تهمة إهانة الرئيس تهدد حرية الإعلام في مصر
١٥ يناير ٢٠١٣تنص المادة 179 من قانون العقوبات المصري على المعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن 24 ساعة ولا تزيد عن ثلاث سنوات لكل من أهان الرئيس. هذه المادة أصبحت مؤخراً سيفاً مسلطاً على الإعلاميين في مصر بشكل غير مسبوق، يراه البعض فيها تهديداً واضحاً لحرية التعبير والإعلام. فخلال أشهر من تولي الرئيس محمد مرسي رئاسة الجمهورية المصرية اُتهِم العديد من الإعلاميين بإهانته كمحمود سعد وباسم يوسف وتوفيق عكاشة وجمال فهمي. في بعض تلك الحالات قُدم البلاغ عن طريق أحد المحاميين، فيما قُدمت بلاغات أخرى مباشرة من مؤسسة الرئاسة، بشكل لم تعتد عليه الدولة المصرية من قبل.
"القمع تحول من أمني إلى فكري"
"هذا التهمة ما هي إلا لكبت الحريات"، كما يقول المهندس محمد جلال لـ DW عربية، مضيفاً: "في كل دول العالم يتم انتقاد الرؤساء بشكل لاذع بل ويتم التعدي عليهم باللفظ أحياناً ولا نرى مثل تلك التهمة". ويرى جلال في استخدام هذا النص من قانون العقوبات عودة للقمع، موضحاً الفارق بين قمع مرسي وقمع مبارك بالقول: "في السابق كان القمع باستخدام أمن الدولة أما الآن فالقمع بات فكرياً". ولا يعتقد جلال أن ملاحقة الإعلاميين بتلك التهمة ستستطيع "تصفيتهم"، خاصة وأنهم لهم وزن في الشارع، على حد قوله.
ويتفق المحاسب حمادة محمود على أن التهمة لـ"تصفية" المعارضة و"ترهيبهم" على حد تعبيره. ويقول محمود في حوار مع DW عربية: "هؤلاء الإعلاميون كانوا ينتقدون الرئيس ولم يصل الأمر إلى الإهانة الشخصية". وفي هذا الإطار أيضاً يوضح المهندس إسلام حسين أن ملاحقة الإعلاميين بهذه التهمة ليس سوى وسيلة للضغط عليهم. وتوقع حسين أن تزيد تلك الأفعال من حماس الإعلاميين، فيما طالب مؤسسة الرئاسة بالترفع عن الدخول في تلك الصراعات.
"وهم إرهاب الإعلاميين"
وكان لـDW عربية حديث مع الكاتب الصحفي الأستاذ جمال فهمي وكيل نقابة الصحافيين، وهو أحد من قُدم ضدهم بلاغ يتهمه بإهانة الرئيس. ويقول فهمي عن البلاغ أنه حتى الآن لا يعلم تحديداً ما إذا كان البلاغ ضد مقال كتبه أو شيء قاله في أحد البرامج. لكن ما يعرفه هو أن البلاغ مقدم مباشرة من رئاسة الجمهورية. وضحك فهمي بتهكم قائلاً في حوار مع DW عربية: "قد يكون هدية من الرئيس محمد مرسي على مجمل أعمالي"، مشيراً إلى أن التدخل المباشر من رئاسة الجمهورية يدل على أنهم أقل كفاءة من نظام مبارك و"أن الجماعة أكثر فاشية وديكتاتورية".
ويرى فهمي أنه لا يفضل أن يدخل رئيس الجمهورية طرفاً في بلاغات كتلك، مضيفاً: "تعودنا قديماً أن تحرك السلطة البعض لتقديم بلاغات من هذا النوع ضد الإعلاميين، لكن الجديد الذي أضافه مرسي أنه هو الذي قدم البلاغ".
