"توجهات بوش الجديدة لن تغير الوضع في الشرق الأوسط"
٢٩ يناير ٢٠٠٨لا يعود تهميش قضايا الشرق الأوسط في خطاب الرئيس بوش السنوي الأخير إلى تركيز هذا الخطاب بشكل تقليدي على القضايا الداخلية، والدليل على ذلك أن العراق أضحى منذ فترة طويلة أحد قضايا السياسة الداخلية في الولايات المتحدة، أما ما قاله بوش بهذا الخصوص، فليس سوى مجرد تفاؤل مصطنع. فمن جهة، ذكر الرئيس أن الوضع الأمني في بلاد الرافدين تحسن بشكل أكثر من المتوقع وأنه سيتم قريباً سحب 20 ألف جندي أمريكي من هناك، غير أنه من جهة أخرى نسي أنه هو نفسه من أعلن في أول مايو/ أيار 2003 نهاية أعمال العنف في العراق وتحقيق الأهداف المطلوبة هناك، كما نسي الإشارة إلى أن القوات التي سيتم سحبها، أُرسلت على شكل تعزيزات إضافية خلال العام الماضي.
فشل حلم تحويل الشرق الأوسط إلى واحة سلام
كان من المفترض أن يكون العراق مثالاً يُحتذى به لتحقيق حلم بوش في تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى واحة للسلام وللديمقراطية. غير أن هذا الحلم لم يتحقق، إذ أن العنف ما يزال يسيطر في العراق، وتذهب التقديرات إلى أن الاحتلال الأمريكي سيستمر هناك لسنوات طويلة. وفي لبنان تدعم واشنطن حكومة فؤاد السنيورة المنتخبة، غير أن البلاد تعاني بشكل متزايد من موجة أعمال إرهابية ومخلة بالأمن. كما إنه يعاني كذلك من أزمة سياسية داخلية تتعلق بتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس جديد منذ أشهر. أما الفلسطينيون فقد انتخبوا قبل سنتين، ولكن بشكل لا يتوافق مع آمال واشنطن والاتحاد الأوروبي. إن نجاح حركة حماس في الانتخابات لم يؤدِ فقط إلى صراعات بين حكومتين فلسطينيتين متنافستين، بل أيضاً إلى إضعاف فرص مفاوضات السلام مع إسرائيل.
توجهات بوش الجديدة نحو الشرق الأوسط
يبدو أن الرئيس بوش لاحظ في نهاية عهده خطأ سياسته في الشرق الأوسط على صعيد عملية السلام. وعليه، فقد أعلن عن بدء سياسة جديدة في مؤتمر أنابوليس، إضافة إلى قيامه بزيارة المنطقة للمرة الأولى، غير أنه من الصعب تصور إمكانية تحقيق الطموحات المتعلقة بإنجاز اتفاق سلام حتى نهاية العام الحالي. إن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب المزيد من الحرية والصلاحيات لمحمود عباس، وإلى تقديم مزيد من التنازلات من قبل إيهود أولمرت، كما يتطلب مزيداً من الضغوط الأمريكية، التي لن يقدم عليها أحد. فالرئيس بوش ما يزال متحيّزا لإسرائيل، إضافة إلى أن أي من المرشحين لخلافته لن يعارضه وخاصة خلال الحملة الانتخابية الرئاسية.
بوش يصب الزيت على أزمة الملف النووي الإيراني
إضافة إلى ذلك، فإن الأزمة الخاصة بالملف النووي الإيراني ما تزال قائمة، لاسيما وأن الرئيس بوش يصب النار على زيتها. صحيح أن إمكانيات المواجهة المباشرة مع طهران تراجعت، غير أن بوش ما يزال يراهن على عزل إيران وفرض مزيد من العقوبات عليها. وقد نجح في استمالة الأوروبيين إلى جانبه، أما الصين وروسيا فما تزالا بعيدتين عن موقفه.
وقد بحث الرئيس بوش أيضاً عن حلفاء ضد إيران في منطقة الشرق الوسط، خاصة في شبه الجزيرة العربية. غير أن نجاح جهوده أضحى ضعيفاً على ضوء تقرير للمخابرات الأمريكية يفيد بأن إيران تنازلت عن برنامج نووي لخدمة أغراض عسكرية. كما أن بوش لم يتبع نصيحة الديمقراطيين - وكما طالبت لجنة بيكر هاملتون- الداعية إلى فتح حوار مع سوريا وإيران من قبل الإدارة الأمريكية. أما الهدف من ذلك فهو إيجاد حل في العراق وحل المشاكل الثنائية بين واشنطن وكل من البلدين. وهكذا فإن بوش سيترك شرقاً أوسطيا بعيداً عن تحقيق أهدافه المعلنة ومقبلاً على نزاعات جديدة، فخلال الفترة التي تبقت من حكمه لن يكون في وضع يسمح له بإحداث تغيرات تُذكر.