تونس – رئيس منتخب أم رئيس توافقي بين الأحزاب؟
٣ أغسطس ٢٠١٤في شرحها لمبادرة " الرئيس التوافقي" أوضحت النائبة عن حركة النهضة الإسلامية في المجلس الوطني التأسيسي يمينة الزغلامي لـDW /عربية أن تلك المبادرة لن تشكل بديلا للديمقراطية ولصوت الناخب، غير أنها تعتبر أن التقاء عدد من الأحزاب ضمن جبهة موحدة حول مرشح واحد لمنصب الرئاسة هو إجراء يدخل في صلب الديمقراطية ومعمول به في الديمقراطيات العريقة.
وأكدت الزغلامي أن الأهم في المبادرة هي المعايير التي حددتها حركة النهضة الإسلامية بشأن التوافق حول أي مرشح، بما في ذلك أن يكون حريصا على حماية الثورة والحرية والديمقراطية.
لا تزال المبادرة في طور النقاش، حيث أكد حزب النهضة في وقت سابق أنه بصدد التفاوض مع 27 حزبا بهذا الشأن. وتشير الزغلامي أن الحركة تأخذ بعين النظر احتمال تعثر هذه المبادرة، وقد تلجأ في نهاية المطاف إلى دعم مرشح خارج نطاق التوافق أو أن تقوم بترشيح أحد قيادييها للانتخابات.
مواقف متحفظة
في الوقت الذي لم تفصح فيه غالبية الأحزاب عن موقفها الرسمي تجاه المبادرة، عبرت بعض الأطراف بشكل مبكر عن تحفظاتها من فكرة ترشيح "رئيس توافقي"، إما لحسابات سياسية أو التزاما بمبدأ الانتخاب عبر صناديق الاقتراع.
في حديثه مع DW /عربية يوضح ناجي جلول العضو بحزب حركة نداء تونس أن حزبه لا يرفض التوافق بشكل مطلق لكنه وضع شروطا لذلك. من بين ذلك ضرورة وجود نقاش أوسع يشمل أيضا باقي الاستحقاقات الانتخابية وليس الرئاسية فقط. ويستدرك جلول بأن التوافق "لا يجب أن يلغي العملية الانتخابية".
الرأي الشائع لدى عدد من الأحزاب في تونس هو أن مقترح النهضة قد يصبح عمليا نوعا من اقتسام مسبق للسلطة. وفي هذا الشأن يوضح جلول بأن حزبه يدعم فكرة التوافق لكن في أعقاب ما قد تفرزه صناديق الاقتراع.
وعلى الرغم من التباعد الفكري بين الحزبين الكبيرين، النهضة ونداء تونس بشأن النموذج المجتمعي في البلاد، ، فإن ناجي جلول لا يستبعد أن يكون هناك توافق في الرئاسية وفي سلطة الحكم في حال إن أفضت الانتخابات المقبلة إلى شلل سياسي. "من حيث المبدأ كل شيء ممكن. نفضل أن نحكم مع أحزاب تنتمي إلى العائلة الديمقراطية، وعند وجود أزمة فلا مفر من التوافق وتشكيل حكومة وحدة وطنية، كما يحدث في الكثير من الدول الديمقراطية ومن بينها ألمانيا".
كثيرا ما يعبر الساسة في تونس عن فخرهم بنجاحهم في التقدم بتجربة الانتقال الديمقراطي في بلادهم من خلال اعتمادهم استراتيجية "التوافق عبر الحوار والتفاوض" والتي جنبت البلاد في أكثر من مرة الانزلاق إلى الفوضى والحرب الأهلية، حيث تم تشكيل حكومة كفاءات مستقلة لحكم البلاد في مرحلة انتقالية إلى حين إجراء الانتخابات في وقت لاحق من العام الجاري والتي ستنقل البلاد إلى وضع المؤسسات الدائمة.
يعتبر النائب أيمن المزوغي عن تيار المحبة الذي أحدث مفاجأة مدوية في انتخابات عام 2011 بحصوله على المرتبة الثالثة خلف حركة النهضة وحزب المؤتمر، في حديثه مع DW /عربية، أن اللجوء إلى "التوافق" لتقديم مرشح للرئاسة "سيفتح الباب على مصراعيه لتدخلات ذات مصالح خارجية وداخلية ضيقة، فضلا عن انه قد يصبح التفافا على السلطة ونسفا للقيمة الرمزية التي تمثلها الإنتخابات كأهم أداة في العملية الديمقراطية".
وعبر أيمن المزوغي عن اعتقاده أن مبادرة "الرئيس التوافقي" تحد من مستوى رغبة الناس وحماسهم في التسجيل عن طيب خاطر في سجل الناخبين، لأن قيام الأحزاب مسبقا باختيار الرئيس سيفرغ أصوات الناخبين من محتواها.
وعلى الرغم من تراجع عدد نواب الحزب في المجلس الوطني التأسيسي فهو يؤكد أن تيار المحبة قادر على منافسة حركة النهضة الإسلامية أو غيرها من الأحزاب في السباق الرئاسي من خلال العودة إلى البرنامج الانتخابي الذي يطرحه الحزب على الناخبين. ورغم ذلك فإن الحزب الذي يملك اليوم بالمجلس التأسيسي سبعة مقاعد فقط ، شأنه شأن الكثير من الأحزاب الصغيرة ذات التمثيلية المحدودة، سيصطدم ولاشك بعوائق إدارية وقانونية في السباق على الرئاسة.
حسابات سياسية وعوائق تنتظر الأحزاب الصغيرة
القانون الانتخابي يشترط عند الترشح للانتخابات الرئاسية وجود تزكية من طرف عشرة نواب من المجلس التأسيسي أو عشرة آلاف ناخب، شريطة أن يكون توزيعهم على عشر دوائر انتخابية، وألا يقل عددهم عن 500 ناخب من كل دائرة انتخابية، أو الحصول على موافقة 40 من رؤساء المجالس البلدية.
ويوضح الأستاذ الجامعي والخبير في القانون الدستوري قيس سعيد لـDW /عربية بأن مبادرة "الرئيس التوافقي" لا تطرح مشكلة قانونية بل إنها ترتبط بخيار سياسي. ويرى الخبير وجود إشكالية في التوافقات غير المتوازنة خصوصا إذا "اجتمعت أحزاب لها تمثيلية واسعة وقاعدة جماهيرية وأحزاب أخرى ناشئة لم يمض على ظهورها سوى بضعة أشهر ولا تملك حتى تمثيلية نيابية". كما يتخوف الخبير من أن يصبح المرشح التوافقي مدينا في قراراته للجهة التي وقفت خلف ترشيحه وليس للناخبين من خلال صناديق الاقتراع.