تنظيم القاعدة من نموذج عالمي إلى نموذج محلي
١٥ ديسمبر ٢٠١١يرى جاسم محمد أن القاعدة وتنظيمها المركزي قد تحول من النموذج العالمي إلى تنظيم محلي منذ عام 2006 وتفكك إلى تنظيمات محلية وخلايا رغم أن وجهة النظر المخالفة ترى أن ذلك يجعل الشبكة أكثر مرونة باختيار الأهداف وتنفيذ العمليات مع الحفاظ على مركزية التمويل .
شهد التنظيم تراجع كبير بعد مقتل قياداته في العراق أبرزهم أبو مصعب الزرقاوي 2006 وأبو عمر البغدادي زعيم تنظيم دولة العراق الإسلامية ووزير الحرب أبو أيوب المصري واسر والي بغداد .
هذا التراجع قد يعتبر ترهل قيادات التنظيم وتقدمهم في العمر بعد أن كانوا يمسكون القيادات الميدانية في حرب أفغانستان وقبل منعطف الحادي عشر من سبتمبر 2001 و يؤكد مسؤولون أميركيون أن هزيمة تنظيم القاعدة أصبحت وشيكة رغم تشظيها عقائديا بعد تعقب كبار قياداتها ولم يعد لديهم من التنظيم المركزي أكثر من الظواهري الذي استلم التنظيم وسط ظروف تراجع التنظيم وتشديد المراقبة لذلك تحاول الولايات المتحدة سحب الظواهري الى الواجهة كخطوة استفزازية وفقا إلى ما ذهبت إليه بعض التقارير المفتوحة بهدف تعقبه واستهدافه .
أما تورط قيادات التنظيم المحلية بالقتل وإهدار دم المسلمين داخل المجتمعات الإسلامية و الذي كان موضع خلاف داخل الشبكة ذاتها أبرزهم خلاف الزرقاوي مع شيخه المقدسي حول هدر واستباحة دماء المسلمين من الأبرياء في العراق والتي تعارض فتاوى التنظيم المركزية مما ساعد بروز وانتشار فصائل أخرى كدولة العراق الإسلامية وفصائل أخرى تعمل بعقيدة القاعدة .
وفي اليمن أيضا كانت شبكة القاعدة على خلاف مع القبائل اليمنية رغم حماية القبيلة الى مقاتليها بعد ان تجاوزت سلطتهم سلطة القبيلة ومنها في صعدة شمال اليمن في مركز دماج الذي يعد اكبر معاهد لتخريج مقاتلي شبكة القاعدة والسلفية التكفيرية اللذين يرتقون درجات على السلفية ذاتها .
"فشل التنظيم بالتعايش مع المجتمعات المحلية "
أما حرب الشيخ بن عبد العزيز والشيخ هادي في وادي آل جباره في صعدة شمال اليمن ضد الحوثيين 2010 والتي انتهت بإخراج بن عزيز من وادي آل جباره فيعتبر نموذجا آخرا لفشل التنظيم بالتعايش مع المجتمعات المحلية ويرى المراقبون بان فشل التنظيمات في بناء علاقات اجتماعية مع المجتمعات المحلية وانتهاك أعرافهم وقتل أبنائهم كان يعتبر بداية لتراجع التنظيم رغم أن سياسة شبكة القاعدة تقوم أولا بالتزاوج مع المجتمعات التي تقيم معها للحصول على الأمن والحماية تحت باب الجهاد فرض عين على المسلمين ورغم الجهد الإعلامي التي تبذله القاعدة بنشر عقيدتها وترويج أفكارها فإنها مازالت تعاني من التراجع .
ما شهده التنظيم من خلافات مع طالبان أفغانستان التي ترى بان مشكلتها محلية وليس لها علاقة بعولمة أهداف القاعدة وتنظيمه المركزي وخلافات شبكة القاعدة في العراق الذي افرز الصحوات جعل التنظيم يكتب على نفسه التراجع ويخلق حروب داخل منظومة التنظيمات المحلية لتصل إلى حالات التصفية والمواجهات المسلحة بدل من مواجهة خصمه الحقيقي .
