Tunis-Konferenz
١٢ أكتوبر ٢٠٠٨يعتقد الدكتور رشيد إدريس، رئيس جمعية الدراسات الدولية بتونس، أن نظرة الرأي العام الشعبي في البلدان العربية لموضوع نزع أسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط، تختلف كثيرا عن تقديرات وتوجهات السياسيين في الغرب وعدد من الدول العربية. فبخلاف نظرة صناع القرار لفرضية إمتلاك إيران لسلاح نووي ومخاطرها الجسيمة على أمن وإستقرار منطقة الشرق الأوسط، تميل قطاعات شعبية واسعة في البلدان العربية إلى الترحيب بإمكانية تطوير إيران برنامجها النووي الى طابع عسكري.
وبخلاف المفاهيم، التي تركز عليها وسائل الإعلام الأوروبية في تناولها لقضايا التسلح النووي في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط ومخاطرها على البيئة وأمن وإستقرار بلدان المنطقة ، تهيمن التفسيرات السياسية والإيديولوجية في توجهات الرأي العام بالعالم العربي.
"التعاطف مع إيران ظاهرة ظرفية"
ويرى كمال بن يونس، رئيس تحرير مجلة "دراسات دولية" التونسية، أن التعاطف النسبي في العالم العربي مع إيران شبيه بالتعاطف مع الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر والرئيس العراقي السابق صدام حسين، وهي ظاهرة ظرفية ولا تعبر في عمقها عن مساندة لسيناريو إمتلاك إيران سلاح نووي، بقدرما هي ردود فعل ومشاعر إحساس بالظلم والعجز يغذيها ما تنقله وسائل الاعلام العربية وخصوصا القنوات الفضائية يوميا إزاء سياسات الولايات المتحدة في العراق والشرق الأوسط ، واستمرار الإعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين ولبنان.
أما السفير فيليب كوست، عضو مجلس العلاقات الخارجية الفرنسي، وهى إحدى المؤسسات التي تساهم في صنع السياسة الخارجية الفرنسية، فيرى أن اعتقاد فئات واسعة من الرأي العام العربي بـ"أن إمتلاك إيران لسلاح نووي أمر إيجابي"، ينطوي على مخاطر كبيرة، لأن إيران بحاجة الى رسائل معاكسة توجه اليها، وتكون واضحة لتثنيها عن تطوير برنامجها النووي لأهداف عسكرية.
ولذلك يعتقد السفير الفرنسي ان الحديث عن جدية سيناريو هجوم إسرائيلي على إيران، هو رسالة قوية موجهة لحكام طهران، ولا يقلل من قناعة الأوروبيين ومساعيهم القوية من أجل تغليب الحل الديبلوماسي للأزمة مع إيران واستبعاد الحل العسكري.
الإعلام الأوروبي وازدواجية المعايير
يرصد الخبراء إهتماما ملحوظا من قبل وسائل الإعلام الأوروبية بقضايا التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط، لكن الإشكالية المثيرة للجدل هى مدى حيادية وسائل الإعلام الأوروبية. عبد الله العبيدي، خبير تونسي يرأس مركز استشارات في ميونيخ، يعتقد أن "وسائل الإعلام الأوروبية الأكثر تأثيرا، تتعامل بإزدواجية معايير فهي تركز على مخاطر البرنامج النووي الايراني، وتغض الطرف عن الترسانة النووية لإسرائيل، التي تعتبر لحد الآن القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط".
لكن السفير الفرنسي فيليب كوست لا يتفق مع العبيدي ويرى أن تركيز وسائل الاعلام الغربية على مخاطر إمتلاك أسلحة الدمار الشامل أمر إيجابي للغاية، ويتعين أن يوازيه اهتمام من قبل وسائل الاعلام العربية، لأن من شأنه توعية الرأي العام والمساهمة في الضغط على صناع القرار في الدول المعنية لتفادي الأسوأ، سواء تعلق الأمر بطهران التي تصر قيادتها على المضي في برنامجها النووي، أو إسرائيل التي تسعى بعض قياداتها العسكرية للقيام بهجوم على إيران، وكذلك واشنطن التي تلعب دورا محوريا في الأزمة الإيرانية.
"الإشكالية تكمن في طريقة تناول وسائل الإعلام لملف التسلح"
غير أن محمد العبيدي يرى أن الإشكالية الكبرى تكمن في طريقة تناول وسائل الاعلام لملف التسلح، فمثلا صحيفة "دي تزايت" الألمانية المرموقة والتي يشارك المستشار الأسبق هيلموت شميت في إصدارها، تربط باستمرار في تقاريرها وملفاتها التي تنشرها حول هذا الملف، بين مخاطر التسلح النووي والارهاب والإسلام، وهو ما يثير خلطا شديدا لدى الرأي العام، ويغذي ظاهرة الخوف من الإسلام.
ويعزو العبيدي مسألة إزدواجية المعايير في عدد من وسائل الاعلام إلى خضوعها لنفوذ جماعات ضغط سياسية واقتصادية، أكثر من تعبيرها عن توجهات الشعوب الأوروبية، التي ترسخت لديها تقاليد وقيم السلام ومناهضة الحرب.
وبرأي الخبير المصري الدكتور عصام اسكندر، الباحث في جامعة عين شمس بالقاهرة فان النظر لدور الدين الإسلامي يشكل عنصر خلاف أساسي ، فبينما تسود في الرأي العام العربي نزعة الغضب والاستقواء بأي قوة تظهر في مواجهة الغرب وإسرائيل مثلما هو شأن إيران، تتسع نزعة الخوف من النمو الديمغرافي للمسلمين في أوروبا وما يمكن أن ينتج عنه من مظاهر "أسلمة" في المجتمعات الغربية.
ضرورة دعم الإعلام للحوار بين الغرب والعالم الإسلامي
وفيما يتعلق بدعم آليات التقارب والحوار بين الشعوب يرصد كمال بن يونس، رئيس تحرير مجلة "دراسات دولية" التونسية، "فراغا إعلاميا كبيرا وغياب شبه كامل لقنوات إعلامية مشتركة أوروبية وعربية تخاطب شعوب منطقة البحر الأبيض المتوسط بلغة تشجع على الحوار والتفاهم والتسامح والسلام،مقابل انتشار الشبكات الاعلامية الخاضعة لتوجهات أحادية الجانب غالبا ما تهيمن فيها قضايا الإثارة والشعوبية".