جدل سياسي في ألمانيا حول مغزى الإجراءات الأمنية الجديدة
٢٢ أغسطس ٢٠٠٦أوقع الإعلان عن اكتشاف قنبلتين في احد محطات القطارات في ولاية نوردراين- فيستفالن الأوساط السياسية الألمانية في حالة من الرعب. فلم يسبق أن تحققت المخاوف الكامنة لدى أجهزة الأمن الألمانية من حصول اعتداءات إرهابية على الأراضي الألمانية، خصوصاً بعد تفجيرات لندن ومدريد. ورغم الارتياح، الذي ساد تلك الأوساط بعد اعتقال احد المدبرين لهذا الاعتداء، فإن السلطات الألمانية تجد نفسها مشغولة في مناقشة مدى فاعلية الإجراءات والتشريعات الأمنية المشددة المتعلقة بهذا الشأن في الحد من تكرار تلك المخططات الإرهابية. وحتى الساسة الألمان، الذين يرون في المحاولة الفاشلة بعداً جديداً من أبعاد التهديدات الإرهابية المحتملة، دعوا إلى تقدير سليم ومتأني لأبعاد تلك التهديدات. كما حذر الكثير منهم من المبالغة في ردود الفعل التي قد تضر "بثقافة الحرية السياسية"، وترمي بذلك الكرة في ملعب الإرهابيين.
ومن المؤكد أن إلقاء القبض على احد مدبري المحاولة الفاشلة يعد نجاحاً كبيراً للمؤسسة الأمنية الألمانية، ولكن هذه المؤسسة تجد نفسها أمام تحديات أخرى. فقد تبدأ هذه التحديات في إلقاء القبض على بقية المدبرين الآخرين وقد لا تنتهي بإيجاد منظومة أمنية تساعد في الكشف عن مثل تلك الاعتداءات والحد منها في الوقت المناسب، وذلك بهدف تفادي هجمات مماثلة لهجمات مدريد ولندن الدموية التي مازالت تشكل هاجساً للمواطن الأوروبي.
نرفع عدد كاميرات المراقبة ولكن...
شعرت الأوساط الأمنية والسياسية الألمانية لفترة من الزمن بأنها بمنأى نسبياً عن مثل هذه التهديدات المباشرة، اعتمادا على موقف ألمانيا من حرب العراق، بعد رفضت المشاركة في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة وبريطانيا للإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. لكن في ظل الكشف عن المحاولة الأخيرة بدأ الحديث عن اتخاذ إجراءات أمنية جديدة تتمثل بزيادة عدة كاميرات المراقبة في محطات القطارات والأماكن العامة وتخصيص مراكز لتجميع البيانات المتعلقة بمكافحة الإرهاب.
وعن إمكانية إجراء هذه الاحتياطيات الأمنية يرى كورت بيك، رئيس الحزب الاجتماعي الديمقراطي، أن حزبه مستعد من حيث المبدأ لتأييد فكرة زيادة عدد الكاميرات في الأماكن العامة ومحطات القطارات، ولكنه في الوقت نفسه يجد انه من الضروري "فحص الأمور بدقة وعناية"، رافضاً بذلك تحويل الحياة الألمانية إلى "فيلم رقابة" من خلال زرع الكاميرات في كل مكان. أما وزير الداخلية فولفغانغ شويبله، الذي يجد أن "التهديدات وصلت إلى مستوى جدي وخطير"، فقد طالب الأحزاب السياسية بسرعة الاتفاق على حزمة جديدة من تشريعات وقوانين مكافحة الإرهاب وزيادة عدد الكاميرات كأحد الحلول المقترحة، فقد كان لتلك الكاميرات الفضل في الوصول سريعاً إلى الخيوط التي تقود إلى المدبرين. أما رئيس كتلة الحزب في البرلمان الألماني لودفيج شتيغلر فيقف موقف المؤيد لهذا الإجراء بقوله: "على خلفية التطورات الراهنة يجب علينا تشديد الإجراءات الأمنية في محطات القطارات."ولكن شتيغلر يعتقد في الوقت نفسه انه من الضروري كذلك حل المشاكل المتعلقة بحماية البيانات المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتحديد الجهات المسؤولة عن الإطلاع مثل هذه البيانات. وقد لا يصطدم الجدل حول تجهيز جميع محطات القطارات الألمانية البالغة 5700 محطة بالتكاليف المالية الضرورية لمثل هذا الإجراء فحسب، بل بإيجاد تقييم واقعي لجملة الإجراءات المتخذة وفاعليتها كذلك.