وربما لم تستطيع شبكة القاعدة تحقيق عمليات نوعية لا في الولايات المتحدة ولا في أوربا منذ عام 2006 ولحد الآن ماعدا عملية البلوي الذي استطاع تفجير نفسه داخل محطة وكالة أل سي اي اية في أفغانستان في كانون الثاني 2010 ..والتي كانت فعلا عملية نوعية راح ضحيتها خمس من عملاء السي اي اي منهم العميل المشرف على البلوي والتي أدت إلى تراجع عمل الوكالة لمراجعة مصادر معلومات الوكالة رغم أن بعض المصادر جيّرت هذه العملية إلى طالبان وليس شبكة القاعدة .
وجاء مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن في شهر مايس 2011 ليسدل الستار على الجيل الأول من التنظيم رغم وجود قيادات رمزية بديلة أبرزها الظواهري وأبو يحيى الليبي وسيف العدل وهي شخصيات لا تتمتع بنفس الكاريزما الجهادية والرمزية التي كان يتمتع بها أسامة بن لادن ، فتركت الأضواء للجيل الثاني والثالث من التنظيم الذي ظهر أكثر حيوية بتنفيذ الأهداف والتنقل والحركة والتأثير ومجارات العصر أبرزهم أنور العولقي الذي اعتبره الخبراء المعنيون " الأب الروحي والملهم " لشبكة القاعدة بديلا عن أسامة بن لادن ، لما استطاع يحققه من عمليات تجنيد أبرزها الضباط الطبيب الأميركي نضال حسن الذي نفذ عملية انتحارية ضد زملائه في قاعدة فورد الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2009 موقعا 13 قتيلا وكذلك تجنيده فاروق عبد المطلب النايجري الأصل الذي نفذ محاولة تفجير طائرة الايرباص المتجهة من أمستردام إلى ديترويت خلال فترة أعياد الميلاد في 25 ديسمبر/كانون الأول 2009 .
غيّرت القاعدة مواقعها فسهل اصطيادها
تغيير جغرافية شبكة القاعدة ومواقع تواجد قياداتها بعد اشتداد المراقبة الأميركية عليها في أفغانستان ابعد الكثير من قياداتها لتختار إيران وباكستان واليمن مكان بديل لنشاطها وبالتأكيد قد اثر هذا سلبا في اتصالات التنظيم واضعف مستوى حمايتها إلى خط الخطر مما ساعد الولايات المتحدة بتعقب مراسلاتها وتصفية قياداتها من خلال رصد ومراقبة ساعي البريد وهذا ما حدث مع اغلب حالات القتل والاغتيال لأبي مصعب الزرقاوي وأبي عمر البغدادي وأبي أيوب المصري واسر والي بغداد .
وتكشف التقارير ان عدد أفراد تنظيم القاعدة في العراق قد تقلص إلى ألف مقاتل أما تنظيم القاعدة المركزي فلا يتجاوز عدده أكثر من خمسمائة شخص وفقا لتقارير وكالة المخابرات المركزية والقادة العسكريين الميدانيين .
هذا التراجع كان واضحا في استخدام الخلايا الفردية بسبب ضعف التمويل و الاتصالات مابين أعضاء التنظيم ومن بين العمليات الفردية الفاشلة التي قام بها التنظيم هي محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف خلال حضوره اجتماع داخل المملكة العربية السعودية في الرياض 2009 ومحاولة إرسال طرود بريدية ملغومة في 29 أكتوبر 2010 من داخل اليمن إلى الولايات المتحدة واليونان ومكتب المستشارة الألمانية انغيلا ميركل .
