تونس تحت الصدمة ـ تعبئة عامة لمواجهة الإرهاب
١٩ مارس ٢٠١٥لم يكن يدور بخلد التونسيين بأن الإرهاب سيطل برأسه وسط المدن ويقض مضجعهم، كما حدث مع الهجوم الدموي الذي استهدف متحف باردو التاريخي والمحاذي لمقر البرلمان حيث كان نواب الشعب يعقدون جلسات عملهم. يأتي هذا في وقت لم تكن الجراح والآلام التي أحدثتها عمليات اغتيال السياسيين شكري بلعيد والنائب محمد البراهمي قبل عامين قد اندملت بعد.
ومع أن مشاعر الذهول والخوف كانت طاغية حينما كان العالم كله شاخصا على أحداث باردو إلا أن رد الفعل في الشوارع وبعد ساعات قليلة، جاء ليعكس حالة من الغضب مع إعلان حالة من التضامن والتحدي والدعوة إلى التعبئة لمواجهة الإرهاب.
مسيرة مناهضة للإرهاب
سمية مرزوقي، التي تقطن بجهة باردو وتفاعلت بسرعة مع الأحداث حيث شاركت في مسيرة مناهضة للإرهاب وسط العاصمة، تقول لـDW عربية "أقنعت نفسي بأننا تجاوزنا العملية بأخف الأضرار وكان يمكن أن يسقط المئات من القتلى وكان يمكن أن تحدث انفجارات في باردو وعندها تكون الكارثة أسوء". وأضافت سمية "يجب أن أقنع نفسي أيضا بأن ما حدث في فرنسا وروسيا واستراليا لم يقض على الحياة وعلى السياحة. يجب ألا نمنحهم الفرصة لضرب معنوياتنا لأننا الحياة ونحب هذه البلاد أكثر منهم".
والمسيرة المناهضة للإرهاب التي جابت شوارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، أعطت انطباعا بأن تونس دخلت بالفعل في مرحلة جديدة في محاربة الإرهاب تستدعي وحدة وطنية وسياسية وقدرة أكبر على التصدي للمخاطر التي تهدد الديمقراطية الناشئة.
وقال سفيان البرهومي، وهو أستاذ يدرس في معهد ثانوي بجهة أريانة، وكان من بين المشاركين في المسيرة بشارع الحبيب بورقيبة "لم يعد هناك خيار الآن. بلغنا أقصى مراحل الخطر في مواجهة الإرهاب يجب أن نتوحد وأن نلقي بكل الخلافات جانبا خلال هذه المرحلة".
ولا يختلف رأي الشاب مهدي العموري، الذي يقطن بمدينة سليمان التي شهدت أبرز الهجمات الإرهابية قبل سنوات تحديدا عام 2006 ، عن رأي سفيان البرهومي لكنه يضيف أيضا لـDW عربية "بأن العملية الإرهابية هي محاولة لإجهاض النموذج الديمقراطي الناجح في تونس، لأن هذه التنظيمات لا تنشط إلا في ظل توفر مناخ الفوضى".
"الزلزال" ـ تونس ومخاوف الانزلاق للفوضى
وطبعت هذه الفكرة عناوين أغلب الصحف التونسية التي دعت إلى الوحدة الوطنية وإلى نبذ الخلافات السياسية تحضيرا لمواجهة أقوى وأنجع ضد الإرهاب. كما نوهت إلى أن البلاد دخلت منعرجا جديدا في الحرب على الإرهاب في ظل الهجوم النوعي وغير المسبوق من حيث الحصيلة، وهي الأعلى في تاريخ البلاد. كما أن الانزلاق إلى الفوضى هو ما تطمح إليه الجماعات الإرهابية.
وفي حين وصفت جريدة "السور" العملية الإرهابية بـ "الزلزال"، رأت صحيفة "الشعب" الناطقة باسم الاتحاد التونسي العام للشغل أن "استهداف السياح فيه غايات كثيرة أولها تحد للبرلمان المنتخب ونوابه وثانيها تاريخ تونس".
وعلى الرغم من حالة الحماسة التي طبعت ردود الفعل الشعبية للتصدي للإرهاب، فإن ذلك لم يكن ليحجب حالة القلق الكبرى من التداعيات المحتملة على الدولة في المقام الأول وعلى المستوى الأمني والاقتصادي وبشكل خاص السياحي في مرحلة ثانية.
ويعتبر المحلل الأكاديمي خالد عبيد أن وضع الدولة في تونس بات على المحك وأن الوضع قد يصبح أكثر خطورة في حال الاستمرار في الاستهانة بالحرب الحقيقية التي تردت فيها البلاد واستمرار الثغرات في الاستراتيجيات المتبعة للتصدي للجماعات الإرهابية. ويضيف عبيد في تعليقه "ليس كافيا أن تبدي السلطة إرادة سياسية في مقاومة الإرهاب بل عليها أن تبدي عزما حقيقيا ومستمرا في ذلك وأن تقنع التونسيين بأنهم يخوضون حربا ويواجهون عدوا بات بينهم ولم يعد مجرد خطر".
مخاوف من "انهيار القطاع السياحي"
ومع أن حجم التداعيات ليس واضحا حتى الآن بعد هجوم باردو، إلا أنه من السهل ملاحظة القلق الذي بدأ يدب في صفوف المسؤولين والمستثمرين في القطاع السياحي الحيوي لاقتصاد البلاد قبل أسابيع قليلة من انطلاق ذروة الموسم السياحي في حزيران/ يونيو. هذا القلق عبر عنه بوضوح عفيف كشك، مدير المرصد التونسي للسياحة. كشك توقع هبوطا حادا في الحجوزات الخاصة في فصل الصيف، وربما بانهيار حاد للقطاع في حال ظهرت ضربات إرهابية أخرى.
وتابع كشك أن القطاع لن يتعافى قبل سنوات إلى أن ينسى العالم أحداث باردو مثلما حصل بعد هجمات معبد الغريبة في جزيرة جربة عام 2002.
بدوره يوضح المحلل السياسي والمتابع للشؤون الأمنية نور الدين المباركي لـ DW عربية أن هناك قلقا مزدوجا جراء هذا الهجوم الإرهابي. فهو سيضفي، من جهة، المزيد من الإرباك على الحكومة التي تواجه وضعا اقتصاديا واجتماعيا صعبا نتيجة الإضرابات القطاعية وتدني مؤشرات النمو. ومن جهة أخرى، يعتبر الهجوم تحولا شبه نوعي في نشاط الجماعات الإرهابية يضاف إلى ذلك تداعيات الوضع المعقد في الجارة ليبيا.
ويستبعد المباركي أن تتجاوز الأحزاب السياسية خلافاتها السياسية بسهولة، بيد أنه يرى أنه أصبح لزاما عليها التوحد حول حد أدنى وتجاوز مبدأ التنديد والاستنكار إلى ملتقيات فعلية ملموسة.
وفي تقدير الكثير من الخبراء فإن لا شيء يمكن أن يضمن نهاية لما يحصل من أحداث إرهابية بدأت تأخذ منحى أكثر خطورة، خصوصا مع إعلان المسؤولين بوزارة الداخلية عن عودة أكثر من 500 جهادي من القتال في سوريا أغلبهم يمثلون قنابل موقوتة.