء في الاستوديو أو مع بعض العرب في بلدانهم الأصلية. أعرف مسبقا أن الكثير - وخاصة المهاجرين – سيوجهون انتقادات للنص وسيكتبون على فيسبوك مثلا: "ولكن الأوروبيين عنصريون أيضا". ولكن هذا لا يجعل الأمور أحسن. العنصرية والتعصب دائما خطأ، بغض النظر عن من يمارسها.
في مراكز اللاجئين في برلين سمعت مرارا وتكرارا: "نحن هنا في مركز يقطن فيه لاجئون من أفغانستان أو مالي..ونحن لا نريد أن تكون لدينا علاقة مع هؤلاء الناس.." كما قال لي أحد اللاجئين السوريين: "ماذا تعتقد، هل نحن من الصومال؟"
وفي لندن قال لي رجل مصري بأن الأوروبيين الشرقيين يأخذون كل وظائفنا. وهو نفسه هاجر بحثا عن العمل في بريطانيا، حيث يعمل الآن كسائق أجرة.
أو عندما كنت مرة في الأردن: الكثير من الفلسطينيين الذين يعيشون أنفسهم كلاجئين في الأردن، يقولون اليوم: "لا نريد المزيد من اللاجئين السوريين في الأردن."
أو بعض السوريين الذين جاؤوا قبل بضع سنوات لألمانيا، قالوا لي: "يتعين على ألمانيا أن لا تستقبل المزيد من اللاجئين السوريين!"
وفي لبنان، كنت دائما أسمع: "ما العمل مع هذا الكم الهائل من السوريين؟" يبدو أن اللبنانيين نسوا أنه كانت لديهم حرب أهلية في بلادهم وهربوا لمختلف أنحاء العالم.
هذا التصنيف على أساس الدين، العرق أو الأصل، هو السبب وراء الوضع الحالي للدول العربية! والكثير يهربون بسبب ذلك. خاصة وأن الكثير من العرب يحددون هويتهم عبر انتمائهم لأمة أو دين معين. ولكننا جميعا بشر. وعندما أصنف شخصا وفق جنسيته أو عرقه فأنا أفعل عكس ذلك. حقوق الإنسان تسري على الجميع - في دولة القانون! ولكن هذا المبدأ لا يعرفه الكثيرون، لأنهم لا يعرفون ذلك من بلدانهم الأصلية.
سنة 2012 تم تتويج الاتحاد الأوروبي بجائزة نوبل للسلام، نظرا لالتزامه بالسلام والمصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان في أوروبا. وراء كل ذلك هناك فرصة عظيمة لرؤية العالم بشكل مختلف والتأكيد على قيم التسامح وبناء أرضية مشتركة والعمل الجماعي.
خاصة المهاجرين يجب ألا ينسوا أبدا مدى أهمية أن الآخرين أظهروا التسامح تجاههم. ولهذا أرى أنه من الخطأ تماما عدم إظهار التسامح مع الآخرين، خاصة في الفترة التي يكون فيها المرء في حاجة لذلك. أو عندما يكون الأطفال أو الأحفاد في حاجة لذلك. خاصة هؤلاء يجب أن تكون لهم المعرفة بقساوة الشعور بالتمييز أو التعميم. أشعر بالحزن والإحباط عندما أرى أن هؤلاء الناس، الذين يشعرون الآن بالأمان، لا يتعاطفون مع الأشخاص الآخرين الذين اتخذوا قرار أو اضطروا لاتخاذ قراربمغادرة أوطانهم وتركوا كل شيء وراءهم، بحثا عن بداية جديدة محفوفة بالمخاطر.
التضامن وتقبل الآخر: هذا ما نحتاج إليه، خاصة بين المهاجرين.
عن موقع Zeitonline