جدل وخلاف حول شرعية مراقبة الحدود بين "دول شنغن"
١٧ نوفمبر ٢٠١٩داخل منطقة شنغن بإمكان الأشخاص والبضائع التحرك بحرية عبر الحدود. وهذا الاتفاق المبرم بين 26 دولة عضو في "اتفاقية شنغن" والذي يشمل غالبية بلدان الاتحاد الأوروبي من شأنه خدمة الاقتصاد والأشخاص في التنقل بين هذه الدول.
مراقبة الحدود كانت مؤجلة لأحداث يمكن التنبأ بها
هناك قواعد واضحة تحدد متى وكيف يمكن لبلد عضو في اتفاقية شنغن، أن يدرج إجراءات مراقبة مؤقتة على حدوده. وقبل سنوات قليلة كانت هذه الإجراءات لإعادة المراقبة نادرة، في الغالب فقط أثناء مواعيد متوقعة مثل الأحداث الرياضية أو مؤتمرات سياسية: فالبرتغال مثلا أدرجت مراقبة الحدود أثناء قمة حلف الناتو في لشبونة أو الدنمارك خلال مؤتمر المناخ في كوبنهاغن. وهذا النوع من المراقبة يستمر في العادة بعضة أيام فقط ويتم برمجتها بشكل مسبق.
مراقبة طويلة الأمد
"لكن منذ أيلول/ سبتمبر 2015 تستغل بعض البلدان الإمكانيات القانونية المتاحة في اتفاقية شنغن من أجل توسيع مراقبة الحدود"، يقول خبير شؤون الهجرة إيف باسكو. وتقوم النمسا وألمانيا وسلوفينيا والمجر منذ خريف 2015 بمراقبة الحدود بسبب "تدفق كبير لأشخاص يبحثون عن الحماية الدولية". وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ذكر الهجرة كسبب لمراقبة الحدود. وبعدها بفترة قصيرة بدأت ست دول في منطقة شنغن تعتمد مراقبة الحدود لأوقات طويلة، وقد ذكرت النمسا وألمانيا والدنمارك والسويد والنرويج، أن الهجرة هي السبب. وفرنسا كبلد سادس أدرجت بعد الاعتداءات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 في باريس لأول مرة مراقبة الحدود، مبررة ذلك بالتهديد الإرهابي. واليوم بعد أربع سنوات لاتزال هذه البلدان الستة تراقب الحدود وتمددها كلما انتهت الفترة المحددة، ففي الـ 12 من نوفمبر/ تشرين الثاني بدأ تمديد جديد لمدة ستة أشهر.
"من 2015 حتى 2017 كان هناك أساس قانوني لهذه المراقبة"، يقول إيف باسكو، لكنها لم تعد منذ تلك الفترة تتوفر على أساس". والمادة 29 في اتفاقية شنغن هي الأساس القانوني لإدراج مراقبة تتجاوز الشهرين، وذلك عندما يكون هناك خلل كبير ومستمر في مراقبة الحدود الخارجية، يهدد عمل المنطقة بدون مراقبة الحدود الداخلية".
المراقبة لمدة سنتين كأقصى حد
وهذه القاعدة تعد آخر وسيلة في حالة ما إذا كان بلد على أطراف منطقة شنغن غير قادر على حماية حدوده الخارجية، وشكل ذلك تهديدا للدول الأعضاء الأخرى. وتسمح هذه القاعدة بمراقبة تستمر حتى ستة أشهر مع التمديد "ثلاث مرات كأقصى حد"، أما الآن فالمراقبة موجودة منذ أربع سنوات! وهذا لا يعني بأن الشرطة تتحقق من جوازات سفر الجميع الذين يعبرون الحدود. فألمانيا تراقب فقط بعض الممرات الحدودية مع النمسا. والحكومة السويدية توقفت عام 2017 عن مراقبة جميع المسافرين على الحدود الدنماركية السويدية وانتقلت إلى إجراءات مراقبة بالصدفة وبأنظمة مراقبة أوتوماتيكية.
توصية مجلس الاتحاد الأوروبي ضرورية
وإذا أرادت دولة عضو الاستشهاد بالمادة 29 هناك إجراءاة محددة يجب اتباعها والالتزام بها. فالدولة تطلب من مؤسسات الاتحاد الأوروبي إصدار توصية بإدراج مراقبة الحدود. ومجلس الاتحاد الأوروبي الذي يتكون من وزراء بلدان الاتحاد الأوروبي يعطي هذه التوصية والدول الأعضاء تلتزم بها. وهذا ما حصل بالتحديد عام 2016 في الـ 12 من مايو/ أيار، حيث أوصى مجلس الاتحاد الأوروبي النمسا والدنمارك وألمانيا والسويد والنرويج بتمديد إجراءات المراقبة لستة أشهر. والسبب كان يعود لتحقيق أجري على الحدود الخارجية اليونانية، كشف وجود نواقص في أمن الحدود. وحصلت اليونان على مجموعة إجراءات لتحسين الوضع. وفي الشهور التالية مدد المجلس توصياته لمراقبة الحدود حتى تحققت أقصى مدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 التي كانت ممكنة حسب القانون المعتمد.
