تونس: انتقادات لاذعة للإجراءات المتخذة ضد المهاجرين
٢١ أكتوبر ٢٠٢٤اختار خبراء الأمم المتحدة لغة واضحة فقالوا في بيان صحفي إنهم تلقوا "تقارير صادمة" من تونس حول انتهاكات لحقوق الإنسان ترتكب ضد المهاجرين غير النظاميين واللاجئين الوافدين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك الاغتصاب والإبعاد القسري، حسبما كتبوا في بيان.
وجاء في البيان، الذي نُشر في وقت سابق من الأسبوع الماضي، أن السلطات التونسية تقوم "بمناورات خطيرة في اعتراض المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في عرض البحر". كما يستخدم خفر السواحل ضد المهاجرين، في الدولة الواقعة بشمال أفريقيا، العنف الجسدي، بما في ذلك الضرب، والتهديدات باستخدام الأسلحة النارية، وافتكاك المحركات والوقود، وانقلاب القوارب.
"ضرب وتهديد بالأسلحة"
وتشمل تلك التقارير بشكل خاص عمليات البحث والإنقاذ ونقل المهاجرين الضحايا، بما في ذلك الأطفال والنساء الحوامل، نحو المناطق الحدودية الصحراوية مع ليبياوالجزائر ووضعهم أمام مخاطر الجفاف وضربات الشمس وسوء التغذية، وتهديدهم بإطلاق النار في حال عودتهم.
ووفق بيانات المنظمة فقد في الفترة بين يناير/كانون الثاني وتموز/يوليو من العام الجاري 189 مهاجرا حياتهم أثناء عبور البحر و265 شخصا أثناء عمليات الاعتراض في المياه، بينما يعد 96 شخصا في عداد المفقودين أو ضحايا لعمليات إبعاد قسري.
ولفت البيان إلى قلق الخبراء بشأن تزايد الجماعات الإجرامية المتورطة في الاتجار بالبشر وتقارير عن عنف جنسي بما في ذلك اغتصاب المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس. وقال الخبراء في إحاطتهم "تلقينا تقارير تشير إلى اعتداءات جنسية واستغلال للأطفال واغتصاب للنساء وفتيات لا تتجاوز أعمارهن 10 سنوات في المناطق الحدودية". وأفادوا بأنهم أجروا اتصالات مع السلطات في تونس والاتحاد الأوروبي بشأن هذه الادعاءات. وتابعوا أنه على الرغم من الادعاءات الخطيرة، فإن تونس لا تزال تعتبر مكانا آمنا بعد عمليات البحث والإنقاذ في البحر، وأن التعاون مستمر بعد إبرام مذكرة التفاهم بشأن شراكة استراتيجية وشاملة مع الاتحاد الأوروبي، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ).
وقَّعَ على البيان المقررون الخاصون بالأمم المتحدة المعنيون بالاتجار بالبشر والعنصرية وحقوق المهاجرين ومحامو حقوق الإنسان، حيث يتم تكليف هؤلاء كخبراء مستقلين من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة لمراقبة حالة حقوق الإنسان، ولكنهم لا يتحدثون باسم الأمم المتحدة نفسها.
وحتى الآن لم تصدر السلطات التونسية بياناً ترد فيه على استفسار من دويتشه فيله. وفي الماضي كانت الحكومة التونسية قد رفضت مراراً وتكراراً هذه الادعاءات، لكن الناشطين في مجال حقوق الإنسان يثيرونها الآن بشكل شبه منتظم، وقبل عدة أسابيع، دعا الاتحاد الأوروبي تونس إلى التحقيق، لكن دون جدوى حتى الآن.
ويشير تقرير الخبراء إلى فرضية أن السلطات التونسية تتخذ إجراءات ممنهجة ضد المهاجرين على عدّة مستويات، ويقول إنه بذلك تتم إعاقة عمل منظمات الإغاثة. وفي ضوء هذه "الادعاءات الخطيرة"، بحسب التقرير، انتقد الخبراء الاستمرار بتصنيف تونس على أنها "بلد آمن" من قبل الاتحاد الأوروبي.
وازدادت صرامة هذه السياسات الموجهة ضد المهاجرين بشكل كبير في عهد الرئيس قيس سعيّد، الذي أعيد انتخابه مؤخراً، والذي يوصف من قبل منتقدين أنه يحكم بطريقة استبدادية ويقيّد الحقوق الديمقراطية بشكل متزايد. وكان سعيّد بدوره قد أدلى مراراً وتكراراً بتعليقات تعتبر مهينة بحق المهاجرين، الأمر الذي جعل من قضية الهجرة قضية مهمة وملحّة تشغل بال الناخبين التونسيين.