الثورات العربية أدت إلى تراجع شبكة القاعدة وسرقت الأضواء منها ولأن هذه الثورات أعطت حلولا أخرى باتجاه مختلف اعتبره البعض ولادة جديدة للإخوان المسلمين والتيارات الأصولية الأخرى ومنها السلفية غير المرتبطة في تنظيم القاعدة أو الأقل تطرفا من التنظيم تقضي على الإسلام فوبيا .
وقد كشفت بعض التقارير الأميركية استخدام الوكالة المركزية أسلوب الخصخصة بالتعامل مع ثورات الربيع العربي أي اللجوء لخبراء استخبار معنيين قريبين من القادة العرب ودوائر صنع القرار لتقديم المشورة في معالجة الأزمات ، وأضافت التقارير ان استخدام الوكالة أسلوب الخصخصة بالاتصال هو بهدف خداع القادة العرب ودوائر صنع القرار والتخلص منهم وهو أسلوب جديد اتبعته الإدارة الأميركية بالتخلص من حلفائها بالمنطقة .
إصلاح وكالة المخابرات المركزية و تفكيك تنظيم القاعدة
اعتمدت إدارة اوباما منذ الأيام الأولى سياسة وإستراتيجية جديدة وهي تفكيك تنظيم القاعدة الرئيسي لذالك كان موضوع إصلاح الوكالة وإعادة تعيين قيادات جديدة منها ليون بانيتا مديرا للوكالة وأعقبه الجنرال العسكري باتريوس واستلام بانيتا مسؤولية وزارة الدفاع مؤخرا تأتي ضمن السياسة الذكية الناعمة . لقد استفاد اوباما من تجربة حرب الصقور في إدارة بوش والخلافات مابين الخارجية والبنتاغون كثيرا وكذلك لجنة هاملتون حتى اعتبر بعض المراقبين بان تعيين بانيتا وزيرا للدفاع بدلا من غيتس في إدارة بوش السابقة / عميل مخابرات مخضرم وترأس الوكالة لسنوات عدة ، كخطوة باتجاه تلطيف العلاقة مابين البنتاغون والخارجية وقد تكون كلينتون وزير الخارجية وراء هذه التنقلات خاصة وان فريق إدارة اوباما في الغالب من عهد إدارة الرئيس الأميركي الاسبق بيل كلنتون .
كذلك سعى اوباما إلى تحسين علاقة الوكالة بمجلس الشيوخ والكونغرس من خلال تعهده باتباع الشفافية في استجواب معتقلي تنظيم القاعدة ورفض أساليب التعذيب والاستجواب خلال فترة إدارة بوش وكذلك إغلاق معتقل غوانتناموا ومحاكمة البعض منهم في جلسات مفتوحة وذهب اوباما أكثر لحماية وكالة المخابرات المركزية وعملائها بإقامة علاقات قانونية شفافة مع الادعاء العام الأميركي ليجنب وكالته من أي مسائلة قانونية .
لقد أعاد اوباما بريق وكالة المخابرات المركزية وشيء من مهنيتها في ترتيبات الإدارة والميزانية وتحديد السقف الزمني لعملياتها بالتنسيق مع البنتاغون وإيجاد محطات إقليمية للتنسيق السريع دون العودة إلى المركز في تنفيذ العمليات المهمة خارج أراضي الولايات المتحدة الأميركية .
وجاءت عملية مقتل أسامه بن لادن في شهر مايس 2011 داخل الأراضي الباكستانية تتويجا الى عمل الوكالة ومديرها العجوز بانيتا الذي استطاع ان يحقق من وجهة نظر أميركية ما عجز عنه أسلافه وهي رغبة أميركا بقتل أسامة بن لادن وقياداتها ، علاوة على عملية اصطياد أنور العولقي الذي قتل في محافظة مأرب شرقي اليمن وستة من مرافقيه في غارة جوية في استهدفت سيارة كانوا على متنها في منطقة آل مروان الواقعة بين محافظتي الجوف ومأرب في الأيام الأولى من تسلّم بترايوس مسؤولية الوكالة ووصف مقتل أنور العولقي بأنه أحد أكبر الضربات التي مني بها تنظيم القاعدة منذ مقتل زعيمه أسامة بن لادن في مايو/أيار الماضي 2011 .