الوضع سياسي، يقول خبير
ومنذ ذلك الحين واصلت البلدان الستة إجراءات المراقبة على مسؤوليتها الذاتية على أساس "الوضع الأمني في أوروبا والتهديدات الناجمة عن التحركات الثانوية". ولم تحصل فرنسا أبدا على توصية من المجلس، لكنها تقوم بمراقبة الحدود مع الإشارة إلى "التهديد الإرهابي المستمر".
"نحن الآن في وضع سياسي بحت وليس في وضع قانوني يعتمد على أدلة"، يقول إيف باسكو الذي أوضح أنه "يجب البحث عن تقييم قانوني مناسب للوضع الحالي أو يجب تغيير القواعد". والمفوضية الأوروبية أو دولة عضو بإمكانها نظريا الطلب من المحكمة الأوروبية العليا التحقيق في المسألة، إلا أن هذا لم يحصل إلى الآن.
وجوابا على السؤال: هل إجراءات المراقبة المتبعة حاليا قانونية؟ أشارت المفوضية الأوروبية إلى المادتين 25 و 26 من اتفاقية شنغن دون تفسير كيفية تطبيقهما على الوضع الحالي. فالمادتان المذكورتان تشكلان الإطار الأساسي لإعادة إدراج المراقبة، إذ أنه فقط تحت ظروف غير عادية حتى 30 يوما يمكن تمديدها حتى 6 أشهر إلا إذا ظهر وضع حسب المادة 29.
وألمانيا كانت البلد الأول الذي أعاد إدراج مراقبة الحدود في 13 سبتمبر/ أيلول 2015. والبرلمان الأوروبي غير موافق على تفسير هذه الدول لمواد اتقاقية شنغن التي تستند عليها لتمديد المراقية، "نعتقد أن الأمر يرتبط هنا بقرار سياسي وليس قانوني"، تقول تانيا فيون، النائبة في البرلمان الأوروبي والتي شاركت في إعداد تقرير البرلمان بشأن مراقبة الحدود. والبرلمان ندد بإجراءات المراقبة في مايو/ أيار 2018. والانطباع داخل البرلمان الأوروبي هو أن المفوضية لا تريد إحالة الدول الأعضاء إلى المحكمة الأوروبية العليا.
الهجرة غير الشرعية إلى ألمانيا أقل من 2014
وبغض النظر عن الجانب القانوني قالت وزارة الداخلية الألمانية لدويتشه فيله DW بأن مراقبة الحدود يتم بسبب "الهجرة ولأسباب أمنية". وتوضح الوزارة بأن القرار يعود للعدد الكبير للسفر بطريقة غير قانونية والمهربين الذين تم كشفهم على الحدود الألمانية النمساوية وطلبات اللجوء وموجة الهجرة عبر طريق شرقي البحر المتوسط.
لكن إحصائيات الشرطة الجنائية وتقارير الشرطة الاتحادية تفيد بأن هذه الأعداد انخفضت في الأثناء وهي دون النسب التي سُجلت عام 2014. وفي ألمانيا تم عام 2018 تسجيل أكثر من 30 ألف حالة سفر غير قانوني وهي نسبة مسجلة بين عامي 2013 و 2014. كما أن عدد طلبات اللجوء انخفض وكذلك عدد المهربين المعتقلين.
تراجع نسبة العبور غير القانوني للحدود الخارجية
ومنذ 2015 تم اعتماد سلسلة من الإجراءات لتعزيز مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي: فوكالة فرونتكس توسعت إلى شرطة لمراقبة الحدود والشواطئ الأوروبية، والاتحاد الأوروبي وتركيا وقعا عام 2016 على اتفاقية لخفض الضغط على اليونان كما تم تجهيز حدود منطقة شنغن بوسائل مراقبة ذكية. وهذه الإجراءات أدت إلى تراجع كبير في عدد الذين يعبرون الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بشكل غير قانوني.
وهل الوضع الحالي يعلل الإبقاء على مراقبة الحدود الداخلية؟ هذه مسألة تعود للجدل السياسي. وكيفما كان الحال فإن التساؤل يدور في بروكسل حول مستقبل اتفاقية شنغن. ونظرا لتحديات السنوات الأخيرة فإنه من المتوقع أن تخضع تلك القواعد للمراجعة. ففي سبتمبر/ أيلول 2017 اقترحت المفوضية تعديل المؤشر الحدودي لشنغن الذي من شأنه تمديد الفترة القصوى إلى ثلاث سنوات. والبرلمان الأوروبي من جانبه يريد تشديد القواعد المدرجة بحيث تبقى الفترة الزمنية القصوى في حدود سنة وكل تمديد يتجاوز ستة أشهر يتطلب تقييما للمفوضية. ويبدو أن مواقف الشركاء الأوروبيين متباينة في الوقت الحاضر، والمفاوضات تعثرت وبالتالي فإن مستقبل شنغن قاتم.
كيرا شاخت/ م.أ.م