وعما إذا كانت تهمة إهانة الرئيس أصبحت أداة لـ"تصفية" المعارضين من الإعلاميين أو "إرهابهم" يقول فهمي: "تلك التهمة واحدة من أسوء التشريعات المتوارثة من عصر ما قبل الثورة لكنها ورغم ذلك لم تستخدم في عصر أي الرؤساء الثلاثة السابقين ولم تستخدم سوى في عصر مرسي". ووصف فهمي جماعة الإخوان المسلمين بالـ"فاشيين الخاشين"، موضحاً معنى ذلك بالقول: "هم يسيطرون الآن على قرابة تسعين بالمائة من الإعلام الحكومي والخاص، ورغم ذلك فالعشرة في المائة المتبقية تقلقهم كثيراً. يتوهمون أن باستطاعتهم إرهاب الإعلاميين".
وعن تصريح وزير العدل المستشار أحمد مكي بتمنيه زوال تلك المادة من قانون العقوبات، تساءل فهمي: "إذا كان هذا ما يقوله من في السلطة فماذا نفعل نحن؟". ويرى فهمي أن من في السلطة باستطاعته تحقيق ذلك بشرط توافر الجدية، مشيراً إلى عدم معرفته إلى ما سوف يؤول إليه البلاغ المقدم ضده.
تهمة "فضفاضة" يساء استخدامها
وعن خطورة التهمة على حرية الإعلام والتعبير تقول د. هويدا مصطفى، أستاذة ورئيسة قسم الإذاعة والتليفزيون في جامعة القاهرة، إن التهمة أصبحت مبرراً يتم استخدامه على نطاق واسع للهجوم على التناول الإعلامي الذي ينتقد قرارات مؤسسة الرئاسة. وترى الدكتورة هويدا أن التهمة "فضفاضة"، على حد تعبيرها. وتفسر رؤيتها في حديث إلى DW عربية قائلة: "لا يوجد تصنيف للفعل الإعلامي الذي يعد إهانة للرئيس لذلك يساء استغلال هذا المصطلح لتقييد حرية التعبير". وأضافت بالقول: "في كثير من القضايا ضد الإعلاميين يستخدم هذا البند للخلط بين التجريح والنقض خاصة وأن معظم الإعلاميين لم يتناولوا الرئيس كشخص بل كمسؤول". واستدلت الدكتورة هويدا لتأكيد كلامها على أحكام البراءة التي صدرت بحق بعض الإعلاميين، آخرهم الإعلامي توفيق عكاشة.
وأكدت رئيسة قسم الإذاعة والتليفزيون في جامعة القاهرة على رفضها للتجريح الشخصي ووجوب مراعاة أخلاقيات المهنة من جانب الإعلاميين لكنها طالبت أيضاً بضرورة مراجعة بعض القوانين، ومنها هذا القانون "الذي يشكل خطراً على حرية الإعلام". وتقول في هذا الصدد لـDW عربية: "لدينا في مصر الأمور غير واضحة والقوانين مبهمة لذا قد يتم استغلالها بشكل سيء ضد حرية الإعلام". واستنكرت الدكتورة هويدا تدخل مؤسسة الرئاسة بشكل مباشر في تقديم بلاغات ضد بعض الإعلاميين، معتبرة أن "تدخل الرئاسة في تقديم البلاغات شيء جديد لم نعتاد عليه وهو ليس من مهامها وغير مبرر".
وفي ختام حديثها لـDW عربية تناولت الدكتورة هويدا برنامج "البرنامج" السياسي الساخر الذي يقدمه الإعلامي باسم يوسف والذي كان محط الكثير من الانتقادات والاتهامات بإهانة الرئيس. وتقول الدكتورة هويدا عن فكرة البرنامج إنها موجودة في كل دول العالم وتتناول جميع الرموز ويتقبلها المجتمع تحت بند النقد اللاذع. وعادت الدكتورة هويدا للتأكيد على أنه يجب في كل الأحوال أن يكون هناك ضوابط أيضاً لهذا النوع من البرامج، مضيفة بالقول: "يجب أن يتم تناول الشخص في إطاره المهني وليس التجريح فيه كشخص".