"لا نريد تحويل ألمانيا إلى برنامج Big Brother"
بهذه العبارة اختصر يوهانس كارس، أحد نشطاء التيار المحافظ في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني موقفه من زيادة عدد كاميرات المراقبة من دون إيجاد شروط وضوابط هذا الإجراء الذي يعتبره كارس ايجابياً في مواجهة التهديدات الإرهابية المحتملة ضد ألمانيا. من جانبه عبر رئيس مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية الألمانية يورغ تسيركه عن موقفه الرافض لنصب كاميرات المراقبة في جميع محطات القطار التي يصل عددها إلى 5700 محطة بالإضافة إلى الأماكن العامة في ألمانيا. ويرى تسيركه انه "من غير المنطقي نصب كاميرا مراقبة في كل محطة قطار وباص". لكنه يشدد في الوقت نفسه على ضرورة نصب كاميرات مراقبة في الأماكن التي يسهل فيها مهاجمة البنية المواصلاتية". كما يتفق تسيركه مع الآراء التي تذهب إلى ضرورة تدخل الجيش الألماني في مهمات محددة هدفها مواجهة تهديدات إرهابية محتملة " عن طريق الجو والبحر." وحاله في ذلك حال الكثير من الساسة الألمان يرى تسيركه انه من الضروري إنشاء مركز لتجميع البيانات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، من اجل تحسين إمكانيات تبادل البيانات بين الشرطة والمخابرات الألمانية.
رجال أمن في القطارات الألمانية؟
يبدو أن هذه التهديدات أطلقت العنان لمخيلة الساسة الألمان في التفكير في إجراءات أمنية جديدة، فبعضهم لم يكتف بنصب كاميرات المراقبة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال مطالبته بوجود رجال أمن مسلحين على متن القطارات على غرار الرحلات الجوية. وقد يكون الخبير الأمني في الحزب المسيحي الديمقراطي كليمنيس بينينغر ليس أخر المطالبين بهذا الإجراء. لكن يبدو ان هذا المطلب مبالغ فيه، الأمر الذي دفع المستشارة الألمانية إلى رفضه، حيث انه لا يمثل "الرد الحقيقي على واقع التهديدات". كما انه من الصعب اتخاذ إحتياطات أمنية تشابه تلك التي يتم العمل بها في المطارات.
جدوى تشديد التشريعات الأمنية
قد تكون هناك بالتأكيد بدائل أخرى عن تشديد القوانين والتشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب بالشكل الذي لا يشكل ضغطاً على الحياة العامة في ألمانيا ويحد من الحرية الفردية التي تضمنها جملة من القوانين الدستورية الألمانية. ومن أجل التعرف على هذه البدائل إلتقى موقعنا بوزيرة العدل الألمانية السابقة سابينه لويتويسر شنارينبرغر المعروفة بمواقفها المدافعة عن حقوق المواطنة. وترى القانونية الألمانية من الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) انه من الضروري أن تكون الإمكانيات العملياتية المتاحة والتشريعات الموجودة كفيلة في مواجهة مثل هذه التهديدات. لكن من الضروري كذلك تقديم تقييم لجدوى التغييرات التشريعية في السنوات الخمس الأخيرة بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في واشنطن ونيويورك. كما يجب تحديد نوع الإجراءات التي أثبتت فاعلية طوال تلك الفترة وما هي الإجراءات التي أثبتت فشلها وأساءت تبعاتها إلى ملايين الأبرياء. ومن أهم هذه التبعات وفق قرائة السيدة شنارينبيرغر الإطلاع على الكثير من البيانات الشخصية للإفراد وتحركاتهم وأماكن أقامتهم. كما ترى السياسية المخضرمة أن هذه الجوانب يجب أن تأخذ مكانها على طاولة بحث سبل مواجهة التهديدات الإرهابية.