توغل إسرائيل في الجولان.. تقليل من فرص اتفاقيات تطبيع جديدة؟
٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، أثارت التحركات العسكرية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية الكثير من القلق.
وفي تعليقه على سقوط نظام الأسد، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، "انهيار" اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974 بين إسرائيل و سوريا.
وقال نتنياهو إن خطوة الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة مؤقتة، لكن في منتصف ديسمبر/ كانون الأول، عقد اجتماعا أمنيا على جبل الشيخ في الجولان حيث سيطرت قوات إسرائيلية مؤخرا على منطقة حدودية عازلة.
وأكد نتنياهو أن قوات بلاده ستبقى في المنطقة "حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل".
ويتوقع ألا ترى حكومة سورية جديدة بعد المؤقتة التي تتولى السلطة حاليا النور حتى مارس/ آذار المقبل.
توغلت القوات الإسرائيلية مؤخرا في المنطقة العازلة التي توجد فيها قوات الأمم المتحدة، كما سيطرت على مناطق خارج المنطقة العازلة، من بينها قمة جبل الشيخ (جبل حرمون) والجانب السوري من الجبل الاستراتيجي.
يمتد جبل الشيخ بين سوريا ولبنان ويهيمن على مرتفعات الجولان التي احتلت إسرائيل معظمها في عام 1967 قبل ضم المنطقة الخاضعة لسيطرتها في عام 1981 في خطوة لم تعترف بها سوى الولايات المتحدة في الولاية الأولى للرئيس المنتخب دونالد ترامب.
ويعتبر المجتمع الدولي، باستثناء الولايات المتحدة، هضبة الجولان جزءًا من سوريا مع اعتبار احتلال إسرائيل لها غير قانوني.
وتصاعد القلق الدولي إزاء التوغل الإسرائيلي في أعقاب تصريح صدر عن نتنياهو قال فيه إن إسرائيل سوف تستثمر في البنية التحتية في مرتفعات الجولان.
وتهدف الحكومة الإسرائيلية إلى مضاعفة عدد السكان الذين يعيشون في مرتفعات الجولان والبالغ عددهم في الوقت الراهن 50 ألفا. ويشكل اليهود الإسرائيليون نصف سكان الجولان فيما يشكل الدروز، الذين يعتبرون أنفسهم سوريين رغم حملهم الإقامة الإسرائيلية، النصف الآخر من السكان.
في المقابل، أدان قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، رئيس هيئة تحرير الشام، التحركات الإسرائيلية العسكرية، بيد أنه قال في المقابل إن دمشق "ليست بصدد الخوض في صراع مع إسرائيل".
وفي السياق ذاته، توجهت الحكومة السورية المؤقتة إلى مجلس الأمن الدولي لتقديم شكوى ضد التوغل العسكري الإسرائيلي.
لماذا توغلت إسرائيل في الجولان؟
أثار التحرك الإسرائيلي في الجولان تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل تهدف إلى توسيع مناطق سيطرتها أم أنها ترغب في بناء منطقة عازلة جديدة تكون خاضعة لسيطرتها على غرار المنطقة العازلة على حدودها مع لبنان أو المنطقة العازلة المخطط إنشاؤها على حدود غزة أم أن الأمر ليس سوى خطوة مؤقتة؟
وعقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، دأبت إسرائيل على شن غارات داخل سوريا قالت إنها تستهدف وقف نقل الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله.
ويشير مراقبون إلى أن مصدر هذا التهديد قد انتهى في ضوء أن إيران وحزب الله كانا من أقوى الداعمين لبقاء الأسد في السلطة وخاضا معارك ضد مقاتلي هيئة تحرير الشام، لذا من غير المحتمل عودة الوئام إلى العلاقات مع حكام سوريا الجدد.
وتعتبر دول عديدة حزب الله، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية من بينها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كمنظمة إرهابية.
وفي ذلك، قال جمال الصغير، الذي عمل سابقًا مديرا في البنك الدولي، "بالنسبة لإسرائيل، كأقوى جيش في المنطقة، كان من السهل أن تشرع في التوغل في هذه المناطق في ضوء الاضطرابات والوضع الانتقالي في سوريا وتركيز القائد الجديد على القضايا الداخلية الأساسية للبلاد".
وفي مقابلة مع DW، أضاف الصغير، الأستاذ بمعهد الدراسات التنموية الدولية في جامعة ماكجيل الكندية، "عودة الأمور إلى سابق عهدها سيكون من الصعب".
وقال إن حكام سوريا الجدد في حاجة إلى الكثير من الوقت لتوطيد الحكم وإعادة بناء حكومة جديدة وتحديد أولوياتها الفورية، مضيفا "عندما تتمكن الحكومة الجديدة من تحقيق ذلك، سوف تطرح قضية سيادة سوريا على الطاولة".
ويرى يوسي ميكلبرغ، الزميل الاستشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمركز "تشاتام هاوس"، أن كلمة "مؤقتة" تمثل بيت القصيد.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "الشيء المؤقت قد يتحول بمرور الوقت إلى خطوة دائمة ثم يصبح احتلالًا يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق مقاومة وليس علاقات حسن الجوار".
ورغم ذلك، يتفق على أنه يجب أخذ مخاوف إسرائيل الأمنية على محمل الجد، مضيفا "على عاتق إسرائيل مسؤولية تأمين حدودها، لكن ليس من خلال إنشاء احتلال دائم أو الانخراط في اعتداء عسكري".
وقال إنه في حالة إناطة مسؤولية تأمين الحدود إلى قوات الأمم المتحدة، فمن الممكن أن يستقر الوضع.
مرتفعات الجولان على طاولة المفاوضات؟
عربيا أثارت التحركات العسكرية الإسرائيلية الجديدة حملة إدانات واسعة. فقد أكدت السعودية على "ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وأن الجولان أرض عربية سورية محتلة".
وفي تعليقها، قالت سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، إن "توسيع إسرائيل وإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لا يجد ما يبرره على الإطلاق داخل الدول العربية".
وقالت في مقابلة مع DW إن إسرائيل لا تقر بأن هذه السياسة تقلل من فرص اندماجها بشكل أكبر مع بلدان الشرق الأوسط.
وخلال رئاسة دونالد ترامب الأولى، مهدت "اتفاقيات أبراهام" الطريق أمام إقامة علاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
لكن عقب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، توقفت مفاوضات التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
ومع ذلك، لا يعتقد سامي حمدي، مدير شركة "إنترناشونال إنترست" للاستشارات الدولية ومقرها لندن، أن تعرقل التحركات العسكرية الإسرائيلية الجديدة داخل سوريا سواء أكانت مؤقتة أم دائمة من فرص التطبيع المحتملة بين إسرائيل والسعودية.
وقال إن قضية السيادة السورية على مرتفعات الجولان لن يتم طرحها على طاولة المفاوضات، مضيفا "سوف تظل مطالب الرياض ثابتة ألا وهي إبرام معاهدة أمنية مع واشنطن على غرار الاتفاقيات المبرمة مع دول الناتو بما يتضمن حماية السعودية ضد إيران وتقديم المزيد من الدعم للإصلاحات الاقتصادية في إطار رؤية 2030 ودعم حصول الرياض على التكنولوجيا النووية".
وشدد على أن "حتى قضية قيام (دولة فلسطينية مستقلة) لن تكون عاملا رئيسيا في مفاوضات التطبيع بين السعودية وإسرائيل".
أعده للعربية: محمد فرحان