وفي تطور اخر فقد ذكرت بعض المصادر السياسية المصنفة من داخل اليمن بان العملية جاءت بوشاية من الرئيس علي عبد الله صالح بعد عودته الأولى من المملكة العربية السعودية بعد أن وفر له علي صالح الحماية داخل بيوت احد مستشاريه من قبيلة العولقي ذاتها في صنعاء ليرفع من درجة تعاونه مع وكالة المخابرات المركزية ودعمت هذه العملية موقف أوباما وإستراتيجيته في التعامل مع مسائل الأمن القومي الأميركي وأسكتت انتقادات كثيرة كان يطلقها خصومه من الجمهوريين كما رفعت من شعبية أوباما في استطلاعات الرأي و يشير خبراء الدفاع بان مهام بانيتا ستتركز في تقليص ميزانية البنتاغون والانسحاب الهادئ وتقليص القوات الأميركية ونفقاتها في الخارج معتمدا على خبراته السابق في ترشيد الميزانية والإدارة .
عمليات طائرة بدون طيار
أعاد قانون إصلاح عمل الاستخبارات ومنع الإرهاب الذي صدر في عام 2004 هيكلة شكل وعمل وكالة المخابرات المركزية والأجهزة الاستخبارية الأخرى ومنح القائمين عليها صلاحيات غير مسبوقة بالقتل وسرّع من استخدام عمليات القصف الصاروخي وطائرات بدون طيار والمعروفة باسم ( درون) ،
وهكذا تسارعت سياسة الوكالة المركزية باستخدام طائرات بدون طيار إلى حد كبير في عهد إدارة أوباما لتصل إلى أكثر من 160 عملية بحسب تقرير بي بي سي .
دعاة حقوق الإنسان يعتبرون ذلك غير مبرر في أداء الوكالة معتبرينه اقرب إلى عمليات اغتيال غير شرعية تهدف إلى تصفية الخصوم جسديا سيما وان نشاطها يأتي في سياق سري يشرف على عملها جهاز المخابرات الأمريكية وتسبب بسقوط ضحايا مدنيين .
و في تقرير منفصل يعني بحقوق الإنسان أيضا فان استخدام وكالة المخابرات المركزية للطائرات التي تعمل بلا طيار في أفغانستان وباكستان لمحاربة مقاتلي القاعدة وطالبان أدى إلى مقتل مئات من الناس بينهم مدنيون أبرياء .
إن تراجع تنظيم القاعدة وسط تصاعد ربيع الثورات العربية أعطى مؤشرات على صعود الأخوان المسلمين في مصر وتنظيمات أصولية اقل تطرفا وتنظيمات أخرى موالية للقاعدة في شمال أفريقيا وفي اليمن تحت اسم أنصار الشريعة، هذه المجموعات تحتاج إلى وقت أطول لترتيب نفسها وقد تكون أسهل تدجيننا من وجهة نظر أميركية وفي نفس الوقت ممكن اعتبارها فرصة لأميركا والغرب لفتح نوافذ جديدة تمكنها من مواجهة أزماتها المالية تحت اسم إعادة البناء والتعمير او إعادة هيكلة الدول وفق منظور السياسة الأميركية الناعمة بتغيير المنطقة بعد ان واجهت سياسة التدخل العسكري المباشر رفض من الرأي العام العربي والإسلامي ناهيك عن كلف الميزانية لتحقيق ذات الأهداف في منطقة الشرق الأوسط .
جاسم محمد
مراجعة ملهم الملائكة