توثيق جرائم "داعش" ـ مطلب لن يتنازل عنه مسيحيو العراق
٢٧ نوفمبر ٢٠١٦أفضل المنازل احتلت من قبل قادتهم"، هكذا بدأ الأب عمار من كنيسة السريان الكاثوليك كلامه لـDW . وبحث رجل الدين، الذي يعمل بشكل وثيق مع أسقفية الموصل، في هاتفه حتى وجد صورا، وقرأ عددا من الأسماء بدأت كلها بكلمة "أبو". وأوضح الأب عمار قائلا: "كتبوا أسماءهم على جدار كنيستنا"، وتابع "وأحد هؤلاء القادة كان يسكن في بيت ملحق بالكنيسة".
منذ آب/ أغسطس 2014، وهو تاريخ سيطرة تنظيم مقاتلي "الدولة الإسلامية" المعروف إعلاميا بـ "داعش" على البلدة المسيحية في سهل نينوى، عاش الأب عمار في بلادة "عينكاوا" بالقرب من العاصمة الكردية أربيل. وهو حال معظم أفراد رعيته الذين يشكلون الجزء الأكبر من سكان قرقوش. وبعد أيام من تحرير البلدة من قبل الجيش العراقي عاد مرة أخرى إلى مسقط رأسه.
ويقول الأب عمار عن عودته "لقد كانت مشاعر صعبة تلك التي واجهتها، لأول ما شاهدت كان المستشفى ولم أستطع تمييز المبنى (جراء الدمار والتغيرات التي طرأت عليه)، وبكيت حقا". ويتابع "سكنت في غرفة بالقرب من كنيسة مارت شموني، حيث تقدم الكنيسة لأعضائها العون والمساعدة".
وأضاف الأب عمار "السكان غاضبون من رد فعل الحكومة، هي تريد تنظيف قرقوش، لإخفاء الجرائم". وتابع "نحن نريد توثيق كل شيء، كل الضرر والدمار، نريد أن نوثقه قبل أن يتم تنظيف أي شيء". ويقول "على كل حال توجد الآن بعض الاختلافات، ومنها مسح شعارات داعش من على الجدران".
ويتابع بأن العديد من مقاتلي "داعش" جاؤوا من القرى المحيطة، وزودوا قادة التنظيم بالوقود لتوليد الكهرباء، بالإضافة إلى المواد الغذائية. وتحولت بعض المنازل إلى مستشفيات وصيدليات للمقاتلين. فيما تحول قسم آخر من المنازل إلى مخازن للأسلحة، وحولوا كنيسة مار جورج إلى مصنع للقنابل.
ويصف الأب عمار ما حصل بقوله: لقد نهبت جميع المنازل، تماما مثل المقابر، حيث تم فتح القبور لسرقة أي شيء له قيمة تم دفنه مع الموتى. فيما أبقى تنظيم "داعش" بعض النساء من الطائفة الإيزيدية كجوار لأعضائه.
الحياة مع "داعش"
ظريفة بادوس دادو (77عاما)، عايشت هذه المرحلة تماما، فهي مكثت في بيتها في قرقوش أثناء سيطرة "داعش"، وذلك مع صديقاتها المسنات اللواتي كان بينهن مكفوفات. وهي دفنت زوجها خلال الأسابيع الأولى بعد وصول "داعش". وبالرغم من إخلاء التنظيم لمجموعة كبيرة من المسيحيين المسنين من القرية، إلا أن أمرا ما يبدوا أنه قد حصل معها كما قالت لـ DW. حيث أن مسلحي التنظيم سجلوها وصديقاتها الأخريات، وأبلغوهن بأنهن سوف يسمح لهن بالذهاب إلى أربيل. لكن يبدو أن مقاتلي التنظيم نسوا ظريفة وصديقاتها فبقين في بلدتهن.
ومن منزل أخيها في عينكاوا وصفت ظريفة أيام معايشتها السابقة للتنظيم بأنها كانت "صعبة"، وذلك بدون ماء أو كهرباء، متوافرة، كما أنها عاشت هي وصديقاتها على الطعام الذي كان يجلبه لهن "مسلحو داعش". وعن هؤلاء المقاتلين تقول ظريفة: "كان بعضهم لطفاء معنا، وكانوا يعتنون بنا" حتى أن أحد المقاتلين حذرها من الخروج إلى فناء منزلها لجلب المياه، حيث طائرات التحالف كانت دائمة البحث عن أية تحركات على الأرض.
ومن نافذتها التي تطل على المدينة كانت تشاهد المقاتلين يتحركون. "وكان بعضهم يطلق لحيته، وبعضهم لم يكن يفعل ذلك"، كما تقول. وبحسب المسنة العراقية فإن المشاكل بدأت مع قدوم المقاتلين الشباب الذين هددوها بأسلحتهم لاعتناق الإسلام "كما أنهم بصقوا على الصليب، وعلى صورة لمريم العذراء". وقالت إنها "في بعض الأوقات كانت متعبة نفسيا، وظنت أنها سوف تجن جراء الضغوط العصبية التي مرت به".
تحرير البلدة
على الرغم من أن منزلها هو الوحيد في قرقوش الذي لم يتم نهبه تماما، إلا أن المقاتلين قدموا عدة مرات للسؤال عما إذا كان بحوزتها ذهب أو مقتنيات ثمينة، وفي نهاية المطاف وجدوا مبلغ 15 مليون دينار عراقي حوالي (11000 يورو) كانت موضوعة في وعاء داخل الثلاجة، وذلك قبل أيام قليلة من تحرير البلدة.
وأثناء المعارك التي أسفرت عن تحرير البلدة، انقطعت عن الطعام الذي كانت تحصل عليه من "داعش" لعدة أسابيع، وكان قادة التنظيم قد غادروا منذ فترة، وشاهدت ظريفة البيوت المجاورة كتلة من النيران، وكان المشهد مخيفا حقا بالنسبة لها، وبالأخص عندما بدأ مقاتلو التنظيم بثقب جدران البيوت للتحرك من بيت لبيت كي لا يتم رصدهم.
إجمالي عدد المسيحيين المفقودين من البلدة لا يزال غير معروف بعد سيطرة "داعش" عليها. وتتراوح التقديرات بين 30 -70 شخصا. أحد الأشخاص ويدعى إدمون قدم من لندن للبحث عن قبر والده فرج سقات، الذي يعتقد أنه دفن في الشتاء الماضي من قبل صديق مسلم. وقال إدمون لـDW : "رأيت بعض الحجارة في الحديقة الأمامية للمنزل وكانت عصاه مدفونة هناك، إلا أنني أعتقد أن هذا القبر يعود لمسلم". وتابع أنه فور التعرف على جثة والده فسوف يدفنه في مقبرة قرقوش، حيث كان والده يريد أن يدفن.
يوديت نويرنك/ علاء جمعة