تأملات ألكسندر كلوغه في "ثقب الألواح الصلبة"
٣١ يوليو ٢٠١٤
يقدم الكاتب الألماني ألكسندر كلوغه تأملات فلسفية وسياحة تاريخية في صيغة حكايات سياسية بعضها عن "مهنة" السياسي الأشبه بعملية إحداث ثقب في لوح صلب وبعضها يفسر لماذا تكون المجتمعات البشرية "دائماً.. في حاجة ضرورية" لحاكم أكثر قسوة لمنع وقوع حروب أهلية.
ويقول الكاتب الألماني إن على الحاكم "التصدي لمثل هذه الحروب (الأهلية) وإلا أصبح بمثابة أداة لا قيمة لها فهو يتعين عليه ترويض القسوة... ما يدفعه في بعض الأحيان أن يكون أشد قسوة من رعاياه". ويسجل أن الفيلسوف البريطاني توماس هوبز (1588-1679) درس تاريخ الحروب الأهلية في بريطانيا وهو يتأمل هذا المعنى "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" وهو ما انتقده آخرون بعد نحو مئة عام.
ويقول كلوغه في كتابه "ثقب الألواح الصلبة.. 133 حكاية سياسية" إن الصديقين الاسكتلنديين آدم سميث (1723-1790) وديفيد هيوم (1711-1776) خالفا هوبز انطلاقاً من كون الإنسان كائناً اجتماعياً سياسياً، وليس دقيقاً تشبيهه بالذئاب التي تتسم حياتها "بالشر والخطورة" وإن كانت تتعاون معاً بدون دستور ينظم علاقاتها.
ويسجل قول سميث وهيوم أن الإنسان إذا تعرض للعدوان يكون أكثر تركيزاً من الذئب عشرات المرات ويصبح "بمثابة حيوان مفترس قادر على اصطياد فريسته" ولكنه رغم ذلك يحتفظ بسمتين بارزتين لا تتمع بهما الذئاب "على الإطلاق" وهما الموضوعية والتعاطف مع الآخر.
وفي مقدمة الكتاب يفسر المؤلف اختياره لعنوان "ثقب الألواح الصلبة" بالإحالة إلى وصف الألماني ماكس فيبر (1864-1920) للسياسة بأنها مهنة تتلخص في أنها "ثقب قوي وبطيء في ألواح صلبة بتفان وحسن تقدير ودقة في الوقت ذاته" وهكذا تحتاج هذه المهنة إلى كثير من المراس والذكاء. ويتفق المؤلف أيضاً مع الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926-1984) في تعريفه للسياسية بأنها "امتداد للحرب لكن بوسائل أخرى".
رؤية غربية استشراقية
وكلوغه الذي ولد عام 1932، درس القانون والتاريخ والموسيقى وعمل في المحاماة ثم درس السينما على يد المخرج فريتس لانغ ونال جوائز في الإخراج منها جائزة الفيلم الألماني عام 2008 حسبما جاء في كلمة الناشر على الغلاف الأخير للكتاب.
ولكن الرؤية الغربية الاستشراقية توجه المؤلف في الحكم على بعض الوقائع التاريخية، ومنها قيام سليمان الحلبي -وهو طالب سوري عمره 23 عاماً كان يدرس في الأزهر بالقاهرة- بقتل الجنرال كليبر الذي تولى في مارس/ آذار 1800 قيادة جيش الاحتلال الفرنسي في مصر بعد عودة نابليون إلى فرنسا.
إذ يقول كلوغه إن الحلبي احتال على كليبر وطعنه في صدره ثلاث طعنات، فقضت محكمة عسكرية بإعدامه على "الخازوق" هو وثلاثة من مدرسيه في جامعة الأزهر بحجة أنهم عرفوا أمره ولم يبلغوا سلطات الاحتلال، حيث وضع جسد الشاب على عمود مسنن "خازوق" اخترق أحشاءه "وتحمل العذاب بشجاعة وثبات... أصاب رد الفعل.. الجلادين بخيبة أمل"، إذ كانوا يريدونه أن يبكي ويصرخ.
لكن المؤلف لا يتعاطف مع الحلبي ولم يذكر أن الحكم تضمن أيضاً حرق يده اليمنى، ويسجل أن مراجعة للحكم أجريت لاحقاً من قبل محكمة قضائية عسكرية انتقدت "الطريقة البربرية في تنفيذ حكم الإعدام".
ويعلق كلوغه على الواقعة وكأنه يتهم الشاب دون أن يذكر حقه في مقاومة جيش الاحتلال، فيقول "بقي جسد ذلك المتطرف الأصولي معلقاً في هواء الصيف أياماً ثلاثة. لاحقاً قام رئيس الجراحين لاري باستخلاص العمود الفقري من كل قطع اللحم والطفيليات والميكروبات. في أثناء إجلاء الفرنسيين عن مصر عني الجراح باصطحاب الهيكل العظمي في خزينة خشبية إلى فرنسا وحفظت رفات الجاني الشهير في حديقة النباتات بمتحف تاريخ الطبيعة في باريس".
ع.ج/ ع.غ (رويترز)