ثورات واحتجاجات ـ قطار التغيير يجول في العالم العربي
١٩ فبراير ٢٠١١"الشعب يريد إسقاط النظام!" وصفة سحرية للتغيير في العالم العربي أخذت تنتقل من عاصمة عربية إلى أخرى. فهذا الشعار، الذي رفعه المتظاهرون المصريون وتكلل بالنجاح، بات مصدر رعب لجل القادة العرب. وحتى النسخة الملطفة منه أي: الشعب يريد إصلاح النظام، والتي رفعها بعض المتظاهرين العراقيين، تخيف الأنظمة العربية التي ترى في الإصلاح بداية النهاية لفك قبضتها الأمنية والسياسية وبالتالي نهايتها. وبعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية، أخذت الأنظار تتجه إلى دول أخرى، كاليمن وليبيا والبحرين، التي تشهد منذ أيام احتجاجات ومظاهرات شعبية عارمة وكأن شعوبها تريد إعادة إنتاج النسختين السابقتين.
وبالرغم من أن بعض الدول العربية بقيت حتى الآن في مأمن من هذه "الثورات والاحتجاجات"، يمكن القول إن العالم العربي يمر في "لحظات تاريخية مهمة جدا ستغير وجهه بالكامل"، حسب الباحث والمستشرق الألماني لوتز روغلر. ويضيف روغلر، الذي عايش الثورة المصرية يوما بيوم، في حوار مع دويتشه فيله بأن ما يحدث في العالم العربي في هذه الأثناء هو "نهاية لعصر الخوف وبروز وعي سياسي جديد بين شرائح واسعة في المجتمعات العربية". وهو ما ذهب إليه الكاتب والمحلل السياسي اللبناني المقيم في باريس زياد ماجد أيضا الذي يرى بأن انكسار حاجز الخوف هذا خلق فرصة "مقارعة الأنظمة المستبدة التي يستمر فيها الحاكم إلى الأبد ثم يحاول التوريث ونقل السلطة لأولاده حتى في الجمهوريات".
"عرش القذافي يهتز وفرص اقتلاع الاستبداد كبيرة"
ويضيف ماجد، في حوار مع دويتشه فيله، بأن العالم العربي يعيش "جوعا للحرية والكرامة. وهناك جيل جديد ناقم على الفساد والثروات غير المشروعة. وهذا الجيل الشاب المتصالح مع وسائل الإعلام الحديثة يعيش حالة صحوة نحو حقوقه الأساسية. ويعود الفضل في هذه الصحوة لكل من تونس ومصر". ويستشهد ماجد بما يحدث في هذه الأيام في كل من ليبيا واليمن والبحرين، وحتى في الأردن والعراق، للتدليل على صحة مقولته قائلا "وحتى نظام يستخدم العنف المباشر والمفرط على مدى عقود، كالنظام السوري، لن يكون بمنأى عما يحدث في العالم العربي في هذه الفترة".
أما الناشط الليبي علي زيدان فيعتقد أن "عرش القذافي أخذ يهتز وأن فرص اقتلاع الاستبداد في ليبيا كبيرة جدا رغم البطش الذي يواجه به النظام الليبي المظاهرات السلمية". ويضيف زيدان، عضو مجلس الأمناء في الرابطة الليبية لحقوق الإنسان، في حوار مع دويتشه فيله، بأن الفجوة بين النظام والشعب الليبي "كبيرة ومتعمقة والشعور بالغبن والضيم والاحتقار مترسخ في النفوس. لذلك خرجت الجماهير في بنغازي والبيضاء وغيرها من المدن الليبية مطالبة بإسقاط النظام". ويشدد زيدان على أن سياسة القبضة الحديدية وارتفاع عدد الضحايا "تعمق الجراح وتزيد عدد المشاركين في هذه الاحتجاجات المطالبين بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وإنهاء سيطرة القذافي وعائلته على مقادير الأمور في ليبيا".
المظاهرات والمظاهرات المضادة
ومنذ انتشار ما بات يعرف في مصر بـ"ظاهرة البلطجية" الذين اقتحموا ميدان التحرير في الثاني من الشهر الجاري على ظهور الجمال والخيول، أخذت الأنظمة العربية تنظم مظاهرات مؤيدة لها تواجه بها خصومها، أو ما بات يعرف بالمظاهرات المضادة، ولتظهر وكأن الصراع بين المواطنين من مشارب مختلفة. وهذا ما يحدث الآن في اليمن والبحرين وفي ليبيا أيضا إذ تدور مواجهات في عدة عواصم عربية بين غالبية المواطنين المطالبين بتغيير الأنظمة العربية وبين "بضع عشرات من شراذم من البشر ومنتفعين يرتبطون بالأنظمة العربية وأجهزتها الأمنية يستخدمون العنف ضد المتظاهرين المسالمين"، حسب كلام مصطفى اللباد مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية بالقاهرة.
ويضيف اللباد، في حوار مع دويتشه فيله، بأن هؤلاء الذين يخرجون إلى الشوارع في "مظاهرات معدة ومحبوكة بدقة لا يعكسون تأييدا شعبيا بقدر ما يعكسون العقلية الأمنية التي تسيطر على الأنظمة العربية". ويستشهد اللباد بالتجربة المصرية قائلا "رغم كل محاولات النظام وبلطجيته فإن الدم انتصر أخيرا على السيف". أما الناشط الليبي علي زيدان فيشدد على أن الشعب الليبي بمختلف فئاته يقف ضد "دكتاتورية القذافي وأن من يشارك بالمظاهرات المؤيدة للنظام ما هم إلا بضعة عسكريين مأمورين وميليشيات حرس الزعيم الليبي بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المرتزقة الأفارقة المأجورين الذين استقدموا لضرب المتظاهرين الليبيين".
وبالرغم من أن الباحث المصري مصطفى اللباد يقلل من شأن المظاهرات المؤيدة للأنظمة العربية وبأن المشاركين فيها لا يشكلون في أحسن الأحوال أكثر من واحد في المائة من السكان، هناك من يحذر من خطر هذه الظاهرة على حركات التحول الديمقراطي. إذ يرى الباحث اللبناني زياد ماجد أن "الانقسامات العمودية في بعض الدول العربية كالبحرين ولبنان، وحتى سوريا، يمكن أن تخلق ظروفا تستفيد منها الأنظمة في تحويل الثورات الديمقراطية إلى نوع من الصراعات الأهلية". لكن "مهما حاولت هذه الأنظمة ومهما كانت الانقسامات فإن قطار التغيير وصل إلى العالم العربي ولن يتمكن أحد من إيقافه"، حسب تعبير مصطفى اللباد.
أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي