توظيف النزعات الطائفية يزيد من تعقيد الأزمة السورية
٢٦ فبراير ٢٠١٣على مدى عقود من الزمن ظلت الطوائف الدينية المختلفة في سوريا تعيش في سلام جنبا إلى جنب. لكن الحرب الأهلية الدائرة حاليا في سوريا أفرزت هوة كبيرة بين هذه الطوائف. وتحذر منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في تقاريرها الأخيرة الخاصة بالعنف في سوريا من تنامي توظيف العنصر الديني في النزاع السوري.
يعيش في سوريا خليط من الأعراق والطوائف الدينية. ثلاثة أرباع السوريين الذين يقدر عددهم بـ 22 مليون نسمة هم مسلمون سنة، في حين تبلغ نسبة المسيحيين حوالي 10 في المائة وهي نفس نسبة العلويين بالإضافة إلى بضع مئات الآلاف من الدروز والشيعة واليزيديين. وبسبب إضفاء الطابع الطائفي الدينيي على الأزمة السورية زادت أيضا التوترات العرقية بين العرب الذين يشكلون الأغلبية وبين الأكراد الذين تترواح نسبتهم في سوريا بين 10 إلى 15 في المائة.
ويقول القسيس أديب عوض بأن المسحيين، مثل معظم السوريين، طالبوا بالإصلاحات منذ بداية الاحتجاجات المناهضة لنظام الأسد. لكن ومع بداية الثورة المسلحة بدأ الكثير من المقاتلين الأجانب يتوافدون على البلاد من بينهم متشددون إسلاميون. ويضيف عوض في حديث مع DW بأن الكثير من المسيحيين، خاصة في القرى، أصبحوا بعد ذلك يتعرضون للترويع والطرد. أما المدن الكبرى باستثناء حلب فلم يتم استهداف المسيحيين فيها.
الموقف من النظام انطلاقا من الانتماء الديني
يرى الخبير السويدي المختص في الشؤون السورية هارون لوند، بأنه يتم الحكم على الكثير من الناس في سوريا في موضوع الموالاة للنظام من عدمه انطلاقا من انتمائهم الديني. لذلك يتم تصنيف السنيين على أنهم معارضون بسبب أن معظم الثوار هم من السنة. بالمقابل ينظر للعلويين بشكل عام بأنهم من أنصار النظام بسبب أن الأسد والكثير من أركان نظامه ينتمون للطائفة العلوية بما في ذلك الشبيحة. ويزداد حجم العداء والكراهية في حال ارتكاب هذه الملشيات فظائع في قرى سنية.
وحسب عوض فإن الأغلبية العظمى من المسيحيين تقف في صف النظام في دمشق ويقول موضحا أن "سوريا الدولة العلمانية الوحيدة من بين الدول العربية المجاورة، التي توفر للمسحيين ظروف عيش أفضل". ويخشى أتباع الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية من استيلاء الإسلاميين المتطرفين على الحكم في سوريا. وهو الأمر الذي جعل المسحيين، على حد قول عوض، يدعمون الحكومة والجيش السوريين.
الخارج يلعب أيضا دورا رئيسيا في تأجيج الصراع الطائفي في سوريا. فحزب الله اللبناني وإيران الشيعيين يدعمان النظام السوري، في حين تدعم دول الخليج المحافظة الثوار السنة.
الاسم أو الحي قد يفصح عن الانتماء الديني للشخص
ولايجد السوريون عناء كبيرا في تحديد الانتماء الديني للشخص. وغالبا ما يفصح اسم الشخص أو المنطقة التي يسكنها عن انتمائه الديني. ويقول لوند بهذا الخصوص "الناس يعلمون بأن هذا الحي أو ذاك تقطنه غالبية سنية أو علوية، كما يعرفون أيضا الأحياء المؤيدة للنظام أو المناهضة له".
تقارير الأمم المتحدة تحدثت عن عشرات التفجيرات وقعت في أحياء تسكنها أقليات دينية أو في أماكن قريبة من المواقع الدينية. ولم تكن لهذه العلميات أي أبعاد عسكرية وإنما كان الغرض منها هو تأجيج التوترات الدينية. كما تم رفض معالجة المرضى والجرحى في الكثير من المناطق بسبب انتمائهم الديني. وحسب التقارير ذاتها، فإنه في الكثير من الأحيان لا يجرؤ بعض المرضى على الذهاب للمستشفيات الحكومية خوفا من الاعتقال والتعذيب بسبب دينهم.
الأفاق المستقبلية للأقليات السورية تختلف من طائفة إلى أخرى. فمستقبل العلويين مرتبط جدا بالنظام. فهذه الطائفة تخشى من الانتقام والاستهداف في حال سقوط نظام الأسد. أما الدروز الذين لايزال معظمهم، حسب تقدير الخبير السويدي لوند، يدعم الحكومة السورية فإنهم" قد ينفصلوا إذا سقط الأسد ويحاولوا أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم". كما يتردد أيضا بأن يتردد الأكراد في شمال البلاد قد يطالبوا بالاستقلال الذاتي في حالة انهيار نظام الأسد. وهو أمر غير مطروح بالنسبة للمسيحيين بسبب تفرقهم في مدن وقرى مختلفة في سوريا.
ويتشبث القسيس عوض بأمل توصل الحكومة السورية لاتفاق مع المعارضة السلمية. ويشيد بموقف المفتي الأعلى الذي دعا إلى أن يعيش كل السوريون بسلام وأمن رغم اختلاف معتقداتهم. غير أن الواقع على الأرض يؤكد عكس ذلك. و يتوقع لوند بأن يستمر الصراع الطائفي في سوريا ويشبه الوضع الحالي بما شهدته لبنان والعراق في بعض مراحل أزمتها. ويوضح بهذا الصدد "الجماعات الدينية والجهادية مثل القاعدة يمكنها أن تتغذى من مثل هذه الأوضاع. فهي تصبح أكثر قوة عندما تكون هناك حرب بين طوائف دينية مختلفة".