توسع مجلس التعاون ـ ناد للمَلكيات لمواجهة إيران وعدوى الثورات؟
١٢ مايو ٢٠١١في خطوة مفاجئة أعلن مجلس التعاون الخليجي أنه شرع في بحث إمكانية توسعه باتجاه الأردن والمغرب، الأولى بناء على طلب قبل 10 سنوات، والأخرى تلقت دعوة الانضمام للمجلس، ليصبح عدد الدول الستة المشكلة للمجلس مرشحاً للزيادة إلى ثماني دول، لا يجمع بينها سوى نوع النظام الملكي. الكثير من التساؤلات أُثيرت حول هذه الخطوة، ففي الوقت الذي أبقت فيه منظومة الدول الخليجية الأبواب موصدة لسنوات طويلة أمام انضمام دول مطلة بالفعل على الخليج نفسه وقريبة جغرافيا ومهمة استراتيجيا مثل اليمن والعراق، تسعى الدول العربية الخليجية الآن بشكل غير متوقع إلى التوسع باتجاه دولتين لا تطلان على الخليج نفسه، في تحد واضح لعامل الجغرافيا والجوار والعمق الإستراتيجي، إذ "ليس هناك أي مبدأ قانوني أو جغرافي يمكن أن يبرر دخول المغرب والأردن إلى مجلس التعاون الخليجي، سوى أنهما يتشابهان مع دول المجلس الخليجية بأنها أنظمة ملكية وبالتالي سيتحول إلى مجلس للملكيات العربية، يتعارض مع الجمهوريات"، كما يرى حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف. ويشير عبيدي في حوار مع دويتشه فيله إلى أن ما يقوي نزعة اتجاه دول الخليج نحو دول ملكية هو تجاهلها لطلب انضمام اليمن، "الذي يعد الأقرب لها ثقافياً وجغرافياً باعتبارها امتداد إقليمي وأمني لهذه الدول، خصوصاً وأنه تقدم بطلب العضوية بعد تأسيس مجلس التعاون مباشرة".
من جانبه يعتقد الصحفي الأردني ورئيس مركز حماية الصحفيين في الأردن نضال منصور أنه على الرغم من أن بحث عضوية الأردن يأتي متزامناً مع الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية، إلا أنه يجب النظر إليها أيضاً في إطار تحسن علاقة الأردن بدول الخليج بعد قطيعة حرب الخليج الثانية. ويضيف إن "هذه المنظومة الجديدة تؤكد على أن أنظمة الحكم الوراثية سواء كانت أسر حاكمة أو ملكيات برلمانية مثل الأردن لديها إمكانيات بناء تجربتها الديمقراطية الخاصة، وهذا يمنحها ربما إمكانيات أكثر تقدماً للصمود في وجهة المتغيرات في المنطقة، من تلك التي تمتلكها ما كان يسمى بالجمهوريات، التي تحولت فيما بعد إلى جمهوريات وراثية".
التحصن ضد عدو الثورات وتخلي الحلفاء
لكن مما لا شك فيه أن هذه الخطوة الخليجية ليست بمنأى عن "ربيع الثورات" الذي آخذ يحل على دول العالم العربي وأسقط نظامين جمهوريين حتى اليوم. في هذا السياق يقول حسني عبيدي إنه "من المؤكد أن القبول المبدئي لدول مجلس التعاون الخليجي انضمام دول أخرى الآن يأتي نتيجة للعواصف التي بدأت تضرب منطقة الشرق الأوسط، وباتت منطقة الخليج معرضة هي الأخرى لهزات داخلية سياسية". وهذه المخاوف من انتقال احتجاجات الشارع العربي إلى دول الخليج نفسها يأتي مقروناً بالقناعة التي وصلت إليها دول مجلس التعاون "بأن حلفائها التقليديين كالولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية مستعدة للتضحية بأقرب حلفائها، إذا ما وصلت عدوى حمى الديمقراطية إلى الدول القريبة منها سياسياً وأمنياً"، كما يرى عبيدي. يضيف مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط بالقول إن لدول المجلس رغبة في تعزيز موقفها أمنياً وسياسياً، لذلك فهي بحاجة إلى دول أخرى مثل المغرب والأردن، مشيرا إلى أن ما رجح كفة هذين البلدين هو طبيعة نظامهما السياسي، الذي لا يتعارض، بل يتشابه، مع طبيعة أنظمة دول مجلس التعاون.
