تونس تخشى انتقال حمى "داعش" إلى أراضيها
٢٧ يونيو ٢٠١٤هناك تخوفات في تونس من إمكانية انتقال ظاهرة "داعش" (تنظيم الدولة الاسلامية في الشام والعراق) إلى تونس وباقي أطراف المغرب العربي، خصوصا مع وجود تشابكات في المواقف الإيديولوجية بين التنظيمات الارهابية داخل وخارج المنطقة.
في حديث له مع DW /عربية عبر الدكتور نصر بن سلطانة مدير المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل عن اعتقاده أن هناك ما يبرر التخوفات من انتقال ظاهرة "داعش" إلى منطقة المغرب العربي. ويرى الخبير أن هناك تداخل فكري وعقائدي بين مختلف الجماعات الإرهابية التي تنشط داخل القطر الواحد وبين مثيلاتها في الخارج. ويتجلى هدفها الاستراتيجي الأساسي في القضاء على الدولة المدنية وإقامة الدولة الدينية. وحسب رأيه فإن هذا التداخل يساهم في تبادل الدعم بين أطرافها، رغم وجود صراعات جانبية، تبرزمن حين لآخر بين تلك التنظيمات.
ويوضح الدكتور نصر بن سلطانة أن العديد من الجهاديين التونسيين ينشطون في تنظيمات في الخارج مرتبطة بالقاعدة، وقد شارك العديد منهم في حروب خارجية إلى جانب تنظيمات دينية متشددة، مثلا في العراق وأفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك.
تونس منجم للجهاديين
وزارة الداخلية التونسية أكدت بالفعل أن 2400 جهاديا تونسيا ينشطون ضمن كتائب إسلامية في سورية. ثمانون بالمائة منهم في تنظيم "داعش" والبقية في صفوف جبهة النصرة. من جهته كشف المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية أن 14 تونسيا قاموا بتنفيذ عمليات انتحارية في العراق خلال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل الماضيين.
مع ذلك لا يبدو أن الخطر الأكبر قادم من الخارج وحده إذ يوضح بن سلطانة أن الإرهاب داخل تونس وجد أرضية خصبة وأمكن له أن يتغذى من عدة عوامل منها بالخصوص العفو التشريعي العام وحرية النشاط الدعوي للتيارات المتشددة مقابل تراخي السلطة، وتوظيف المنابر الدينية بهدف التسويق للفكر المتشدد والحث على العمل المسلح داخل تونس وخارجها بالإضافة إلى الدعم السياسي والمالي الكبير الذي وجدته هذه الأطراف داخل تونس.
ويلاحظ الخبير بن سلطانة أن الوضع الإقليمي والدولي ساهم بدوره في تغذية الإرهاب من خلال تهريب الأسلحة من ليبيا وتوفير معسكرات تدريب أوتكوين شبكات لتسفير المستقطبين عبر الحدود وتجنيدهم، دون إغفال الدور المهم الذي تلعبه شبكة الإنترنيت وما تنشره من أفكار عبر مواقع متشددة.
أي استراتيجية لمكافحة الارهاب
كانت تونس قد تلقت ضربات قوية من جماعات مسلحة، لعل أكثرها جرأة الهجوم المسلح الذي استهدف مقر إقامة وزير الداخلية، أحد رموز السيادة في مدينة القصرين في 28 آيار/مايو الماضي، والتي خلفت أربعة قتلى في صفوف الأمن وقبلها في شهر تموز/يوليو من العام الماضي لقي تسعة جنود مصرعهم بعد انفجار كمين بجبل الشعانب.
ورغم ذلك تختلف المواقف بشأن تقييم مدى الخطر الحقيقي الذي تمثله الجماعات المسلحة على كيان الدولة، كما تختلف المقاربات والاستراتيجيات بشأن كيفية التصدي للإرهاب. وقد دفع ذلك بالمنظمات والأحزاب السياسية إلى الدعوة لعقد مؤتمر وطني لمناهضة الإرهاب بينما يعكف النواب بالمجلس الوطني التأسيسي على مناقشة قانون مكافحة الإرهاب وسط نقاشات حول كيفية تأمين استراتيجيات فعالة للتصدي للإرهاب مع مراعاة المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان في نفس الوقت.
ضرورة الاستفادة من التتجارب
مع تأييده لمقترح الرئيس المنصف المرزوقي بالعفو على المسلحين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، دعا النائب نجيب مراد من حركة النهضة الإسلامية في لقاء مع DW /عربية إلى الاستئناس بعدد من التجارب الدولية في مكافحة الإرهاب والتطرف مثل تجربة ايرلندا الشمالية في معالجة الصراع الديني بين الكاثوليك والبروتستانت وتجربة اسبانيا في احتواء الحركة الانفصالية بإقليم الباسك وتجربة الحكومة الباكستانية في التحاور مع طالبان، حتى يمكن وضع حد لسفك الدماء.
كما أشار النائب إلى تجارب عدد من الدول العربية وفي مقدمتها تجربة الجزائر مع قانون الوئام الوطني بعد حرب طويلة ومكلفة في مواجهة الإرهاب وذلك من خلال إعادة إدماج الآلاف من المسلحين اللذين نزلوا من الجبال وسلموا أسلحتهم إلى السلطة.
ويضيف مراد قائلا "يجب أن نعرف أين تكمن مصلحة البلاد وعلى السياسي أن يستبق الأحداث ويطرح حلولا فكرية وسياسية عبر تنظيم ندوات ومؤتمرات بمشاركة مختصين في علم الاجتماع وعلم النفس والإجرام والعلوم السياسية وإطلاق مبادرة وطنية في هذا الاتجاه".
العفو بشروط
ويعلق المحلل السياسي والخبير في الحركات الإسلامية صلاح الدين الجورشي في حواره مع DW /عربية قائلا: "أحد العناصر في إستراتيجية مكافحة الإرهاب يقوم على إعادة إدماج من قام بمراجعة مواقفه داخل تلك الجماعات المسلحة وتخلى عن العنف".
ويوضح الجورشي قائلا: "لست ضد مبدأ إصدار العفو كآلية يمكن للدولة استعمالها، لكن يجب أن نبحث عن التوقيت المناسب لمنح العفو، انطلاقا من وعي حقيقي بأشكال الصراع ومستوياته، حتى نتمكن من استخدام كل آلية في سياقها وظروفها الملائمة".
ويشدد الدكتور رضوان المصمودي مدير مركز الإسلام والديمقراطية في تعليقه لـDW /عربية على ضرورة إيجاد أرضية تفاهم مع الجماعات الدينية المحافظة. ويقول المصمودي "يجب أن نفهم الأسباب التي تدفع بالشباب للاندفاع نحو مثل هذه التيارات، ثم يجب أن نتحاور معه بأساليب علمية وبيداغوجية بهدف إقناعه، مع العمل على إشراك شيوخ السلفية العلمية التي تنبذ العنف والإرهاب والاقتتال وتختلف مواقفها عن مواقف السلفية الجهادية".