ثورة الكمبيوتر تنهي عصر "صناديق بطاقات" الأدباء والمفكرين
٧ أغسطس ٢٠٠٧"إذا ما أردت كتابة كتاب فإن صناديق البطاقات تكون حاضرة أمامي. إنها تضم ستين إلى ثمانين في المائة مما أريد أن اكتبه وأستطيع حتى القول كم من صفحة سيحتوي عليها الكتاب" (أرنو شميدت)
"يمكن تفسير قدرتي الإبداعية انطلاقا من نظام صندوق البطاقات. إن صندوق البطاقات يكلف جهدا أكبر من الجهد الذي تكلفني إياه كتابة الكتب" (نيكلاس لوهمان)
من يريد تذكر ما كتبه أو قرأه في حياته، فلا يمكنه أن يترك ذلك للصدفة، أو أن يجمعه بشكل غير منظم. فحتى كبار العقول لا يستطيعون ذلك. ولا عجب أن يلجأ كتاب مثل أرنو شميدت أو علماء اجتماع من قامة نيكلاس لوهمان إلى تسجيل أفكارهم في ذاكرة ثانية: صندوق البطاقات(الكارطات). ومنذ القرن السادس عشر والباحثون يحاولون تنظيم المعارف التي توصلوا إليها حول العالم. وقد عمدوا في البداية إلى تسجيل استنتاجاتهم على أوراق ملتصقة ببعضها البعض، لكن ذلك لم يمنحهم الوضوح الكافي، ولهذا طوروا صندوقا يضعون فيه أوراقهم أو بطاقاتهم بشكل أبجدي. وهكذا ظهر ما نسميه اليوم بصندوق البطاقات.
صندوق البطاقات: بين معارض ومؤيد
سخر الناقد الاجتماعي وكاتب الشذرة النمساوي كارل كراوس من نظام صندوق البطاقات نهاية القرن التاسع عشر، ومن أولئك الذين يؤلفون كتبا اعتمادا على هذا النظام. فالعبقري في رأيه لا يحتاج إلى وسيلة تساعده حتى يكتب أفكاره ولكن إلى إلهام، إلى قبلة من إلهة الفن. ولهذا كتب في إحدى شذراته ساخرا:
"من يكتب من أجل إظهار معرفة، يتوجب عليه أن يمتلك ذاكرة. إنه مجرد حمار. أما إذا استعمل المناهج الأكاديمية أو صندوق البطاقات، فهو إلى جانب ذلك مخادع". لا لم يكن الكتاب والعلماء الذين استعملوا صناديق البطاقات من جديد في القرن العشرين مجرد مخادعين كسالى. بل وبفضل نظام البطاقات هذا خلقوا أشكال حكي جديدة وسبلا جديدة في فن المونتاج الأسلوبي. وأحد أبرز هؤلاء الكتاب آرنو شميدث، أحد أهم الكتاب الألمان في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد أقدم على كتابة سبعمائة وخمسين بطاقة أو كارطا، بعضها يحوي ملاحظات حول محادثات، أخبار من الصحف، اقتباسات، أفكار عفوية، ليحول كل ذلك إلى قصة.
وحتى الشاعرة النمساوية الكبيرة فدريكا مايروكا، لم يكن لها لتكتب شعرا لولا نظام صندوق البطاقات، ففي بيتها تسود فوضى كبيرة، صناديق مختلفة، كارتونات أحذية، دفاتر وكتب، إنها تحتاج إلى نظام صندوق البطاقات، ليس كماكينة للكتابة كما هو الشأن لدى شميدث ولكن لكي تمسك بوضوح بناصية معرفتها، إن ذلك النظام بالنسبة لها نبع للإلهام، ومكان تجمع فيه أفكارها ونصوصها. ولا يجب أن ننسى في هذا السياق الكاتب فالتر كيمبوفسكي وأسلوب الكولاج الذي برع في استخدامه، وهو ما ظهر بوضوح في روايته التي تحوي ثلاثة ألاف صفحة.
الكومبيوتر ونهاية عصر صندوق البطاقات
جاء عصر الكومبيوتر ليضع حدا لتقنية صندوق البطاقات منذ بداية التسعينات، فالكومبيوتر أصبح يقوم بوظيفة تسجيل وتنظيم المعرفة. السرعة واقتصاد المكان هو القاعدة الجديدة، ولا يحتاج المرء لأكثر من نقرة على الماوس. ولكن حتى وإن استطاع الكومبيوتر أن يعوض نهائيا نظام صندوق البطاقات في هذا القرن إلا أن الذاكرة التقنية للكومبيوتر لا يمكنها أن تعوض القدرة الفنية للكاتب وفقط قدرة الكاتب الإبداعية من تستطيع أن تحول عالم الملاحظات، والاقتباسات والأفكار إلى مكتبة لانهائية.