مخاوف من تنامي النفوذ الإيراني
وفي ظل عدم تحقيق المجلس منذ تأسيسه عام 1981 لأي نجاحات، سواء فيما يتعلق بالعملة الموحدة أو بإقامة سوق خليجية مشتركة، فإن الهدف من ضم كل من الأردن والمغرب يبدو أقرب منه إلى إقامة "تحالف ملكي" ضد الثورات الشعبية من جانب و"تحالفاً سنياً" لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة من جانب آخر. وبحسب الخبير الجزائري، حسني عبيدي، فإن دول الخليج وصلت، في ظل ازدياد النفوذ الإيراني في المنطقة، إلى قناعة مفادها أن مواردها البشرية الضعيفة غير كافية لبناء قوة عسكرية بمكنها مواجهة القوة الإيرانية، وبالتالي فإن عضوية الأردن والمغرب "ستكون مبنية على الدعم العسكري في المقام الأول، بعيداً عن الجانب الاقتصادي". ويضيف عبيدي بالقول: "ما يمكن أن تقدمه الأردن والمغرب هو الدعم العسكري، إذا ما علمنا أن هناك تبادلاً عسكرياً وأمنياً كبيراً بينهم، فالشرطة المغربية موجودة في الكثير من دول الخليج نظراً لنقص الموارد البشرية في تلك الدول".
من جانبه يوضح الصحفي الأردني نضال منصور أن "دول الخليج تعتمد في منظومتها الأمنية على الدور الأردني في المجالات العسكرية والاستخبارية، وبالتالي فإن هذه الخطوة تأتي انعكاساً لهذا الترابط والتماثل الخليجي-الأردني". ويبدو أن موقف الأردن من قضية النفوذ الإيراني في منطقة الخليج تجلى في أوضح صوره خلال التعامل مع أحداث البحرين، فقد كان الأردن "واضحاً في إرسال رسالة مفادها أن أمن الخليج من أمن الأردن بعد أحداث البحرين، التي اُتهمت إيران بالوقوف ورائها"، حسب تعبير منصور.
أما موقف المغرب من هذا الصراع الإقليمي الخليجي-الإيراني فقد تبلور في وقت مبكرً، إذ سلطت إحدى الوثائق التي كشف عنها موقع ويكيليكس الضوء على دور سعودي في دفع الملك محمد السادس إلى قطع علاقات الرباط بإيران. ووفقاً للوثيقة فإن الدعم المغربي للسعودية قوبل بتعهدات بتعويضات مالية.
الإيغال في التشرذم العربي؟
وفي الوقت الذي يرى فيه عبيدي أن هذه الخطوة الإقليمية تمثل فشلاً آخر لمحاولات إحياء دور الجامعة العربية لأن تقوية المجالس الإقليمية على حساب الجامعة العربية هي خسارة للدول العربية. ويرى عبيدي أنه ينبغي عدم تجاهل التكتل العربي الأكبر المتمثل في الجامعة العربية، الذي يجب أن يكون حامياً لمصالح الدول العربية، معتبرا أن خطوة المجلس الخليجي تعكس "مدى الإحباط العربي وعدم ثقة مجلس التعاون الخليجي في الجامعة العربية، بشكل لا يزيد المنظومة العربية إلا انقساماً وتشرذماً".
كما يوضح مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط أن أول التحديات الذي سيواجهها هذا التوسع سيكون على المستوى الشعبي، فهو لا يعتقد أن هناك رغبة كبيرة لدى شعبي المغرب والأردن، أو شعوب الدول الخليجية نفسها في أن يتقاسموا ثروات بلدان المجلس "غير المقسمة أصلاً بين بلدان الخليج المؤسسة نفسها. لذلك فمن المحتمل ـ والكلام مازال لعبيدي ـ أن تبقى هذه العضوية إدارية وسياسية وتحالفية، أكثر منها عضوية فعلية على جميع الأصعدة.
عماد مبارك غانم
مراجعة: عبده جميل المخلافي