شهادات لمهاجرين تؤكد الادعاءات
تحدثت دويتشه فيله (DW) مع بعض اللاجئين في تونس، الذين سردوا حكايات وأحداثا تؤكد في جوهرها بيان خبراء الأمم المتحدة. وقال أحد اللاجئين من بوركينا فاسو، لا يريد الكشف عن اسمه علناً، إنه عند اقتراب مجموعته بقاربهم من الساحل التونسي، قامت سفينة السلطات الأمنية برسم دوائر قريبة بشكل خطير منهم لمحاولة إغراقهم. وأفادَ أيضاً أنه في وقت لاحق، صادرت الشرطة الهواتف المحمولة للاجئين في أحد المخيمات، وصادرت طعامهم أكثر من مرة، وأضاف: "حظرت الشرطة استخدام البطانيات، وفي النهاية، دمروا أماكن إقامتنا".
مهاجر آخر من غينيا، يريد عدم الكشف عن هويته، روى لدويتشه فيله أحداثاً مشابهاً. وأفاد في مقابلة معه أن مجموعته تعرضت لهجمات متكررة، متمثلة باقتحام أماكن إقامتهم وسرقة هواتفهم المحمولة وأموالهم وكل ما يملكون.
تونس تنفّذ اتفاقية الهجرة مع الاتحاد الأوروبي
أبرمت تونس في يوليو/ تموز عام 2023 اتفاقية الهجرة مع الاتحاد الأوروبي بعد زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين للبلاد. وعلى هذا الأساس نصَّ الاتفاق على تقديم مساعدة شاملة من الاتحاد الأوروبي لتونس، بالإضافة إلى 105 ملايين يورو لحماية حدودها من الهجرة غير النظامية، وتشمل مهامها، من بين أمور أخرى، خفر السواحل وإعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.
وبالتالي فإن هدف توتس هو الحدّ من تدفق المهاجرين غير النظاميين نحو الشاطئ الشمالي للبحر الأبيض المتوسط وإظهار التزامها بمذكرة التفاهم الشاملة مع الاتحاد الأوروبي، بحسب رمضان بن عمر، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان من "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية". وأضاف بن عمر في مقابلة مع DW: "يجب ألا ننسى أن تونس تلقت مساعدات إيطالية وأوروبية على شكل معدّات وتكاليف وقود للعمليات البحرية لعامي 2024 و2025".
انتقادات من منظمات حقوق الإنسان
ولطالما تعرّض التعاون بين الاتحاد الأوروبي وبين تونس أو حتى بين دول بمفردها من الاتحاد وبين تونس في مجال مراقبة الهجرة لانتقادات شديدة من قبل منظمات حقوق الإنسان.
فهذا "يساهم في انتهاكات حقوق الإنسان"، بحسب ما جاء في بيان نشرته العديد من منظمات الإغاثة، بما في ذلك منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، مطلع أكتوبر/تشرين الأول. وجاء في البيان أن "السياسة الأوروبية المتمثلة في إسناد إدارة الحدود إلى تونس تدعم السلطات الأمنية التي ترتكب انتهاكات خطيرة".
ويقول البيان إن التعاون مع تونس الذي طالبت به ودعمته المفوضية الأوروبية "ينطوي على خطر انتهاك حقوق الإنسان بدلا من ضمان سلامة المهاجرين في البحر". كما تذكر منظمات حقوق الإنسان حالات تستدعي الانتقاد لعمليات قامت بها السلطات، تشبه الادعاءات التي قدمها خبراء الأمم المتحدة.
ومن جانبه قال رمضان بن عمر إن المهاجرين عانوا أيضاً من إجراءات أخرى غير قانونية في تونس، كما أن تونس تستخدم حلولاً أخرى منذ شهر أغسطس/ آب عام 2023، مثل الترحيل التلقائي للمهاجرين عند عودتهم بحرا إلى الحدود مع ليبيا والجزائر.
وفي نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، كان قد علّق متحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي، رفض الكشف عن اسمه، على هذه الادعاءات، وقال لمنصة الإنترنت "يوراكتيف" (Euractiv): " كشريك لتونس نتوقع أن يتم التحقيق بشكل مناسب في هذه الحالات"، وأضاف أن الاتحاد الأوروبي يعتزم تشكيل بعثة مراقبة مستقلة في تونس هذا العام للتحقق مما يجري هناك.
الاعداد للعربية: م.ج/ ص.ش